سبسطية بين الإهمال وسطوة الاحتلال

صورة تظهر الساحة الرئيسية للقرية الاثرية التي تعاني الاهمال - الجزيرة نت

الساحة الرئيسية للقرية الأثرية تعاني الإهمال (الجزيرة نت)

عاطف دغلس-نابلس

حين كانت تغلق بوابتها الحجرية على مدخلها الغربي كان القاطنون بمدينة عكا على بعد مئات الكيلو مترات يسمعون صداها، أما الآن فلا صوت ولا صدى يُسمع لقرية سبسطية الأثرية شمال مدينة نابلس بالضفة الغربية أمام محاولات السرقة والسيطرة الإسرائيلية.

ولم تشفع ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد من عمر القرية أو "المدينة الرومانية" كما أطلق عليها، وسبعة عصور توالت على حكمها، لوقف عمليات التهويد، أو حتى إعادة الاهتمام والعناية بها.

القرية سكنها الكنعانيون العرب، ثم قبعت تحت العصر الحديدي وسكنها كذلك اليونان والرومان والبيزنطيون والصليبيون ثم جاء العصر الإسلامي.

غير أن جذورها تعود للعصر البرونزي، حيث تنقل الروايات أن ملكا يدعى عمري قد اشترى التلة التي تقع عليها القرية الآن من صاحبها "شامر" وبنى عليها المملكة وسماها شامري، وتحولت بعد ذلك إلى السامرة وتعني الحارسة. 

وفي حقبة اليونانيين قدم الإمبراطور اليوناني أغسطس المدينة إلى الملك الروماني هيريدوس الأكبر، ويقال إنه باعها له أو أهداه إياها لمساعدته له بالحروب ضد اليونانيين، وسماها "سبستيا" ومعناها باليوناني أغسطس نسبة له، وتعني مدينة الحكم الموقر أو الرجل العظيم، وبني معبد للإمبراطور أغسطس وشيدت الملاعب والمسارح وشوارع الأعمدة.

وحتى هذا التاريخ يواصل الاحتلال الإسرائيلي غطرسته ومساعيه لطمس أكبر معالم السياحة الفلسطينية بشمال الضفة الغربية.

مسجد القرية الأثري (الجزيرة نت)
مسجد القرية الأثري (الجزيرة نت)

غول الاحتلال
وحول هذا الشأن تقول رئيسة بلدية القرية كميليا سكر إن قريتها تتعرض للإهمال والسرقة، مبينة أن إسرائيل لا تكتفي بمصادرة 400 دونم (دونم=ألف متر مربع) لصالح مستوطنة شافي شمرون، بل تسيطر على 50% من أراضي القرية، "وتضعها تحت ما يسمى الحدائق العامة الإسرائيلية".

وأوضحت سكر للجزيرة نت أن إسرائيل بذلك تمنع التنقيب والترميم للأماكن الأثرية "بل تقوم بسرقة القطع الأثرية عبر عملائها لصوص الآثار بإغرائهم بالأموال" إضافة لعمليات الاقتحام للقرية والاعتداء على سكانها.

وأشارت إلى أن قلة الاهتمام الفلسطيني بالقرية زاد وضعها سوءا، متهمة الجهات المعنية برعاية الآثار بالقصور في عمليات التأهيل والترميم.

ولم تكتف إسرائيل بشطب اسم القرية عن الخريطة السياحية لفلسطين، بل منعت عمليات التنقيب بها منذ احتلالها للضفة عام 1967، وقامت بعمل منظم وممنهج لعدم جذب السياح إليها، عبر الادعاء بتعرضهم لعمليات "إرهاب وخطف" كما يقول المرشد السياحي بالقرية نور الدين مخيمر.

ويوضح مخيمر للجزيرة نت أنه وقبل عام 2000 كان يزور القرية أكثر من 350 سائحا أجنبيا يوميا، إلا أنه وبعد ذلك التاريخ تراجعت أعداد السائحين للصفر.

وأشار إلى أن القرية تحوي 13 معلما تاريخيا، أهمها شارع الأعمدة والساحة الرئيسية وقصر الملك هيريدوس، والمدرج الروماني إضافة لقبر نبي الله يحيى عليه السلام، والذي قتل بفترة الملك هيريدوس الابن ودفن فيها.

المشاركون بالمسيرة قطعوا خمسة كيلومترات مشيا على الأقدام تعبيرا عن تضامنهم (الجزيرة نت)
المشاركون بالمسيرة قطعوا خمسة كيلومترات مشيا على الأقدام تعبيرا عن تضامنهم (الجزيرة نت)

شد الرحال
كل هذا دفع الأهالي إلى تنظيم مسيرة تضامنية مع البلدة الأثرية، شارك بها مئات الفلسطينيين من قرى سبسطية وبرقة ومدن نابلس وجنين وغيرها، لدعم القرية والتوعية بأهميتها التاريخية. 

وانطلقت المسيرة أمس الخميس من أمام محطة سكة قطار الحجاز بمنطقة المسعودية الواقعة بين قريتي برقة وسبسطية شمالا، لتعرض هذه المنطقة ومنذ احتلال الضفة الغربية لثلاث محاولات متتالية للتهويد والاستيطان.

ورافقت الجزيرة نت الأهالي مسيرتهم التي كانت مشيا على الأقدام قرابة خمسة كيلو مترات، لتعزيز تواصلهم مع القرية الأثرية، وللوقوف أمام عمليات الاستيطان الإسرائيلية "وكخطوة جديدة وفعالة لحماية القرية".

من جهته قال القائم بأعمال مدير وزارة الآثار والسياحة بنابلس إن الاحتلال يحد من نشاطهم لحماية القرية من سرقة آثارها، عبر توفير الحماية لمن يقومون بهذه السرقة، وعدم السماح للجهات الفلسطينية المعنية بإحداث عمليات ترميم للقرية لوقوعها ضمن مناطق "سي" أي تحت السيطرة الأمنية لإسرائيل.

واعترف محمود بيراوي كذلك بأن جهودهم لم ترتق للمستوى المطلوب، لعدم وجود ميزانية مخصصة من وزارة السياحة لترميم وإصلاح هذه المناطق، وأن الاعتماد يكون غالبا على الدعم الخارجي بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني "إن جي أوز" عبر اشتراطات وآليات معينة للتنفيذ.

المصدر : الجزيرة