طريق الورود.. الفن ممزوجا بالصوفية

أعمال للفنان الجزائري رشيد القريشي مع بعض أعماله بمعرض "طريق الورود"

الفنان الجزائري رشيد القريشي مع بعض من أعماله بمعرض "طريق الورود" (الجزيرة نت)

                                                     شرين يونس-أبو ظبي


للكلمات والأرقام والضوء والظل دلالاتها ورمزيتها في معرض "طريق الورود" للفنان الجزائري والعالمي رشيد القريشي، يتخطى حدود الموهبة الفنية، جاعلا من كل هذه العناصر رسائل روحانية وصوفية عكف القريشي سنوات طوال على إنجازها.

ويحتفي القريشي من خلال "طريق الورود" المنظم من طرف مجموعة أبو ظبي للثقافة والفنون ضمن فعاليات مهرجان أبو ظبي، بالمفهوم الإسلامي لموضوع السفر، ويأتي تكريما لإرث الشاعر والصوفي الكبير جلال الدين الرومي الذي عاش في القرن الثالث عشر.

وبزغت فكرة المشروع منذ سنوات طويلة عندما كان القريشي في زيارة لتركيا وتوقف عند ضريح الصوفي المشهور جلال الدين الرومي وكذلك بعض الآثار ذات العلاقة بالمواقع المسيحية القديمة، فأراد أن يعيد هذا الجو لهذه المناطق، وهو ما استغرق منه نحو خمسة عشر عاما.

رشيد القريشي يشرح لزواره بعض أفكار المعرض (الجزيرة نت)
رشيد القريشي يشرح لزواره بعض أفكار المعرض (الجزيرة نت)

تركيبة فنية
ويروي القريشي أنه لم يرد من خلال مشروعه القيام بعمل فلكلوري يحتفل بالرقصة الدائرية للدراويش، وإنما أراد تركيبة فنية تعكس إدراكا فنيا مغايرا من خلال وسائل الفنون التشكيلية، وهي طريقة لجمع الأفكار الصوفية الهامة باستخدام وسائل الفنون الأخرى.

كان ابتكار العمل -كما يصفه القريشي فى شرحه لزوار معرضه- أشبه بالزيارة المقدسة إلى مناطق مختلفة من العالم وإلى دول عديدة مختلفة.

وتطلب الأمر -كما يذكر الفنان- كثيرا من البحث للعثور على مجموعات خاصة من الفنانين المهرة الذين لا يزالون يحافظون على أطقم الحرير التي ورثوها، والاضطرار للسفر لإعادة اكتشاف هذه التقاليد البعيدة.

ظهر "طريق الورود" كنسيج كامل للمرة الأولى في العام 2001 في بينالي البندقية التاسع والأربعين، وبعد ذلك في 2002 و2003 في معرض بمتحف جونسون بجامعة كورنيل في إيثاكا نيويورك. وكان العرض الثالث في الأردن في المعرض القومي للفنون الجميلة، وفي 2007 بقلعة الجزائر العاصمة، ثم جاء العرض الخامس بأبو ظبي في أول رحلة له بالخليج العربي.

عناصر متعددة
عناصر عدة يستخدمها القريشي، فتتضمن تركيباته النحتية السيراميك والأقمشة والمعادن المختلفة، بالإضافة إلى أعمال الرسم على الحرير والورق والقماش.

تركيبات نحتية من المعرض (الجزيرة نت)
تركيبات نحتية من المعرض (الجزيرة نت)

ويتكون المعرض، المنظم في الفترة من 20 مارس/آذار حتى الرابع من أبريل/نيسان القادم، من ممر طويل من صفين، أحدهما لـ24 من أواني الخزف ووضعت بداخل كل منها ثلاث من أوراق الورد الأحمر تسبح في ماء الورد، وهي تشير، بحسب ما أوضح القريشي، إلى الأديان السماوية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية.

وتزين تلك الأواني رموز صوفية يبرز فيها رسم مبسط لدرويش يرفع يديه إلى السماء مبتهلاً وهو يقوم برقصته الدائرية المعروفة، بينما كتبت عبارة صوفية في مناجاة الخالق مفادها "أنت حبي منذ سنين".

رقص الدروايش
الصف الآخر يقف فيه 28 تمثالا من الصلب تمثل دراويش يؤدون "رقصتهم أو صلاتهم"، رتبت هذه الأعمال المختلفة بطول ممر محوري مركزي كل شخص يقدم شيئا ما يكمل الآخر أو يكتمل به.

وعلى جانبي الصفين غرف صغيرة متقابلة أسدلت عليها ستائر بيضاء، وكتب على باب كل غرفة اسم من أسماء الله الحسنى، وجاءت جميعاً على مستوى أفقي واحد، ولكن اختلفت درجة شفافية القماش الذي حمل كل اسم منها في تدرج يصل إلى أعلى مستوياته عند اسم الله عز وجل.

داخل كل غرفة قطعة من القماش الأزرق المنسوج والمطرز يدوياً باللون الذهبي، مستلهما كسوة الكعبة، تحمل هي أيضا نقوشا ورموزاً صوفية، بالإضافة إلى عبارات تتكرر بتراتبية معينة.

مع نهاية الطريق يجد الزائر حائطا ثبتت عليه 49 تمثالا بحجم أصغر، ترمز إلى الإنسان المؤمن، ثبتت على خلفية بيضاء وسلطت عليها إضاءة خاصة بحيث تبدو ظلال المنحوتات السوداء متداخلة ومتقاطعة على الحائط الأبيض خالقة علاقات موحية بينهما.

في الجهة المقابلة للحائط، تقف النقطة المركزية لطريق الورود، التي تبدو من نهايته طاقة ضوء تبرز بين طبقات من الظلال السوداء رغم كثافتها لم تستطع أن تحجب الضوء الساطع لاسم الله، ومعه وضع الفنان العبارة الصوفية "دائما أنت في قلبي".

من أعمال للفنان الجزائري رشيد القريشي 
 (الجزيرة نت)
من أعمال للفنان الجزائري رشيد القريشي
 (الجزيرة نت)

دلالات رمزية
يتميز "طريق الورود" بكثافة رموزه، فللألوان والظلال والغرف والإضاءة والرسوم والأرقام دلالاتها الروحانية والصوفية. فاختيار اللونين الأزرق والذهبي في الرسم على المنسوجات جاء لكونهما لونين غير مرئيين ولا يمكن الإمساك بهما، مثل ماء البحر الأزرق وأشعة الشمس الذهبية، بالإضافة لكونهما الأكثر قيمة ونقاء، بحسب شرح القريشي.

وللغرف المتقابلة أيضا رمزيتها، يقول القريشي "هي بمثابة المساحة بين الإنسان وذاته، فلكل منها أفكاره ومعتقداته، والصوفي يؤمن أن الحقيقة مثل المرآة التي سقطت من السماء فتكسرت إلى قطع صغيرة تناثرت في كل مكان، وتوزعت بين الناس جميعا، فيكون لدى كل منا جزء من الحقيقية، وليس هناك من يستطيع امتلاكها كاملة".

وللأرقام أيضا دلالاتها، فالرقم سبعة البارز في قوائم الدراويش، يذكر القريشي أنه "يلعب دوراً مهماً في العمل ككل، وكذلك في الأديان المختلفة، وحتى في قصة نشأة الكون الذي خلق في سبعة أيام، وهناك سبع سماوات وسبعة أرضين، وسبعة أيام في الأسبوع".

المصدر : الجزيرة