رجاء عالم ومغامرة الوعي الإنساني

رواية طوق الحمام - - رجاء عالم
رجاء عالم: الموت والحياة ثنائية لا تضاد بينهما (الجزيرة نت)

محمود منير
 
"أعتقد أنني محظوظة بالولادة في بقعة يتعارف خمس سكان الأرض على كونها بيتاً لله، وبهذه المجاورة أو المعاشرة والخروج عن نطاقها والرجعة إليها تولدت لدي قناعة بأن أي بقعة تحمل احتمالات العوائق والحدود"، تقول الروائية السعودية رجاء عالم في حديث للجزيرة نت.
 
وتضيف صاحبة "موقد الطير"، التي ترشحت روايتها "طوق الحمام" للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، "مكة أوحت لي بألا حد بين الخيال والواقع، فكلها تداعيات، يقود واحدها للآخر".
 
"طوق الحمام" مغامرة معرفية بامتياز، تبدأ من غلاف الرواية الذي يعكس رؤية مؤلفتها حول المقدس، وتمضي الرحلة عبر الغوص في تاريخ مكة المكرمة القريب والبعيد كأنه فسيفساء تتداخل لتشكل راهن مكة المكرمة، كما تراه رجاء عالم.
 
المقدس والإنساني حيث لا ينفصمان، تؤكد الروائية، متكئة على رواية بوليسية ذريعة لاختراق عوالم مكة المكرمة اللامرئية، عبر البحث في جريمة قتل "عزة" ليس للوصول إلى كشف القاتل، بقدر ما هو سعي لدراسة التطور الاجتماعي/الاقتصادي لمكة المكرمة.
 
"العالِم الذي آمن بأن العلم المنقول هو علم ميت عن ميت، والموت مكتسب بينما الحياة الباطنية وهبيّة، تفيض في روح العارف من بحر الحي"، وصية الجد، التي أوردته رجاء عالم في "الإهداء" هي مفتاح الكاتبة والقارئ لـ"تجنب كل ما هو قابل للنقل"، والولوج في المعرفة/الحياة.
 

رواية
رواية "طوق الحمام" المرشحة للبوكر العربية  (الجزيرة نت)

تاريخ يُروى

فضاء مكة المكرمة تنسجه روح أنثى بتفاصيل الرجل، وهو تاريخ ترويه النساء ليرويه الرجال، وهنا تلمس عالم بمعرفتها وعرفانها، تفاصيل المجتمع الذي يتيه بالمقدس ويتخفى تحته ويمارس إنسانيته بما فيها من عذابات وآمال، ومن وَلهٍ بالحياة بوصفها "فقداً" و"اكتمالاً" في آن.
 
"الدم" مفردة تتكرر مرارا في "طوق الحمام"، فهي انتقال من "قرابين المقدس" الذي يختمر في اللاوعي الجمعي كأيقونة، إلى "الولادة" التي تمثل الفعل الأساس للحياة، وهو ما يمكن لرائي أن يرسم به مشهد هديل الحمام قرب الحرم المكي.
 
تسير صاحبة "نهر الحيوان" إلى مقدسها، فهي تسكنه بعشقها الصوفي، ويؤثث أحلامها التي تنبثق منها مكة المكرمة، لكنها تحمل روحاً كاشفةً تفيض وجداً ومعرفة، وهي بذلك تتوق إلى "التمام" وترغب في "مقدس" لا تقتله الرموز وتواتر النقل، لكنها لا تبلغه.

تجريب العاشق
"أبو الرووس" هو أحد أحياء مكة المكرمة، ويمثل المكان والشخصية الرئيسة في "طوق الحمام"، لم يكن ممراً بمبانيه المتآكلة وتشوهاته العمرانية وأزماته الإنسانية فحسب، بل هو المتنفس للعبور إلى "فضاء مكة" التي تـُحكم الكاتبة رجاء عالم سبكَه في نص روائي لا يقبل غير التجريب سبيلاً.

 
صراع الحداثة وعوالق التاريخ تخلق "أبو الرووس" وامتداداته التي لا تنتهي في التأثير على شخوص العمل، وتناول أحوالها المعيشية والنفسية، والاقتراب من المناطق الحساسة في المجتمع المكي، وخاصة ما يتعلق بحياة النساء وتعلقهن "المتواري" بالحياة.
 

"
"طوق الحمام" مغامرة معرفية بامتياز، تبدأ من غلاف الرواية الذي يعكس رؤية مؤلفتها حول المقدس، وتمضي الرحلة عبر الغوص في تاريخ مكة المكرمة القريب والبعيد كأنه فسيفساء تتداخل لتشكل راهن مكة المكرمة، كما تراه رجاء عالم
"

الموت والحياة ثنائية لا تضاد بينهما -وفق رجاء عالم- الفائزة بجائزة ابن طفيل للرواية من المعهد الإسباني العربي للثقافة عن روايتها الأولى "أربعة أصفار"، فهما اختبار الشغف بالمكان الذي تضفي عليه معنى إنسانيا.

البوكر والإرادة
صاحبة "سيدي وحدانة" تؤكد أنها تحاول تلمس المكان، مضيفة "إن كانت تلك إرادة طوق الحمام فإن جائزة كالبوكر بقائمتيها الطويلة والقصيرة ما هي إلا وسيلة لاستقطاب من يمكن أن يستقطبهم الضوء الذي تسلطه الجائزة، وبعد ذلك فعلى الكتاب نفسه أن يقنع القارئ بالتقدم للصفحة المائة أو التراجع من الصفحات الأولى".

 
وبشأن احتمالية أو عدم احتمالية فوز أي رواية في مسابقة البوكر، تقول رجاء عالم "من المنطق أن ترتبط بما تم في أعوام الجائزة السابقة، تخيِّل مصداقية الجائزة فيما لو أحجم الروائيون من بلد ما كمصر مثلاً أو لبنان عن الترشح للجائزة لمجرد فوز روائي مصري أو لبناني بها في عام من الأعوام. عند تقدم المركز الثقافي بروايتيْ طوق الحمام للبوكر لم أتوقف ولا للحظة بفوز عبده خال السعودي بها لعام 2010، لاعتقادي أن للكتب أقدارها التي تفرضها بأي حال".
 
وتدعو الكاتبة السعودية قبل كل شيء إلى "الوثوق" بتصريح رئيس اللجنة المُحَكِّمة للجائزة لهذا العام فاضل العزاوي، حين أكد أن "الاختيار سيتم وفقاً لمعايير فنية بصرف النظر عن جنس أو هوية المؤلف".
 
يذكر أن صاحبة "حبي" و"خاتم" و"فاطمة" و"مسرى يا رقيب" و"ستر"، تنتمي إلى أحدث جيل من الروائيات السعوديات، وتؤسس لتيار مختلف في الرواية السعودية، جاعلة معرفتها حجر أساس لإبداعها السردي.
المصدر : الجزيرة