الكوني للقذافي: أليست السلطة مُهينة؟
![]() |
الكوني يرجح أن أعوان القذافي وأبناءه هم من يقفون خلف تصلبه ضد الشعب (الجزيرة-أرشيف) |
ويردّ صاحب "المجوس" بلغة لا مواربة فيها، عن كل ما أسماه "الترهات" التي يرددها من لم يقرأ نتاجه الفكري ولا نشاطه الموازي الذي يصب كله في نقد السلطة.. كل السلطة. موجها خطابا إلى القذافي "ما الذي تفعله بمن ساندوك وهلّلوا لك قبل 42 عاما؟". ويفجرها في وجوه كل العرب "لا جدوى من ثوراتكم إن لم تعضدها ثورة روحية"!.
وبكل الأحوال، تظل شهادة الكوني في القذافي قيمة على الصعيدين الفكري والتاريخي لاعتبارات عدة، فالروائي عرف الزعيم عن قرب، كما أنه افترق عن نظامه فكريا على الأقل حسب ما يؤكده الكوني في هذا الحوار:

" هل من أحد في العالم يرضى أن يقتل شعبه بالرشاشات وهو أعزل. إن المأساة هي مأساة "السلطة" التي تزيّف وعي مالكها إلى حد أنه يتوهم أنه يستطيع امتلاك العالم " |

الكوني: لم أكن يوما رئيس لجنة تحكيم هذه الجائزة.. أنا من اقترحها على القذافي فعلا في لقاء جمعنا من أجل إعادة الاعتبار لليبيا، جلست مع القذافي وأخبرته أن ليبيا ليس عندها شيء يبيض وجهها، ويجب اتخاذ كل خطوة من أجل ذلك، واقترحت أن ننشئ جائزة تحمل اسم الجائزة العربية للآداب، ووافق وزير الثقافة.
وهو ما لم يستطع أحد أن يفعله. لكن الوزارة تحججت بعدم إمكانية تغيير الاسم لسببين، أولهما: أن الجوائز تسمى بأسماء من أسسوها. ثانيهما: أنّ قرار إنشاء الجائزة صدر بتسمية القذافي ولا يمكن التراجع عنه. فكلّمت مدير مكتب القذافي، وقلت أنا منسحب من القضية ما دامت الجائزة بهذا الاسم، وكذلك انسحبت بعض الأسماء التي رشحتها للجنة التحكيم.
وليعلم هؤلاء الذين يلصقون بي تهمة التخاذل، أنّني رغم كوني لست سياسيا، فإنني عانيت من الظلم والقمع، ففي عام 1970 اضطررت إلى الهجرة إلى الاتحاد السوفياتي (سابقا)، وكثيرا ما تعرضت للملاحقة لأسباب عرقية (بسبب انتمائي إلى أمة اسمها الطوارق)، وأول كتاب منع في ليبيا سنة 1970 هو كتابي "نقد الفكر الثوري"، ثم تلاه منع باقي كتبي تباعا إلى هذا اليوم، وآخرهم رواية "من أنت أيها الملاك" التي عبّرت عن إدانة الاستبداد في أسوء صوره بما لم تعبر عنه أي رواية عربية، حسب آراء النقاد العرب والأوروبيين.. وهو ما ينسحب أيضا على رواية "الورم" التي هي أكبر إدانة للسلطة.
![]() |
الكوني مع المثقفين العرب والمصريين في القاهرة لدى تسلمه جائزة الرواية العربية (الجزيرة نت) |

وكل هذا الذي يقال شيء يبعث على الجنون، والعالم العربي بهذه الطريقة لن تفيده الثورة على الأنظمة وحدها، لأنه بحاجة إلى ثورة روحية، وإذا لم تتحول الثورات الحالية إلى ثورة روحية فلن يتغير الكثير، فالسياسة ليست كل شيء، هناك شيء أسمى من السياسة.. هناك الأخلاق.. يجب على الإنسان أن يكون أخلاقيا.. إيمانويل كان يقول: "لا نأتي إلى هذه الدنيا لكي ننال السعادة ولكن نأتي لنؤدي الواجب.."، الواجب الأخلاقي بالدرجة الأولى.. والبعد الأخلاقي غائب في الدول العربية.
أنا أستغرب كل هذه الضغائن.. كيف تتحول الضغائن والمكائد إلى إيديولوجيا! هل هناك اغتراب عن الحقيقة أكثر من هذا؟!، ويجرأ هؤلاء الأوغاد على الطعن في وفائي لليبيا.. أنا روح ليبيا، أنا ضميرها، العالم يعرف ليبيا من خلالي أنا، ولكن ليبيا الحقيقية وليس ليبيا القذافي أو ليبياهم. وأنا استطعت أن أوصل حقيقة الصحراء التي يجب أن تكون عنوانا لكل الوطن العربي لأنّه كله صحارى، ومن رفع لواءها وعرفها للتاريخ هو هذا العبد الضعيف.

الكوني: إبراهيم الكوني مبدع وليس سياسيا، وهل شهدتم أحد الكتاب الكبار في العالم يدلي بدلوه في كل حدث سياسي؟، وأنا أول من أصدر بيانا بخصوص الثورة.

" ليس غريبا أن يحترمني القذافي، كان يحترم الصادق النيهوم الذي كان مستشاره، وكان يحترم خليفة التليسي ويحترم الكثيرين. ويحترمني أنا لأنني لدي سمعة دولية " |

الكوني: هل من أحد في العالم يرضى أن يقتل شعبه بالرشاشات وهو أعزل. ومثلما قلت في حديث لإحدى القنوات الأوروبية أمس إن المأساة هي مأساة "السلطة" التي تزيّف وعي مالكها إلى حد أنه يتوهم أنه يستطيع امتلاك العالم، وهو لا يدري أنّ امتلاك العالم خطر، لأن امتلاك الشيء يميت الشيء، والشيء الذي نميته يميتنا.

ليبيا كانت مضرب مثل في التجانس والتآلف، وهي بلد صبر كثيرا وغفر كثيرا وامتحن صبره كثيرا، وعوّل على الإصلاح كثيرا، لكنّه كان دائما يجهض ويتبخر، فإلى متى يوعد الليبيون ويخذلون. وهذا لا ينطبق على ليبيا وحدها بل على كل الوطن العربي.


![]() |
كتاب إبراهيم الكوني الفائز بجائزة زايد (الجزيرة نت) |
ردّدت دوما: الإصلاح! الإصلاح!.. وكم هلّلنا لابنه عندما طرح مشروعا إصلاحيا، ورأى فيه الناس أنه حقيقي وفيه أمل. لكنه أجهضه قبل أن يبدأ. ولهذا فإن هذا الطرح الآن جاء متأخرا، وأستغرب إعلانا في التلفزة الليبية عن زيادة المرتبات والمنح.. لقد جاء هذا متأخرا جدا.
المسألة ليست مسألة مرتبات. ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، ولكن هناك الحقيقة، وهناك الحرية وكبرياء الإنسان. والليبيون تسامحوا معه طوال 42 عاما، وانتظروا كل هذه المدة، وكانوا طوالها يحاولون أن يجدوا له مبررا أو حجة أو عذرا. هل هذا الشعب يستحق الآن أن يوجه له الرصاص. أنا في غاية الغم. أنا لا أنام.

الكوني: لا أعتقد أنّ القذافي هو من يصرّ على الموقف الذي هو عليه الآن. وإنّما لديه مستشارون من الناس الذين حوله، وربما بتأثير بعض أبنائه، لا أدري بالضبط. ولكنني أستغرب أن يصر على الوقوف ضدّ إرادة شعبه، وفي نفس الوقت يقول: أنا لست رئيسا، ولو كنت كذلك لانسحبت منذ زمن. وأنا أرد عليه: "لا يا سيدي، اعتبر نفسك رئيسا وانسحب".
وقد كان هذا ممكنا له إلى وقت قريب وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن حاليا لا أدري بالضبط كيف ستكون الأمور. ولكن يجب على القذافي أن يذكر أن هؤلاء الذين يوجه إلى صدورهم البنادق هم أبناء أولئك الذين ساندوه طيلة 42 عاما. هو يعتقد -أو هم أقنعوه- بأن خصومه هم من حركوا الثورة، ولهذا لا يتوانى عن قمعها، وكان يجب أن يتعظ بما وقع بمصر وتونس وتلافي كل هذه الدماء. والحقيقة أن الإنسان عندما يحرّر يتحرر. وعندما يخلص يده من الناس فإنهم يخلصون أيديهم منه، وبذلك يفكّ الارتباط معهم ويرتاح.