مثقفو العراق والبندقية الأميركية
ومنذ سقوط بغداد سارع البعض إلى وصف الغزو الأميركي بـ"التحرير" في مقالات نشرت بعد الغزو مباشرة، فيما ظهرت أعمال أدبية كثيرة في داخل العراق وخارجه فضحت الممارسات الأميركية ووقفت بالضد منها.
ولفت إلى أن هؤلاء يبعثون بخطابات امتنان للاحتلال، كما ظهرت هناك عشرات المقالات التي تهاجم كل أديب ومثقف عراقي يعبر عن موقف مضاد للاحتلال، حسب قوله.
ويوضح مظلوم في حديث للجزيرة نت "سأقول الحقيقة وقد تكون مخزية بعض الشيء، إن النسبة الكبيرة من (منتسبي) الثقافة العراقية، أو ممن يتعاملون في الثقافة العراقية كتبوا في هذا الاتجاه، ولذلك القضية لا يمكن أن تتحول إلى شخص أو أسماء معينة".
ويشير إلى أن الظاهرة بدأت بالتراجع بعد فشل الاحتلال في العراق، "إلا أن السؤال الذي يُطرح الآن هو هل سيراجع هؤلاء موقفهم الذي انزلقوا فيه إلى هذه الدرجة من النكوص، وابتعادهم عن الإبداع الحقيقي؟".
ثقافة مشتراة
ويضيف "عندما جاء الاحتلال إلى العراق جاء معه أبناؤه وتابعوه، وأتت معه أقلام مأجورة صنعت ثقافة سوداء صفراء، جاملت المحتل وباركت خطواته". ويؤكد أن الشعب العراقي من أعرق الشعوب دفاعا عن استقلاله وحريته، ولا يرضى بالذل والعبودية ويرفض أن يحابي المحتل".
وفيما يؤكد حمندي وجود "كتابات صفراء ظهرت بصحف ومجلات ومنابر صفراء خلقها المحتل"، فإنه يرى أن المبدع العراقي "عاش تجربة خطيرة، فالذي انحرف وحابى الاحتلال لن يقف ضمن قافلة المبدعين العراقيين، ومكانه يعرفه الجميع".
من جهته يمتنع الكاتب مؤيد البصام عن ذكر أسماء "الانتهازيين والنفعيين الذين يحابون الاحتلال ويبيضون وجهه"، ويكتفي بالقول "هذه الأسماء معروفة ولا حاجة لذكرها" مشيرا إلى أن تلك الأسماء ليست ذات قيمة في المشهد الإبداعي.
ويضيف "أما الأدباء والكتاب الذين تم تدريبهم في الخارج وجاؤوا مع الدبابات الأميركية، فقد غادروا بعد أن انهزم مشروع المحتل، وظهرت أسماء تحاول أن تجد لها مكاناً في الساحة الثقافية، إلا أن المبدعين العراقيين قاطعوا هؤلاء ووصفوهم بكتاب الاحتلال وأعوانه".
عضوية الاتحاد
وصدرت بعد الغزو مباشرة عشرات الصحف في العراق، وظهرت فيها كتابات كثيرة لأسماء معروفة وأخرى غير معروفة تمجد الوجود الأميركي.
ويستدرك ثامر بالقول إن مثقفي البلاد رفضوا في الوقت ذاته الاحتلال جملة وتفصيلاً، كما سبق لهم أن رفضوا فكرة الحرب وتغيير النظام السياسي من خلال الاحتلال، و"طيلة هذه الفترة لم يقم المثقفون أي علاقات أو أي عملية للتطبيع مع قوات الاحتلال".
ويضيف "في الواقع كانت قوات الاحتلال منشغلة بمسألة أخرى بعيدة عن الثقافة، ولم يسمح لها أحد بالتدخل في الشأن الثقافي من قريب أو من بعيد، ونعتقد بأن على الأدباء النضال مع قوى شعبهم الوطنية من أجل أخراج قوات الاحتلال سياسيا من خلال البروتوكولات الدولية، لأنهم لم يكونوا راغبين في أن تختلط الأوراق من خلال مشاركتهم في نضال مسلح ضد الاحتلال، فهم لم يكونوا مؤهلين لذلك".
أربعون رواية
أما الكاتبة والأديبة العراقية عالية طالب فتقول إنها أصدرت رواية "قيامة بغداد" كشهادة ضد الوجود الأميركي، وتعلل ذلك بقولها إن أي شعب يتعرض إلى الاحتلال، "يشعر بداخلة بالاستلاب والقسر والشعور بأن هناك ثلما في مسيرة الحياة العامة". وتذهب إلى أن الأديب أقرب الشرائح إلى "الإحساس المرهف بهذا الموضوع، والتعامل معه بالطريقة التي يستوجبها عليه".
وتؤكد الكاتبة العراقية في حديث للجزيرة نت صدور أكثر من أربعين رواية لأدباء عراقيين تناولوا هذا الموضوع، وتؤكد أن إصدارات الأدباء "كانت رافضة للاحتلال" لافتة إلى أن "الأديب ليس بيده سلاح، بل بيده القلم، وأحياناً القلم يمكن أن يكون أكثر فائدة من السلاح".
من جهته يصف الشاعر والأديب محمد نصيف دخول القوات الأميركية إلى بلاده بأنه "ظلام خيم على أجواء العراق بشكل عام، وجميع مجالات الحياة في العراق"، ووصف حياة العراقيين في ظل السيطرة الأميركية بأنها عبارة عن مآس وأحزان، مما ترك أثرا في النتاج الأدبي وفي حياة المثقف والأديب العراقي، مؤكدا رفضه للاحتلال جملة وتفصيلا.
فك الاشتباك
من ناحيته يرى القاص والكاتب العراقي علي السوداني أن الاشتباك لا يزال قائما بين المصطلحات والتوصيفات التي أنجبها "زمن الاحتلال الأميركي الهمجي" لبلاد ما بين النهرين.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أنه في السنة الثامنة من حدوث الزلزال في بلاد السواد قد "بدت الصورة أشد وضوحاَ وأعظم ألماَ، حتى لأولئك الذين روجوا لبضاعة الغزاة من العاملين والمشتغلين في باب الأدب والفكر والفن".
وفيما يرى مراقبون وأدباء أن المشهد العراقي في جزئه الأدبي تحديدا لا يزال غير واضح الملامح حتى الآن مع وضوح الفداحة التي لحقت بالمجتمع العراقي، فإن البعض يشير إلى نمو تيار مؤثر ونبيل أفرز ما يمكن تسميته بـ"أدب المقاومة" وإن كان تأخر كثيرا.