الفلسطينية سحر مبدعة رغم الإعاقة

سحر وبجوارها بعض الرسومات أثناء مشاركتها بمعرض ببيت لحم
سحر وبجوارها بعض الرسومات أثناء مشاركتها بمعرض في بيت لحم (الجزيرة نت)

عوض الرجوب-الخليل

 
لم تستسلم الفتاة الفلسطينية سحر الذيبة للإعاقة النطقية والسمعية التي يعاني منها أيضا عدد من أشقائها، وأصرت على أخذ مكانتها في المجتمع من خلال الرسم الذي عبرت به عن آمالها وآلامها.
 
فرغم إعاقتها استطاعت سحر (26 عاما) تصوير معاناة شعبها في لوحات فنية تتواصل مع الحدث السياسي اليومي، حيث عبرت عن كثير من أشكال المعاناة وآلام الشعب الفلسطيني وحياة اللجوء التي استوحتها من إقامتها في مخيم الفوار للاجئين الفلسطينيين، جنوب الخليل بالضفة الغربية.
 
وإضافة إلى الرسم برعت سحر في المشغولات اليدوية، وخاصة المتعلقة بتاريخ وثقافة الشعب الفلسطيني عبر العصور، وإضافة إلى إنجازات أخرى تعتزم المشاركة بها في عدد من المناسبات، لكنها تأمل أن تجد من ينمي لها مهارتها.
 

بعض رسومات سحر (الجزيرة نت)
بعض رسومات سحر (الجزيرة نت)

بلا سمع أو نطق

تعيش سحر في أسرة مكونة من سبعة أفراد، ثلاثة منهم يعانون الصمم، ورابعة تعاني شللا دماغيا، ورغم فقدانها نعمتي السمع والنطق مبكرا منذ ولادتها، فإن علاقتها بوالدتها، وهي الوحيدة التي تفهمها جيدا، عوّضتها كثيرا عن ما تعانيه لتبدع في مجالات لا تحتاج إلى نعمتي النطق والسمع.
 
تنقل أم محمد والدة سحر عن ابنتها من خلال الإشارة أن البداية مع الفن كانت نتاج إعاقتها، موضحة أنها "فقدت النطق والسمع منذ الولادة ولقلة ذات اليد لم يكن بمقدور العائلة توفير الرعاية الطبية الكافية".
 
ويعاني الوالد (أبو محمد) من انعدام فرص العمل وعدم القدرة على توفير العلاج اللازم والمكلف لأطفاله، ولتوفير أدنى احتياجات العائلة يعمل في تجارة الأدوات المستخدمة وبعض الأشغال البسيطة.
 
وتضيف الوالدة أن الرسم هو الوسيلة التي اختارتها سحر للتواصل مع الآخرين منذ التحاقها بمدرسة الأمل للصم والبكم في مدينة الخليل، موضحة أنها كانت ترافقها كل يوم من مخيم الفوار حتى مدينة الخليل ذهابا وإيابا.
 
وأشارت إلى إن سحر استعانت بالتراث للحديث عن الماضي، ووجدت في الأحداث اليومية والمعاناة الناتجة عن الاحتلال ميدانا واسعا لريشتها، ولم تتوقف عند حد الإبداع في الرسم، بل توجهت إلى تنسيق الزهور والمشغولات اليدوية.
 
فمن الحواجز والمضايقات الإسرائيلية المتكررة إلى الأحداث الدموية في غزة وما بينهما رسمت لوحات فنية تحكي الواقع المأساوي لشعب يعاني منذ عشرات السنين، ومع ذلك لم تغفل تاريخ وتراث بلدها وعادات أهله.
 
سحر ليست الوحيدة التي تتحدى الإعاقة في أسرتها، فأحد أشقائها فقد حاسة السمع ويعمل الآن في مصنع للخزف، فيما تتمنى الوالدة أن تتمكن من زراعة قوقعة لابنها الأصغر ذي الثلاث سنوات ليتمكن من بناء مستقبله كما يريد.
 

أم أمجد شديد تشير لبعض منجزات سحر (الجزيرة نت)
أم أمجد شديد تشير لبعض منجزات سحر (الجزيرة نت)

قلة الإمكانيات


ما زالت مشاركات سحر في المناسبات العامة محدودة، فقد شاركت في معرضين محليين، وتستعد لمشاركة جديدة، لكنها تأمل أن تحظى بمشاركات على مستويات عربية ودولية لتنمية مهاراتها وتطوير منجزاتها.
 
وتقول أم أمجد شديد -رئيسة ناد نسوي في دورا، الذي سوّق بعضا من مشغولات سحر- إن إمكانيات سحر لا تساعدها في توفير المواد الخام والورق اللازم لممارسة هوايتها، لذلك تسعى لبيع بعض لوحاتها لرسم لوحات جديدة.
 
وتضيف أن الرسومات والمشغولات التي أنجزتها رغم إعاقتها حظيت بإعجاب واهتمام من شاهدوها في معارضنا الداخلية، لكنها تحتاج إلى جهة أو مؤسسة قادرة لتبني إنتاجها وتنمية مواهبها.
 
من جهته يبين المحاضر في علم الاجتماع بجامعة القدس المفتوحة عبد الله النجار أن كل معاق يبحث عن طريقة لاكتشاف ذاته ليفرغ طاقته سواء بالرسم أو الموسيقى أو الكتابة أو غيرها من الوسائل، "وسحر اختارت الرسم كوسيلة للفت أنظار الآخرين".
 
وأوضح أن جذورا داخلية ساعدت الفتاة على تنمية موهبتها واستغلالها، مضيفا أن رسوماتها "تعبّر عن الانفعال الذاتي ومكنونات النفس الداخلية"، كما أن رسوماتها تبين أنها تعيش على الأمل في ذاتها وتتألم لحال قضيتها.
المصدر : الجزيرة