المسيري محطات أكاديمية ومواقف سياسية

الصورة للمسيرى في احدى تظاهرات كفاية في مارس - من تقرير محطات في حياة المفكر الراحل عبدالوهاب المسيري من محمود جمعه- القاهرة
 
محمود جمعة-القاهرة
 
يروي تنوع الميراث الثقافي والأكاديمي للمفكر الراحل عبد الوهاب المسيري مسيرة مناضل جاوزت خمسين عاما، قضاها متنقلا بين ميادين العمل السياسي والأدبي، بالكلمة تارة، وبالهتاف والتظاهر تارة.
 
محطات عديدة مرت بها حياة المسيري، فمن جماعة الإخوان المسلمين التي انضم لها في سني شبابه، إلى الماركسيين الذين لازمهم سنوات ليرصد عن قرب هذا الفكر الجاذب عندئذ، ثم الولع والغرام بالنموذج الغربي الذي ألقاه في بحر الأدب الغربي ينهل منه سنوات طوال، قبل أن تحط سفينته رحالها على شاطئ الثقافة الإسلامية لينطلق في تأملاته وتفسيرات لواقع الأمة الإسلامية والحركات السياسية بها.

وبخلاف التحولات الفكرية، تنقل المسيري بين صنوف العمل الأكاديمي والثقافي ثم السياسي، فبدأ حياته مدرسا بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب حيث تخرج، ثم باحثا في الأدب الإنجليزي الذي برع فيه وفي ترجمة مؤلفاته.
 
ومن مؤلفاته في الأدب الغربي "مختارات من الشعر الرومانتيكي الإنجليزي، النصوص الأساسية وبعض الدراسات التاريخية والنقدية" "الفردوس الأرضي، دراسات وانطباعات عن الحضارة الأميركية" "العالم من منظور غربي" "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة".
 

"
أبرز إنجازات المسيري موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية التي استغرقت منه حوالي ربع قرن وكانت بعنوان "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد" وصدرت في ثمانية مجلدات.

"

تركيز على الصهيونية

وفي منتصف السبعينات من القرن الماضي كثف دراسته على الحركة الصهيونية تاريخا وتحليلا واستقراء لمستقبلها ومستقبل العرب معها، ولعل أبرز إنجازاته في هذا المجال، موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية التي استغرقت منه زهاء ربع قرن وكلفته أموالا طائلة من ماله الخاص ونشرت عام 1999 بعنوان "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، نموذج تفسيري جديد" وصدرت في ثمانية مجلدات.
 
وخلال ثلاثين عاما، ألف المسيري عشرات الكتب عن الموضوع اليهودي والصهيوني، منها "نهاية التاريخ، مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني" (1972) و"موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية، رؤية نقدية" (1975) "الأيديولوجية الصهيونية، دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة" (1981). وفي هذه الفترة صدرت له دراسات باللغة الإنجليزية من أهمها كتاب "أرض الوعد، نقد الصهيونية السياسية" (1977).  
 
وتوج هذه الأعمال بموسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية" كما صدر له في ذلك الوقت وبعده عدة كتب في نفس الموضوع من أهمها "البروتوكولات واليهودية والصهيونية" (2003) "في الخطاب والمصطلح الصهيوني" (2003-2005).
 
وكان من المفترض أن يصدر له هذا العام كتابان، الأول "الفكر الصهيوني من هرتزل حتى الوقت الحاضر" والثاني بعنوان "من هم اليهود؟ وما هي اليهودية؟ أسئلة الهوية والأزمة الصهيونية".
 
وقد لا يعرف الكثيرون أن المسيري كان شاعرا وكاتبا لقصص الأطفال ونال جائزة سوزان مبارك (قرينة الرئيس المصري) في أدب الطفل عام 2003، ومن إسهاماته في هذا المجال قصص للأطفال مثل "الأميرة والشاعر"، "نور والذئب الشهير بالمكار" و"سندريلا وزينب هانم خاتون" و"أغاني الخبرة والحيرة والبراءة: سيرة شعرية".
 

"
التحول الأكبر في حياة المسيري نزوله إلى الشارع السياسي في مصر عضوا مؤسسا لحركة كفاية، أول حركة معارضة شعبية في مصر منذ ثورة يوليو/تموز 1952
"

تأسيس كفاية

لكن التحول الأكبر في حياة المسيري، كما اعتاد أن يردد الفقيد، هو نزوله الشارع السياسي في مصر عضوا مؤسسا لحركة كفاية، أول حركة معارضة شعبية في مصر منذ ثورة يوليو 1952، قبل أن يتولى منصب منسقها العام في يناير/كانون الثاني 2007.
 
وتصدى الرجل في العامين الماضيين للعديد من قضايا الفساد وانتهاك الحريات، وشارك بوقفات وتظاهرات، رغم مرضه وتقدم سنه، للتضامن مع القضاة والصحفيين، والتنديد بمحاولة "توريث الحكم" في مصر.
 
كما شارك المسيري في حملة مصرية للحفاظ على اللغة العربية أقام بسببها دعوة قضائية ضد الرئيس حسني مبارك، كما تصدى لمقترح إسرائيلي بتدريس اللغة العبرية لغة ثانية في المدارس المصرية، وغيرها من المعارك الثقافية والوطنية التي اعتاد عليها.
 
وتعرض المسيري بسبب معارضته للنظام إلى مضايقات أمنية وصلت إلى حد اختطافه وزوجته وناشطين وإلقائهم في منطقة صحراوية خارج القاهرة، فضلا عن رفض الحكومة علاجه على نفقة الدولة، وتحمل علاجه حينها ثري سعودي.
محطات
ولد الدكتور عبد الوهاب المسيري في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة (100 كلم شمال القاهرة) عام 1938 حيث تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي، والتحق عام 1955 بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وعين معيدا فيها عند تخرجه، وسافر إلى الولايات المتحدة عام 1963حيث حصل على درجة الماجستير عام 1964 من جامعة كولومبيا ثم على درجة الدكتوراه عام 1969 من جامعة رتجرز.
 
وعند عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود (1983-1988) كما عمل أستاذا زائرا في أكاديمية ناصر العسكرية، وجامعة ماليزيا الإسلامية، وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام (1970-1975)، ومستشارا ثقافيا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك (1975-1979).
 
والمسيري كان عضو مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية في ليسبرغ، بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأميركية، ومستشار التحرير في عدد من الحوليات التي تصدر في ماليزيا وإيران والولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا.
المصدر : الجزيرة