رواية مصرية عن توريث الرئاسة

-

مع تصاعد الجدل السياسي والشعبي الذي أفضى إلى تعديل دستوري مقترح يسمح بتعدد المرشحين للرئاسة في مصر صدرت أخيرا رواية للكاتب المصري أحمد صبري أبو الفتوح تتناول مسألة توريث السلطة والصراع عليها. 

في زمن غير محدد تتناول رواية "جمهورية الأرضين" خفايا صراع أسرى في منزل الحاكم مع قرب احتفاله بالذكرى الأربعين لتوليه الحكم في حين تسعى أطراف من داخل العائلة نفسها لعزله وتنصيب ابنه رئيسا. 
    
و"سيد الأرضين" هو لقب الرئيس نجم الدين الحواط الذي تولى الحكم بعد ظهوره يوما في لحظة استثنائية حين كان ضابطا برتبة عقيد حيث أخبر الرئيس الأب بمؤامرة فاختاره نائبا له. وفي الليلة التالية لمصرع الرئيس الأب أصبح الحواط رئيسا واختاروا له لقب "سيد الأرضين". 

ولا يحدد المؤلف زمنا لأحداث روايته ولكن أبطالها يعيشون عالم ما بعد اختراع الهواتف المحمولة فضلا عن إشارات إلى أشخاص يعتبرهم الرئيس "إخوته" ويخشى أن تكون نهايته كارثية مثلهم ومنهم الرئيس الروماني الأسبق شاوشيسكو وشاه إيران الأخير محمد رضا بهلوي والرئيس المصري السابق أنور السادات.

وبطل الرواية الرئيس الحواط الذي بلغ الثمانين وحكم بلاده أربعين عاما لا يصدق أن يكون للجمهورية أو للشعب وجود بدونه, وقد استطاع المحافظة على حكمه بالدهاء فكلما شعر بضعف موقفه أعلن اكتشاف مؤامرة للاستيلاء على الحكم وإلهاء الناس بخفايا المؤامرة واعترافات المتآمرين ومحاكمتهم. 

وتصور الرواية غياب الشعب بأنه محنة للدكتاتور الذي ارتدى ملابس الميدان ووضع الأوسمة والنياشين والميداليات استعدادا للاحتفال وصعد إلى سطح القصر ونظر من خلال المنظار ورأي العاصمة ميتة والشوارع خالية حتى من الكلاب الضالة ومكبرات الصوت تشق الصمت تطلب من السكان الغائبين الخروج وممارسة الحياة. 

وكان سلوك الشعب أكبر من مجرد مؤامرة بالعزوف عن الخروج إلى الشوارع والاستغناء عن كل شيء. وتساءل أركان النظام أية مؤامرة تنتظم عشرين مليونا من البشر هم سكان العاصمة مع مشاركة الحيوانات والقوارض في المؤامرة باختفائها أيضا. 

ورغم الفوضى المحيطة بالذكرى الأربعين لاستواء بطل الرواية على عرش الجمهورية العتيدة فإنه يشدد على ضرورة أن يحكم أربعين عاما أخرى وتأكد لأركان حكمه أنه يهذي واقترحوا السيطرة عليه, فهو حسب تقديرهم مجنون. 
                                                                         

الابن المريض
وكان الابن الأصغر سيف الدين الموعود بالرئاسة يعاني مرضا غريبا يفقد معه الوعي بعد نوبة من التشنجات العصبية, لكن الناس فوجئوا باحتلاله المرتبة البروتوكولية الثالثة بعد الرئيس وزوجته وقبل رئيسي البرلمان والوزراء. أما شقيقه الأكبر الملقب بأمير المال والنساء فمشغول بالامتلاك في حين تلهو شقيقتهما ابنة أمها مع كلابها. وكانت زوجة الحاكم واسمها أصل باي مهووسة بابنها الأصغر. 

وتغوص الرواية داخل دهاليز القصر حيث كانت أصل باي المشهورة بالمرأة الأخطبوط تعنف زوجها وتستعجل استخلاف ابنها الذي أصبح يطلق عليه في الدوائر الضيقة ولي العهد. 
    
وحين يشتد المرض بالرئيس ويعجز عن أداء مهامه تتمكن أصل باي من القبض على زمام الأمور ويمارس سيف الدين الدور الرئاسي دون إبطاء. صار يقلد توقيعاته على الأوامر والقرارات الجمهورية. 

وأمام الضغوط الأسرية عليه بالتنازل عن العرش لابنه رضخ سيد الأرضين طالبا ألا يذاع الأمر إلا بعد تدبر ثم اهتدى إلى أن يكون التنازل مواكبا للعيد الأربعين لحكمه وأصر على أن تتم إجراءات التنازل في القصر الرئاسي وليس في البرلمان. وأعد خطة لقتل الزوجة والابن وأتباعهما لينقلب السحر على الساحر ويتحسر الابن على ضياع أبدي لفرصته في الاستواء وينجح سيد المتآمرين في صد انقلاب القصر ويحمل فوق الأكتاف.                                 

ثورة شعبية
لكن الرواية التي يمكن اعتبارها هجائية للدكتاتور المزمن والصاعد معا تدفع القارئ إلى التعاطف مع حاكم استهلك أربعين عاما من عمر شعبه. 

وتستيقظ العاصمة التي أحاطها الحاكم بخندق لحماية نظامه وظن النظام أنها ماتت. ففجأة تلفظ شوارعها ملايين البشر كما تدفقت على المدينة عشرات الملايين من المدن الأخرى في مشهد اختلط فيه ما يشبه ثورة شعبية بانفجار كوني كأنه جحيم. ولكن الناس يصنعون بأجسادهم جسورا للعبور إلى
مدينتهم المنكوبة في انتظار القادم.

ووصف مؤلف "جمهورية الأرضين" أبو الفتوح الشعب المصري بأنه مستباح وأن النبوءة في المشهد الأخير تشير إلى أن أي شعب حين يشعر بأنه مستباح ومغرر به يثور ويصنع ما يعرف بالمخلص الشعبي الجماعي الذي يعبر عنه ومثل هذا الشعب لا ينتظر حدثا كونيا.                     

 
المصدر : رويترز