جمهور الدوحة يفهم عود شمة ويستغرب كلمة أدونيس

نصير شمه في أمسية شعرية موسيقية ضمن فعاليات مهرجان الدوحة الثقافي الثالث

undefined

عبد الرافع محمد-الدوحة

أحيا عازف العود العراقي نصير شمة والشاعر السوري علي أحمد سعيد (أدونيس) أمسية فنية ضمن مهرجان الدوحة الثقافي الثالث أمس السبت، وشاركتهما بالغناء مغنيتا الأوبرا المصرية الناشئتان ريهام عبد الحكيم ومي فاروق.

ومع صعوبة اللغة العزفية فقد صدحت آلة العود بين أصابع نصير شمة لتتباكى على آلام الأمة وتحكي ذكريات المجد وتبشر بغد أفضل للحب والحياة، وقد ظهرت القيمة الجمالية للإبداع الموسيقي في صورة العزف المنفرد الذي حدثنا بلغة واضحة عن نفسية نصير شمة وإحساس الفنان بقضايا الوطن وآمال الحياة.

ومع تأثر الجمهور الذي امتلأت به القاعة وسريان روح العازف في عموم الحضور عبْر صوت العود البليغ، وتصفيق الجمهور الحاد بعد كل معزوفة تتحقق نبوءة شمة في جعل آلة العود قادرة على أن تلخص حدثا وتنقله للناس بصدق ومن خلال عمل فني، وجعل الموسيقى مرتبطة بالمجتمع وذات دور مهم في الحياة.

undefinedوقد تحدث شمة للجزيرة نت عن حضور جماهير بالآلاف له في كل بلد تعبيرا عن تفهم الناس في مختلف البلاد العربية للغة العود الذي يحمله.

الغرابة والحيرة
أما شاعر الحداثة وحامل لوائها الأخير أدونيس فقد طوف بالجمهور في عالمه الحائر المعذب بحبه لمذهب غريب في الفلسفة والشعر، ففتح داخل القاعة سيلا للتناقضات في نفسية الإنسان العربي وصدح بتمرده على كل شيء، حتى يبقى الحب بمعناه عند أدونيس الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان، فاستخدم لغة غير مألوفة في موضوعات غير مألوفة ليقتحم مناطق مخيفة في حياتنا العربية.

ولم تثنه خصوصية المنطقة الخليجية عن أن يقفز على تقاليد في اللغة وأنماط في الحياة حتى تلتقي النطف ويتوحد الشهيق ثم يحار ويتمرد:

يجمعنا جسر
لا نقدر أن نعبره
يوحدنا جدار يفصلنا
أدخل فيك
أخرج مني
ينفتح لنا الأكثر انتفاضا
يدخل كلانا
في بروج وحده
في عزلة عصفور يحتضر
ويتذوق كلانا طعم الآخر
وتسكر أعضاؤه بالحياة
لحظة يسكر الآخر بالموت
وكلانا يصر نعم
لحظة يجهر لا
وكلانا يصر لا
لحظة يجهر نعم
أنا سؤالك
ولست أنت جوابي

undefined

وربما بسبب لغته المتمردة على تقاليد كل لغة وخاصية السذاجة في آلة الاتصال الإنساني اليومية لم يحظ أدونيس بقدر كبير من التصفيق والإعجاب داخل قاعة سلوى بشيراتون الدوحة، مثل ما حدث لنصير شمة ومغنيتي الأوبرا، ليظهر التناقض في وضوح العود مع غموض اللغة، لكنه كان يعود ليعانق مدنا حزينة فتعانقه نظرات الإعجاب وترتفع نبرات التصفيق قليلا عندما يقول:

غيِّر دويَّك يا صوت
أسمع صوت الفرات
فُرَيِّتي
لم يبق من فُرَيِّتي
غير الدم النافر
مثل الرمح
لم يبق غير الجرح
افتحي يا براري
مصابيح أبوابك الصدآت

غناء وعود
أما مغنيتا الأوبرا المصريتان فقد كان غناؤهما على آلة العود العربية الأصيلة دون آلات غربية يمثل لحظة الإفاقة من حالة الخدر السارية في الجسد العربي بسبب شيوع الآلة الغربية وصخبها المدوي في الأذن الذي أفقدنا ذاكرة الصوت الجميل بالفطرة، وكان التجاوب الكبير والآهات المتعالية من جميع الفئات والأعمار الحاضرة في القاعة دليلا على اشتياق الجماهير للحظة الالتقاء مع زمن الفن الجميل.

وامتدت المساحة في صوت ريهام عبد الحكيم مع التموجات البديعة المعجزة حتى وصلتنا بزمن الطرب والتطريب غير المصطنع، ولم يكن صوتها يرسو حتى يشبع الشوق ويروي العطش لأذن كادت تفقد ذاكرة الجمال، أما قفلات المقاطع فقد كانت تثير تصفيقا حادا يعيدنا في لحظة واحدة إلى حفلة من حفلات أم كلثوم التي قامت ريهام بدورها وغنت بصوتها في المسلسل الشهير الذي كتبه محفوظ عبد الرحمن.

أما مي فاروق فقد كانت في عذوبة الصوت وخامته الناعمة ودقة التعاطي مع إمكانيات الجمال في حروف وكلمات العربية الفصحى إبهارا منقطع النظير، وأثارت حقيقة الارتباط بين الإنسان ولغته مهما تزايد التغريب.

undefinedوقد تبادل الشعر والعزف المنفرد والطرب الأصيل حاسة الجمهور في ليلة عربية جمعت مصر والعراق وسوريا في إبداع واحد متكامل أعادتنا إلى ليالي الرشيد، لكن وحدة الجمال كانت أظهر عندما اقترب أدونيس من مي فاروق فشدت الأوبرالية بأبيات:

أكاد ألمح أحلامي مكدسة
كأنها ورق يجتره ورق
تحيد عن أرضها من شهوتي طرق
وتنمحي في مداها من دمي طرق
كواكب من تباريح ووسوسة
خذها إليك ودعني أيها الأفق
هناك أشعل نار الحب ثانية
هناك أحمل عنقائي وأحترق

ثم قام أدونيس بإنشاد نفس الأبيات مغيرا "هناك أشعل" إلى "هنا سأشعل" و"هناك أحمل" إلى "هنا سأحمل". وهذه هي الليلة الرابعة التي يحييها نصير شمة بعنوان ليلة استثنائية مع أدونيس بعد ثلاث ليال سابقة في القاهرة والإسكندرية ودبي.

ـــــــــــــــ
الجزيرة نت

المصدر : الجزيرة