سعيد صالح سلطان الكوميديا الذي خذله الحظ

صورة للفنان سعيد صالح
سعيد صالح تعرض للسجن خلال حياته 3 مرات (الجزيرة)

"أيقونة الضحك" بداية من سبعينيات القرن الماضي، وصاحب المزاج الهادئ في عالم الفن والباحث عن السعادة دون النظر إلى المال، والمحب لكرة القدم والنادي الأهلي أكثر من الاهتمام بشيء آخر، هَوِي الجلوس على المقاهي وحياة الصعاليك كما كان يطلق على نفسه، فأحبه العامة والمهمشون كواحد منهم وهو بالفعل قرر عدم التخلي عنهم، إنه الفنان سعيد صالح الذي رحل في مثل هذا اليوم الأول من أغسطس/آب 2014.

ثلث الأفلام المصرية

"السينما المصرية أنتجت 1500 فيلم، أنا نصيبي منها الثلث"، هذا ما قاله سعيد صالح عن مشواره الفني الذي يضم عشرات الأفلام والمسرحيات، فقد كان رائدا في ما سمي بأفلام المقاولات، وشارك في الكثير منها بالاشتراك مع صديق عمره الراحل يونس شلبي.

سعيد صالح من مواليد 1938، من أشهر أفلامه "سلام يا صاحبي" و"القط أصله أسد" و"424″ و"درب اللبانة" و"الهلفوت" و"على باب الوزير" و"زائر الفجر" و"المشبوه"، كما كانت أشهر أعماله المسرحية "مدرسة المشاغبين" و"العيال كبرت" و"البعبع" و"كعبلون" و"شرم برم" و"الشحاتين"و"تحت الصفر"، واقتصر ظهوره التلفزيوني على بعض السهرات، بالإضافة إلى مسلسلات "طريق الأيام" و"لعبة التحدي" و"السقوط في بئر سبع".

الوجه الآخر لسعيد صالح

كان الراحل سعيد صالح أو "سلطان" كما كان يلقب في أشهر مسرحياته "العيال كبرت"، من الفنانين الذين عرف عنهم حبهم الشديد للفن، ولكن أيضا الرغبة في إتقان العمل والمشاركة في التصوير بمزاج جيد وكان يرى أن السينما هي ما تضعه في هذا المزاج، لأن عدد ساعات التصوير الخاصة بها أقل والتمثيل يحتاج إلى مزاج جيد.

اختيارات صالح وقناعاته دفعته لرفض تجسيد دور العمدة سليمان غانم في مسلسل "ليالي الحلمية"، لعدم رغبته في استنزاف ذاته في الدراما، كما رفض فيلم "مسجل خطر" والذي كان سيشارك فيه البطولة مع الزعيم عادل إمام بسبب خوفه من الدور والتشابه بينه وبين شخصيته الحقيقية، إذ كان سيؤدي دور شخص لديه ابنة ويتوفى في نهاية العمل، وكانت لسعيد صالح ابنة وخشي أن يموت بالفعل في عالم الواقع فاعتذر عن الفيلم ليذهب الدور إلى صلاح قابيل بدلا منه.

ومن العلامات الأخرى التي عبّرت عن شخصية الراحل سعيد صالح صاحب القلب والعقل الكبيرين وخفة الدم، هي تعليقه على فترة وجوده بأحد السجون، حين أكد أنه كان سعيدا في السجن، وقال "إن الله أراد أن يختبرني، وشعرت بحب الناس لي، وكنت مشغولا داخل السجن، أقوم بحل مشكلات، وأصلي وأقرأ القرآن، وحفظته، فطلبت من الله التقرب إليه واستجاب لي".

الأصدقاء الثلاثة

كان بحياة الراحل سعيد صالح علاقة مميزة باثنين من الأصدقاء لم يفرقهم المنتجون لفترة طويلة وكان أي منهما يحصل على الأجر بدلا من الآخر دون حزن أو غيرة فنية بينهما، والأمر يتعلق هنا بصلاح السعدني وعادل إمام.

كانت شهرة سعيد صالح وعادل إمام معا، وأكد "كوميديان المهمشين"، في أحد اللقاءات التلفزيونية أنه لم يكن بينهما أي نوع من الغيرة وكانا يشجعان بعضهما على المسرح.

وأكدت ذلك ابنة سعيد صالح، هند التي خرجت لتعلن عن تواصل علاقتها مع الزعيم عادل إمام والذي يطمئن عليها بشكل مستمر، وهو عكس ما كان ينتشر من شائعات عن علاقة عادل إمام وسعيد صالح.

أما علاقة الراحل بالفنان صلاح السعدني، فقال عنها إنهما أشقاء لم تلدهما أم واحدة، وأنه ارتبط اسمهما كثيرا في بداية مشوارهما الفني، كما عرف سعيد صالح بأنه من الفنانين الذين صنعوا علاقات طيبة مع الجميع.

سجن سياسي ومزاجي

تعرض سعيد صالح للسجن خلال حياته 3 مرات، كانت أولها بسبب عمل فني، وكان هو أول فنان يصدر ضده حكم بسبب عمل فني، حيث كان يلقب نفسه بـ"ملك الخروج عن النص"، وهو ما تسبب في حبسه عام 1983 حين قام بالسباب على المسرح فحكم عليه بـ17 يوما على ذمة التحقيق ثم أفرج عنه.

وقد طال هذا العمل بعض الشائعات، بأنه حبس بسبب جملة سياسية قيلت تهكما على الرؤساء المصريين في مسرحية "لعبة اسمها الفلوس"، حين قال بالعامية المصرية "أمي اتجوزت 3 مرات الأول أكّلنا المش والتاني علّمنا الغش والتالت لا بيهش ولا بينش"، وأثارت القضية حينها جدلا واسعا في الأوساط الفنية والإعلامية، وتمت تبرئته في النهاية.

وحبس في المرة الثانية عام 1991 في قضية مخدرات ملفقة وتمت تبرئته لعدم كفاية الأدلة، وفي عام 1996، اتهم بالتهمة ذاتها مرة أخرى وسجن لمدة عام وغرامة 10 آلاف جنيه، وتم تبرئة جميع المتهمين في القضية باستثناء الراحل، وخرج بعد انقضاء المدة التي أقرتها المحكمة.

المطرب الذي لم يعترف به

كان طموح سعيد صالح الأول هو أن يكون مطربا وتقدم بالفعل لنقابة المهن الموسيقية، وكان يعتمد السماع ولا يعرف القواعد وأساسيات التلحين ولهذا تم رفضه، وفقا لما ذكره الملحن حلمي بكر الذي كان حينها عضو لجنة استماع بالنقابة.

لحّن سعيد صالح وأدى العديد من الأغاني في أعماله السينمائية والمسرحية والتي حظيت بمحبة الجمهور، منها "على اسم مصر" و"احنا النهاردة إيه" و"ممنوع من السفر" و"طول النهار شقيان".

ومع هذا التاريخ الفني الطويل أنهى سعيد صالح مشواره من خلال ظهوره في عدد من الأعمال كضيف شرف كان أبرزها مع عادل إمام في فيلم "زهايمر" وآخرها فيلم "متعب وشادية" عام 2013.

في لقاءاته التلفزيونية، تمنى سعيد صالح أن يتوفى قائما على قدميه، وليس مريضا. وربما تحققت أمنيته، فلم يعانِ طويلا من المرض، إذ توفي في 1 أغسطس/آب عام 2014، بعد إصابته بأزمه قلبية تاركا وراءه إرثا فنيا كبيرا لا يمكن أن يغفله التاريخ الفني ولا الجمهور.

المصدر : الجزيرة