سلسلة نظرة على مستقبل.. كيف تصنع التكنولوجيا أيامنا القادمة؟

ربما يبدو من البديهي تماما الافتراض القائل إن الروبوتات والذكاء الاصطناعي سيجعلان واقع العمل أسهل وأسرع للبشر، لكن بعض الدراسات تقف ضد تلك السردية لتقول إن الواقع عكس ذلك تماما.

مشهد من حلقات مستقبل
مشهد من حلقات السلسلة الوثائقية التي بدأت نتفليكس بثها مؤخرا (مواقع التواصل)

هل ستتصفح الكلاب الإنترنت؟ وهل يقضي البشر إجازاتهم في الفضاء؟ أسئلة وتصورات حول شكل المستقبل في سلسلة وثائقية جديدة، تعاونت لإنتاجها كل من نتفليكس وموقع "ذا فيرج"، تناقش في كل حلقة مجالا محددا وكيف سيتغير شكله في المستقبل.

وعبر حلقات من 20 دقيقة، تبحث السلسلة التي تحمل عنوان "نظرة على مستقبل" (The Future Of) في موضوعات مثل الكلاب، والمواعدة، والنباتات المنزلية، والألعاب، وقضاء العطلات في الفضاء، والبرغر بالجبن.

ويعدّ دمج التكنولوجيا بين المجالات المختلفة عاملا كبيرا في التغييرات المتوقعة في المستقبل، بدءا من استخدام البيانات البيومترية للعثور على شريك الحياة المثالي، إلى استخدام تكنولوجيا الطعام لإعادة ابتكار الوجبات المفضلة.

قبل أن نبدأ تحليلنا الموجز للسلسلة التي بدأت نتفليكس عرضها مؤخرا، ربما علينا أن نفكك خطابها ليبدو أكثر سهولة على المتلقي الذي سيقف أمام المسلسل متجاوزا تساؤله الأصلي عن الحاضر، للسؤال عن مستقبل "أكثر سهولة وسعادة" كما يدعي صنّاعه.

مستقبل "أكثر سعادة"

ربما يبدو من البديهي تماما الافتراض القائل إن الروبوتات والذكاء الاصطناعي سيجعلان واقع العمل أسهل وأسرع للبشر، لكن بعض الدراسات تقف ضد تلك السردية لتقول إن الواقع عكس ذلك تمامًا بشكلٍ جذري، حسبما كتبت صحيفة فايننشال تايمز (Financial Times).

تشير الصحيفة إلى أن المزيد من الموظفين يعملون حاليا تحت ضغوط أكبر ومواعيد تسليم أكثر تشددا ويعانون من مستويات أعلى من التوتر والإجهاد، وربما يوافقنا الرأي أغلب قراء هذا المقال، ليبدو هذا الخطاب قادما من رحم الرأسمالية التي تحاول تهوين هذا الشر المستمر على أمل تقليله في مستقبل مجهول من خلال أحاديث أدبية وسينمائية.

أظهرت استطلاعات أجرتها الحكومة البريطانية أن الموظفين الذين يؤكدون أن وظائفهم تتطلب العمل "بجد شديد"، زادت نسبتهم إلى 46% عام 2017، مقارنة بـ30% عام 1992.

نسبة الموظفين التي ذكرت أنها تعمل 3 أرباع وقتها تحت مواعيد تسليم مضغوطة قد زادت إلى 60% في 2017 من 53% في 1992. وينطبق هذا الاتجاه المتمثل في ضغط ظروف العمل على الموظفين في الشركات المتعددة الجنسيات والعاملين في الشركات المحلية الصغيرة في مختلف أنحاء العالم، حيث جاءت الأرقام متقاربة في الولايات المتحدة وأوروبا.

أسباب الضغط

لماذا يحدث ذلك؟ طرحت فايننشال تايمز عددا من الإجابات. من المحتمل أن تكون تكنولوجيا الاتصال الفوري بالآخرين قد أدت إلى تشديد مواعيد التسليم وخلق الحاجة الفورية لتلبية الطلبات. وأجبرت الآلات الموظفين أيضا على أن يكونوا قادرين على مواكبة الوتيرة الأسرع للعمل، فيما جرى توظيف المزيد من تطبيقات التكنولوجيا لمراقبة أداء الموظفين وتنظيمه.

والتفسير الآخر المحتمل هو أن أماكن العمل ببساطة خفضت عدد الموظفين لتوفير التكاليف دون أن تطور وسائل أفضل لرفع كفاءة عملياتها التشغيلية. والاحتمال الرابع هو أن البريد الإلكتروني وتطبيقات المراسلة في أماكن العمل مثل "سلاك" و"مايكروسوفت تيمز" جعلت الموظفين مرهقين ذهنيا من التشتت الدائم نتيجة كثرة المراسلات.

من ذلك الخطاب المحوري بنيت نظريات العالم الأول عن العمل والمستقبل، وأنتجت سرديات تتصور ذلك المستقبل أكثر سهولة من خلال التكنولوجيا التي ستبسّط العمل وبالتالي الحياة عمومًا، وهو ما حاول صناع مسلسل "نظرة على مستقبل" الذي يحكي قصصا قصيرة سريعة عن حياتنا المستقبلية.

إنترنت الكلاب

إذا كان واقعك لا يشغلك كثيرا، فربما يجذبك التحليق في سماء خيالات المستقبل التي يعرضها العمل سريعا في 20 دقيقة كحلم جميل. كيف تتخيل شكل مستقبلك القريب أو البعيد؟ تنقسم الحلقات إلى فصول منفصلة متصلة، جميعها يتصور شكل التأثير التكنولوجي على الأشياء، وتطرح أسئلة مرهقة تتطلب تجربة حياتية ثرية.

إحدى الحلقات تنشغل بشبكة إنترنت الكلاب، كيف سيكون مستقبلها، وهل تحدث أم لا، وكيف سيقدم ذلك التصور مساعدة للبشرية لحياة أكثر سهولة في "عملها" من خلال كلب يمكنه إصدار الأوامر أو تلقيها بشكل ميكانيكي تكنولوجي.

في حلقة أخرى سنجد مواجهة استهلاك اللحوم المستمر بمساحات التفكير في اللحوم المزروعة التي تأخذ نفس مذاق اللحوم الحقيقة نوعًا ما، لكن من خلال معامل يمكننا زرع اللحوم فيها.

الحبيب السابق

"كيف يمكن تخيل حبيبك السابق في علاقة جديدة يمكن تجنبها"، هذا تساؤل تطرحه السلسلة في إحدى حلقاتها، وهو لا يكتفي بتخطّي الحاضر إلى تساؤل مستقبلي مجهول لا يمكن قياسه مهما بلغت درجة دقة الدراسات، بل يتجاهل كل ذلك ليطلق افتراض أن الذكاء الاصطناعي يمكنه في المستقبل أن يجنّبك مقابلة شخص شبيه "ظاهريًا" بشريك حياتك السابق الذي حكمت على علاقتك معه بالفشل، غير ملتفت لكل السياقات الزمانية والمكانية التي تحكم كل علاقة.

نحن أمام سلسلة وثائقية مهووسة بخطاب المستقبل السعيد الأكثر راحة ورفاهية يتجاهل صرخات ملايين من صناعه الذين يعملون دون توقف لمساحات تملأ هذا الاستهلاك، حتى إذا كان استهلاكا تنظيريا في مسلسل يتصور شكل المستقبل السعيد متجاهلا حاضره التعس.

تساؤل "كيف تصنع التكنولوجيا مستقبلنا؟" لا يبدو أكثر أهمية مهما بلغت جذريته من تساؤل كيف صنعت حاضرنا؟ هل جعلته أكثر سعادة؟ ربما من هنا يمكننا الانطلاق إذا وجدنا إجابة مشتركة.

المصدر : الجزيرة + وكالات