بين التفكير النقدي والتسامح.. كيف يساعد الفن في الحفاظ على الصحة العقلية؟

ملَكة التفكير الإبداعي في حد ذاتها ليست رهينة بمرحلة عمرية معينة (غيتي)

يتبادر للذهن عادة أن الفائدة الكبرى -إن لم تكن الوحيدة- للعمل الفني هي أنه وسيلة للترفيه عن المشاهد أيا كان نوع العمل، فالغرض من اللوحات الجميلة المتعة، وكذا الأفلام الناجحة هي عمل ترفيهي حتى وإن كانت كلاسيكية أو عنيفة، وهكذا.

هذا الجانب لأي عمل فني بالطبع صحيح، لكن ليس الجانب الأهم أو الوحيد، فالفائدة الكبرى لأي عمل فني هي الأثر الإيجابي الذي يتركه على شخصية المشاهد.

هذا الرأي هو ما أكدته الدورية الأميركية للفنون والعلوم، حيث أتى في الدراسة التي نشرت تحت عنوان "ما بين الفن والدماغ" أن المشاعر السلبية مثل الاكتئاب قد يهونها ويخفف من حدتها، ليس فيلما مضحكا كما هو متوقع، بل فيلم درامي كئيب ذو ثيمة سوداوية لكنه ينتصر للحق والعدل والخير أو أي من القيم العليا في نهاية الأمر.

ينطبق الأمر نفسه على الكتب والأشعار واللوحات وغير ذلك من الأعمال الفنية، فالعمل المضحك أو الكوميدي بالرغم من كونه سريع التأثير ويبث بعض البهجة في النفس فإن أثره قصير المدى فيما قد يستمر أثر العمل ذي الثيمة الفلسفية والمعاني العميقة مدى الحياة.

التفكير الإبداعي

ملكة التفكير الإبداعي في حد ذاتها ليست رهينة بمرحلة عمرية معينة، بل على العكس هي نمط من التفكير يتبعه الإنسان في كافة أحداث حياته اليومية.

هذا النمط من التفكير لا بد من أن يكون مبذورًا في داخل المرء منذ طفولته. وهنا يأتي دور الفن الذي يستطيع تنمية تلك المهارة على حد تعبير الناقد الفني سكوت ليجون، فالانغماس في فهم عمل فني، لا يساعد المرء فقط على شحذ قدراته العقلية لفهم المحتوى، بل يؤثر فيه نفسيا إلى حد بعيد وهنا تأتي الفائدة الثانية للفن.

تقبُّل النقد

أحد أسهل وأيسر السبل لتنمية تقبل النقد هو النظر بإمعان في الفن، بما في ذلك ما لا نفهمه من أنواع الفن على حسب ما يرى مؤرخ الفن غريغوري مينيسال. والسبب في ذلك هو أن الناس يمكن أن ينظروا إلى الفن على أنه أحجية أو لغز، فتصير محاولة فهم هذا النوع من الفن المحير أقرب للعمل من خلال البرهان الرياضي.

هناك العديد من الأعمال الفنية التي تقدم مفارقات بصرية للمشاهد. أحد الأمثلة على ذلك: لوحة الرسام السريالي البلجيكي رينيه ماغريت "هذا ليس غليونًا" (Ceci n ‘est pas une pipe ،1928-1929)، فاللوحة رغم بساطة محتواها "تتعارض مع كل ما رآه الدماغ وتعلمه وخزنه في ذاكرته"، على حد تعبير مينيسال.

لوحة الرسام السريالي البلجيكي رينيه ماغريت "هذا ليس غليونًا" (متحف مقاطعة لوس أنجلوس للفنون)

التخفيف من حدة التوتر والاكتئاب

على حسب ما جاء في مجلة "فيري ويل مايند" (Verywell Mind)، لعالمة النفس إليزابيث سكوت، فإن الفن يعد وسيلة فعالة في تخفيف الشعور بالاكتئاب وحدة التوتر والتعبير مع المشاعر.

وترى سكوت أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل الفن وسيلة رائعة لتخفيف التوتر حتى بالنسبة لأولئك الذين لا يعتبرون أنفسهم ميالين للرسم، فقد وجدت نتائج دراسة أجريت عام 2016 ونشرت في مجلة (American Art Therapy Association) –ونقلها المصدر السابق– أن 45 دقيقة فقط من النشاط الإبداعي يمكن أن تقلل من الإجهاد النفسي أو الشعور بالبؤس، بغض النظر عن الخبرة الفنية أو الموهبة ومهما بدت الصورة مخالفة للمعايير.

كيف تبدأ؟

تعج المكتبات بكتب من الرسوم ذات اللونين الأبيض والأسود لتسهيل عملية التلوين والإبداع على الأطفال. هذه الكتب والقصص الصغيرة مفيدة للكبار كما للصغار تمامًا وفقًا لما أوردته إليزابيث سكوت، عبر عما يجول في صدرك من خلال التلوين حتى وإن كان مجرد شخبطات لا معنى لها.

حاول الاحتفاظ بمفكرة وقلم بجوار سريرك، ثم دوّن كل ما يجول بخاطرك بمجرد أن تستيقظ، ومع الوقت ستساعدك تلك الرسومات على فهم نفسك أكثر لأنك عبّرت عن المشاعر التي قد يكون من الصعب التعبير عنها من خلال الكلمات.

لا تنس رسم وجوه من تحبهم، أو الأماكن التي تشعر فيها بالسلام، ومع الوقت سترى أنه صار لديك دليل شامل يشرح لك طبيعة نفسك والأشياء التي تزعجك أو تريحك، وقد تتوصل في النهاية إلى ما يجب فعله.

المصدر : مواقع إلكترونية