الفنان التشكيلي السوري إبراهيم الدندل: ألواني هي الأمل والسلام وصوت الحرية المنشود

الفنان السوري إبراهيم الدندل (الجزيرة)

تدمر ليست مدينة سورية قديمة فحسب، وليست كذلك إحدى أهم مدن الشرق في العصور الوسطى، بل هي مدينة تحمل مشتركًا إنسانيا لكل باحث عن الحضارة، أو من أراد أن يفهم التحدي والاستجابة كما يصفها المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي في بناء الحضارات القديمة.

وفي تدمر ثمّة تحد واجهه الشعب، فحوّل البادية إلى واحة غنّاء، وأقام فيها إحدى أرقى الحضارات القديمة التي استطاعت أن تمدّ نفوذها إلى مصر وأن تهزم روما في أكثر من موقعة حتى شكّلت هاجسًا للدولة الأقوى في ذاك الزمن فجيّشت عليها الجيوش، واستعانت بأقوى القادة حتى أوقعت بزنوبيا ملكة تدمر ووضعت تدمر تحت سلطتها، وبقيت آثارها شاهدة على عبقرية شعب تحدى المكان.

ومن عبق هذا المكان خرج الفنان التشكيلي إبراهيم الدندل، وحين حطّ به اللجوء في سويسرا، بدأ باستعادة تدمر من خلال لوحات فنية تستلهم موضوعاتها من تراث تدمر الغني.

وقد أقام 7 معارض فنية تعرّف بالحضارة التدمرية في ألمانيا وفرنسا، وحققت تلك المعارض نجاحًا كبيرا وحظيت بإعجاب النقاد الغربيين.

أكاديمية الفن والحرية

الجزيرة نت التقت بالفنان إبراهيم الدندل، وتحدث عن تجربته الفنية، وذكر أنه يجسد موضوعين في لوحاته، الأول هو المنسوجات التدمرية، وهو بحث أثري مهم بالنسبة لتاريخ مدينة تدمر بعد العثور على مئات القطع من المنسوجات التي وجدت في المدافن والبيوت التدمرية القديمة التي يعود تاريخها إلى ما بين القرنين الأول والثالث الميلاديين، وأكثر من كتب عن هذا الموضوع البرفيسور الألماني أندرياس شميدت كولونيه.

أما الموضوع الثاني فهو عن وجوه من مدينة تدمر؛ فالمنحوتات التدمرية بشكل عام تأثرت بالفنين اليوناني والروماني، لكنها أخذت طابعًا خاصًا، حيث يقوم الفنان بعرض المنحوتة بمفاتنها البارزة، وللرجل عضلاته، أمّا المنحوتة التدمرية فأخذت طابع الحالة الرسمية للشخص حيث تغيب المنحوتات العارية.

الفنان ابراهيم الدندل
الفنان إبراهيم الدندل متحدثا عن تجربته الفنية (الجزيرة)
  • لاحظنا مزجا بين التراث وأسلوب بيكاسو، ما الغاية من ذلك؟

أنا من مدينة تدمر التي أصفها بمدينة الجمال، وقادني التهجير القسري إلى بازل السويسرية "عاصمة الفن الحديث"، خلال زياراتي لمتاحفها الغنية بأعمال الفنانين المشهورين عالميا ومنهم بابلو بيكاسو، لاحظت أن في الفن رابطا ما بين الثقافات، فبيكاسو تأثر بالفن الفرعوني والأفريقي، وأنا لاحظتُ مثلًا من بين أعمال بيكاسو المشهورة لوحة فتاة تحمل بين يديها حمامة، وهناك منحوتة تدمرية قريبة إلى تلك اللوحة. أما الأسلوب الفني فأنا لا أتبع مدرسة فنية معينة ولكن أميل إلى التعبيرية والتجريدية.

خطي الأول هو الغرافيك (الحفر والطباعة اليدوية) ولكن هذا الأمر يحتاج إلى استقرار، وهذا ما نفتقده في بلاد الشتات.

  • كيف تنظرون للفن السوري التشكيلي بعد الثورة؟

الفن التشكيلي السوري ما قبل الثورة كان مقيدا كمعتقل، وكان أمامه خطوط حمر ممنوع الاقتراب منها، علمًا بأنّ الحركة التشكيلية في سوريا أخذت أبعادا حقيقية في المدارس الفنية كافة، وتجاربها الغنية جسّدت الحياة السياسية والاجتماعية والتراثية والتاريخية.

وكون الفن الحقيقي بحد ذاته ثورة، فكان لابدّ أن يجسد ثورة شعب مقهور لأنه المرآة التي تعكس الواقع بكل تفاصيله. بدأ التشكيل السوري يأخذ منعطفًا جديدا مع بداية انطلاقة الثورة بريشته المضرجة بالأحمر في محاربة السجن والسجان، وتحدث "لغة عالمية" بكل اللغات من أجل تحطيم جدار الخوف والدكتاتورية.

  • ما مدى تأثير الفنان السوري في المهجر؟

ريشة الفنان السوري في المغترب يتيمة كثورته، والسبب أن الإعلام في المغترب لا يسلط الضوء على الثورة السورية، وربما يصفها بحرب أهلية وصراع ضد الإرهاب، لذلك الريشة في واد والإعلام في واد آخر. ورغم ذلك، استطاع بعض الفنانين السوريين نقل المأساة الممنهجة التي ألمت بالشعب السوري بكل ما تحمل من تهجير ودمار وطمس حضارته وثقافة تراثه وتخريب نسيجه الاجتماعي إلى كل بقعة يعيشون بها.

  • كيف تقيم تجربة اللجوء؟ وهل هي هروب نحو الحياة؟

في معرضي الأخير في آرلتسهايم قلتُ للحضور باللغة الألمانية: تمنيت أن أكون ضيفا في بلادكم أعرض إنتاجي وأعود إلى وطني، ولكني هنا لاجئ، هُجّر من وطن استباحه الظلم والإجرام، بلد هجّر أهله وبقي نظام القتل قائمًا، أيها السادة أنا لم أطرق باب الغربة، ولكن سلاح العالم الذي قدّم سخيًا لنظام بشار الأسد حطّم أبوابنا ودمّر سوريتنا، وجعلنا نتنقل في البلاد، نحمل وطننا جرحًا في قلوبنا.

والسؤال الذي يصادفنا دائمًا: كيف ترسم بهذه الألوان وأنت قادم من بلد الحرب؟ أقول لهم بأن الحرب في سوريا ليست حربا كما يصورها الإعلام، هي ثورة شعب يطالب بالحرية، ولهذا وسموها بالحرب ليبرروا لمجرمها جرائمه! ألواني هي الأمل والسلام وصوت الحرية المنشود.

أعمال إبداعية تختصر اللجوء والألم والتراث

من جانبها، قالت رئيسة بلدية آش السابقة ماريان هولنغر للجزيرة نت إنه "شيء عظيم جدًا أن نجد هذه الأعمال التي أقول عنها إنّها مذهلة يبدعها لاجئ سوري رغم الظروف الصعبة التي عاشها، وبوصفي رئيسة بلدية آش سابقًا، فلدي معرفة بآلام اللاجئين ولا سيما السوريين منهم. الفنون تعطي صورة أخرى عن حضارات الشعوب، سوريا ليس كما نقرأ في الصحف أو نرى في وسائل الإعلام المختلفة هذه الأيام، فسوريا بلد حضاري ضارب في عمق التاريخ".

ماريان هولنغر رئيسة بلدية آش سابقًا
رئيسة بلدية آش سابقًا ماريان هولنغر (الجزيرة)

التراكم الحضاري السوري مذهل للعقل

وردّا على سؤال الجزيرة نت عن البعد التاريخي في لوحات الفنان إبراهيم الدندل، قال النحّات السويسري الإيطالي ماورو غورجي "أعرف الفنان عن قرب، وقد كنت أساعده حتى في تعليق لوحاته في معارضه، وكذلك لدي اطلاع على الحضارة التدمرية، لا سيما أني زرت تدمر في 2009، ودعني أقل لك إني وقفت مذهولًا ليس أمام تلك الحضارة فحسب، بل أمام التراكم الحضاري الموجود في سوريا، فالمدينة جعلتني أعيش التاريخ الروماني هناك، وكل ما كنّا نقرأ عنه عن زنوبيا وأذينة وجدناه حاضرًا في أعمال إبراهيم الدندل، في تدمر جذور الإنسانية وللأسف أن تنتهي بالتدمير".

النحات الايطالي ماورو غورجي
النحات الإيطالي ماورو غورجي (الجزيرة)

عمق تراثي يمتد عبر التاريخ

أما يورغ زايبرت رئيس حماية التراث في آرليسهايم فوصف الفنان إبراهيم الدندل -في حديثه للجزيرة نت- بأنه "ابن تدمر العريقة التي تمتد إلى عصور ما قبل التاريخ، وللأسف فقد تمّ تدميرها وهي من إرث اليونسكو، وقد تمّ تسجيلها في القائمة الحمراء للتراث المهدد بالزوال".

وأضاف "أعمال الفنان ذات عمق تراثي يمتد في التاريخ التدمري، وهي انطباعات الفنان، وإذا نظرنا إليها سنجد عمقًا ثقافيًا ممتدًا عبر التاريخ، وهذا ما دعا عمدة بلدية آش السابقة أن تصفه بالمبدع، فقد تأثرت كثيرًا بفنه بعد أن حوّل سكنه إلى ورشة للإبداع، ولعلكم تجدون في لوحاته الحزن، ولكنه ليس الحزن الفردي بل هو حزن على وطن فارقه وتراث تم تدميره".

يورغ زايبرت، رئيس حماية التراث في آرلتسهايم
يورغ زايبرت رئيس حماية التراث في آرلتسهايم (الجزيرة)

إبراهيم الدندل في سطور

من مواليد محافظة تدمر السورية في العام 1973، يقيم في بازل السويسرية منذ 7 سنوات، لم يؤطر فنه في مدرسة فنية بعينها، لكنه شغوف بالتراث.

افتتح مشغلًا للفن الغرافيكي في تدمر في العام 2008، وكان محطة لكثير من الفنانين السوريين والعرب والأجانب، أقام عدّة معارض مشتركة وفردية في سوريا، واقتنت وزارة الثقافة السورية عددًا من أعماله.

المصدر : الجزيرة