أمير السخرية.. أفلام توجت رأفت الميهي رائدا "للفانتازيا" والتجريب

المخرج رأفت الميهي
المخرج المصري الراحل رأفت الميهي (مواقع التواصل)

ظهوره كمخرج ضمن الموجة الجديدة من مخرجي السينما الواقعية في الثمانينيات لم يبعده عن التجريب السينمائي و"الفانتازيا" التي ميزت مسيرته الممتدة لنحو نصف قرن، فدمج الواقع والجد بالهزل؛ ليصنع عالما موازيا للواقع، وبعيدا عنه أيضا من خلال أفلامه، ليصبح المخرج رأفت الميهي -الذي تحل الذكرى 81 لميلاده في 29 سبتمبر/أيلول 1940- رائد "الفانتازيا" في السينما المصرية، كما لُقب أيضًا بأمير السخرية.

سيناريست مهم

المفارقة أن رأفت الميهي لم يبدأ مشواره مع الإخراج مبكرا، فدراسته في كلية الآداب قسم إنجليزي جعلته يهوى الكتابة؛ فقرر استكمال دراسة السيناريو في معهد السينما، الذي تخرج فيه عام 1964، ليكتب أول فيلم للسينما عام 1967 "وجفت الأمطار"، ليصبح بعدها واحدا من أهم كتاب السينما في أعمال مثل "شروق وغروب" و"الرصاصة لا تزال في جيبي" و"أين عقلي" و"على من نطلق الرصاص"، وتميز أسلوب الميهي باستخدام الرموز الفنية والإسقاطات غير المباشرة.

كما أضاف له عمله مساعد مخرج مع أهم مخرجي السينما المصرية وقتها -منهم صلاح أبو سيف وعاطف سالم وكمال الشيخ- الانخراط أكثر في الصناعة، ليبدأ في الثمانينيات خطوة مختلفة لم يكن يضعها في حسبانه وهي الإخراج، وصنع تجربته الفريدة، على عكس أعمالهم التي تميزت بالواقعية الشديدة والجدية، فتجربته الإخراجية الأولى كانت عام 1981 من خلال فيلم "عيون لا تنام".

الجرأة السياسية

لكن مع تجربته الثانية عام 1983 "الأفوكاتو" قرر الميهي أن يستخدم أدواته السينمائية ليصنع أفلاما بلغة سينمائية جديدة على السينما المصرية، معتمدا على التجريب، لرغبته في طرح أفكار تميزت بالجرأة السياسية أيضا.

الميهي -الذي تفتح وعيه على ثورة 25 يوليو/تموز 1952، والانتصار في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، قبل أن يبدأ الانفتاح الذي غيّر كثيرا في المجتمع المصري- قرر أن يقدم ذلك في الفيلم الذي دمج خلاله "الفانتازيا" والخيال بالواقع أيضا، ليقدم المجتمع المصري في الثمانينيات بطريقة عبثية، وكيف يتم التعامل مع النظام الحاكم والأنظمة السابقة، سواء عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأصحاب النفوذ والسلطة، من خلال شخصية سليم أبو زيد الذي كان يُرهب من يختلف معهم بالكلاب التي يتولى تربيتها، أو الانفتاح في عصر الرئيس الراحل أنور السادات من خلال شخصية حسونة محرم الذي أصبح رجل أعمال كبير بتجارة المخدرات، في حين يُظهر القضاء ضعيفًا أمام بطل الفيلم "حسن سبانخ"، الذي يتلاعب بالقضاة كما يشاء، أما ممثل الداخلية فهو مجرد خادم للسلطة فقط، وسلط الضوء أيضا على رفض المسؤولين انتقاد الحكومة.

انتقد الذكورية

ولم ينشغل رأفت الميهي فقط بانتقاد الحالة السياسية، لكنه أيضا كان يهتم بالقضايا المجتمعية، فاهتم في عدد من أفلامه بطرح الذكورية التي تسكن البيوت المصرية "السادة الرجال"، حيث تقوم الزوجة بعملية تحويل جنسي لتصبح رجلا من أجل أن تحصل على الحقوق نفسها التي يحصل عليها زوجها.

وفي تجربة "سيداتي آنساتي" أيضا ناقش الميهي قضية تعدد علاقات الرجل ورفض المرأة تسلطه، ورغبتها في حرية الاختيار من خلال 4 سيدات يقررن الزواج برجل واحد.

التجريب

استطاع الميهي في "الأفوكاتو" أن يخرج بطل الفيلم عادل إمام من تقديم الكوميديا الممتعة فقط إلى الكوميديا التي تحمل رسائل سياسية واجتماعية، ولكنه لاحقا كوّن ثنائيا مع الفنان محمود عبد العزيز، الذي قرر أن يخوض مغامرة التجريب مع الميهي، وبدأها بفيلم "سمك لبن تمر هندي"، وفي الفيلم الذي اعتمد خلاله أيضا على "الفانتازيا" سلط الضوء على الظلم الذي يعيشه الفقراء وكيف يعيشون بلا دعم بعكس أصحاب النفوذ، وبعدها قدما سويا "السادة الرجال" و"سيداتي آنساتي".

واصل الميهي تقديم تجربة أخرى ومختلفة عن الفقراء من خلال فيلم "ميت فل" عبر اختيار بطلي الفيلم لأب ثري يغير حياتهما في سياق عبثي.

للحب قصة أخيرة

وعن حياة الفقراء أيضا وسكان منطقة "الوراق"، قدم الميهي تجربة شديدة العذوبة أيضا في فيلم "للحب قصة أخيرة"، الذي يفضح الدجل من خلال الأم التي تحاول إجبار زوجة ابنها على منحه طفلا من أجل أن يبقى نسله قبل وفاته، بينما يفكر الزوجان بشكل مختلف، وهو الفيلم الذي تسبب في القبض على أبطاله وقتها بسبب جرأة أحد المشاهد، وكانت الرقابة صرحت بعرضه، حتى تم انعقاد مؤتمر عام للتعبير عن حرية التعبير ليتم تجميد الدعوى.

متعدد الإسهامات

في عام 2001، قدم رأفت الميهي آخر تجاربه الإخراجية في كل من "علشان ربنا يحبك"، الذي قام بإنتاجه، لكن الفيلم لم يوافقه النجاح المتوقع، و"شرم برم"، لكنه ركز على إنشاء أكاديمية لتدريس السينما حملت اسمه، ليضاف إلى رصيد إسهاماته كسيناريست ومخرج ومنتج وأستاذ أكاديمي.

كما حصل الميهي على العديد من الجوائز، إذ حصل فيلمه "للحب قصة أخيرة" على جائزة خاصة من مهرجان كارلو فاري، وحاز فيلمه "قليل من الحب.. كثير من العنف" على الجائزة الأولى في المهرجان القومي الخامس للأفلام الروائية في مصر عام 1995.

دراما قبل الموت

في عام 2009 قدم رأفت الميهي تجربة درامية هي الوحيدة في رحلته الفنية بمسلسل "وكالة عطية"، لكنه ابتعد بعدها عن الفن لـ6 سنوات كانت حالته الصحية قد تدهورت نتيجة إصابته بضعف حاد في عضلة القلب، ليرحل عن عالمنا في الرابع من يوليو/تموز 2015، بعد أن فتح الأبواب أمام المخرجين وصناع السينما لتقديم أعمال تتسم بالخيال والجرأة و"الفانتازيا" من خلال 12 فيلما فقط هي حصيلة تاريخه في الإخراج.

المصدر : الجزيرة