من "النيل نجاشي" إلى "وتنساب يا نيل حرا طليقا".. كيف غنى المصريون للنهر الخالد؟

تحكي أغنية النهر الخالد للموسيقار محمد عبد الوهاب عن عتاقة نهر النيل وارتباط المواطن المصري به على مرّ العصور.

محمد عبد الوهاب (مواقع التواصل الإجتماعي)

القاهرة – "النيل نجاشي.. حليوة أسمر.. عجب للونه دهب ومرمر، أرغـوله في إيده.. يسبح لسيده.. حياة بلدنا يا رب زيده".

في عام 1933 تعجب المصريون حين غنّى محمد عبد الوهاب أغنيته الشهيرة "النيل نجاشي.. حليوة أسمر"، فكانوا يعرفون أن النجاشي هو ملك الحبشة الذي أحسن استقبال المسلمين الأوائل الذين هاجروا من مكة إلى إثيوبيا، فكان غريبا وصف النيل بالنجاشي، لكن الشاعر أحمد شوقي فسر ذلك أن النجاشي في اللغة الأمهرية يعني الحاكم، وقد وصف النيل بأنه نجاشي لعظيم أثره فى حياة مصر، كما يذكر الكاتب علي السلمي في مقال له.

وفي كتاب "قاموس العادات والتقاليد المصرية" يذكر أن "النيل نجاشي" هو تعبير اخترعه الشاعر أحمد شوقي ومعناه "أسمر نحاسي"، وفي دراسة لأستاذ الموسيقى العربية في جامعة حلوان أمل مصطفى إبراهيم، ذكر أن عبد الوهاب غنى للنيل ووصفه بالحكم علـى قلـوب المصريين، وردّه إلى أصله ومنبعه الإثيوبي، ويفهم البعض الأغنية أنها ترحيب بالنيل في موسم الفيضان، كما غنيت في عهد الملكية إذ العلاقات طيبة بين مصر وإثيوبيا.

وغنى عبد الوهاب قصيدة "النهر الخالد" عام 1954، التي لحنها وكتب كلماتها الشاعر محمود حسن إسماعيل، وتحكي الأغنية عن عتاقة نهر النيل وارتباط المواطن المصري به على مرّ العصور، وما ينطوي عليه من أسرار وحكايات ارتبطت بتقاليد وعادات عند قدماء المصريين.

مسافر زاده الخيال.. والسحر والعطر والظلال
ظمآن والكأس في يديه.. والحب والفن والجمال
شابت على أرضه الليالي.. وضيعت عمرها الجبال
ولم يزل ينشد الديارا.. ويسأل الليل والنهارا
والناس في حبه سكارى.. هاموا على شطه الرحيب

أم كلثوم

وبعد عبد الوهاب توالت أغاني كبار الفنانين لنهر النيل، ففي احتفالات النيل التي كانت تقام كل عام غنت أم كلثوم أغنية النيل لأمير الشعراء أحمد شوقي، ولحنها رياض السنباطي، وتقول كلماتها:

مِن أي عَهدٍ في القرى تتدفَّـقُ وبأي كَـفٍّ فـي المَدائِـنِ تغـدِق
وَمِنَ السَماءِ نَزَلتَ أَم فُجِّرتَ مِـن عَليـا الجنان جَـداوِلًا تَتَرَقـرَقُالموسيقار والمطرب محمد عبد الوهاب (مواقع التواصل)
وَبِأَيِّ نَـولٍ أَنـتَ ناسِـجُ بُـردَةٍ لِلضِفَّتَيـنِ جَديـدُهـا لا يُخـلَـقُ
والماء تَسكبه فيسبك عَسجَـدًا وَالأَرضُ تُغرِقُها فَيَحيـا المُغـرَقُ

كما غنت أم كلثوم "سلاما شباب النيل" للشاعر إبراهيم ناجي بألحان رياض السنباطي، قائلة:

أَجلْ إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا
فمصر هي المحرابُ والجنةُ الكبرى
أجل إن ماءَ النيلِ قد مرَّ طعمُه
تناوشه الفتاكُ لم يدعو شبرا
سلامًا شباب النيل في كل موقفٍ
على الدهر يجني المجدَ أو يجلبُ الفخرا

شادية

ومع توطد العلاقة بين الموسيقار بليغ حمدي والشاعر الكبير محمد حمزة، قررا تقديم عدد من الأغاني الوطنية معا، ويحكى أن الاثنين كانا في فندق يطلّ على البحر في الإسكندرية، عندما سمع بليغ كلمات حمزة "ولا شاف النيل.. فى أحضان الشجر.. ولا سمع مواويل.. في ليالي القمر.. أصله ما عداش على مصر"، قرر بليغ أن يبدأ تلحين الأغنية فورا، ثم ذهب إلى الفنانة شادية في بيتها ومعه العود، ليغني أمامها مقاطع من من أغنية "يا حبيبتي يا مصر" التي نالت إعجابها.

قررت شادية بدء البروفات مباشرة، وسجلت الأغنية في أستديو الإذاعة، ثم اتفقا أن تغنيها شادية فى حفلات الإذاعة والتلفزيون عام 1970، لتكون واحدة من أشهر الأغاني الوطنية المصرية.

عروسة النيل

يا عروسة النيل يا حته من السما

ياللي صورتك جوا قلبي ملحمة

في أغنية "عروسة النيل" يغني محمد منير لعشيقته التي يصفها بعروسة النيل، من كلمات الشاعر عبد الرحيم منصور وألحان أحمد منيب.

وفي أول تعاون بين عمرو دياب ومحمد منير، يقفان أمام نهر النيل، يقدمان معا أغنية "القاهرة ونيلها"، ويقول أحد مقاطعها:

"يا جمالها ساعه العصرية فى مركب على النيل.. مع صحبه حلوة وأغنية على الشوق والميل".

ما شربتش من نيلها

يقول المثل الشعبي المصري "من شرب ماء النيل لا بد من أن يرجع له"، ولهذا استخدمت شيرين عبد الوهاب هذا المعنى في أغنية "ما شربتش من نيلها" من ألحان عمرو مصطفى وكلمات نور عبد الله، وحققت الأغنية نجاحا كبيرا. وفي احتفالات نصر أكتوبر/تشرين الأول غنّت اللبنانية نانسي عجرم "نيلها اللي بيطلع في الصورة بعلامة النصر"، وغنى الإماراتي حسين الجسمي "اتمشى اتعشى وخُد مركب.. واسهر ع النيل".

وتنساب يا نيل حرا طليقا

قبل أسابيع حقق بيت الشعر الذي حمله ملف وزير الخارجية المصري سامح شكري في مجلس الأمن تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل، إذ نشر المتحدث باسم الخارجية صورة الملف عليه عبارة "وتنساب يا نيل حرا طليقا" على تويتر.

هذا المقطع من نشيد القوات المسلحة المصرية، التي كتب كلماتها الشاعر فاروق جويدة، ولحنه كمال الطويل، ويحكي جويدة أنه كتب هذا النشيد قبل 20 عاما من دون أن يتقاضى عليه أجرا، وكان سعيدا لأنه سيتردد على لسان كل فرد من رجال الجيش المصري في كل صباح، وتقول كلماته:

رسمنا على القلب وجه الوطنْ

نخيلًا ونيلًا وشعبًا أصيلًا

وصناكِ يا مصرُ طولَ الزمنْ

وتنسابُ يا نيلُ حرًّا طليقًا

لتحكي ضِفَافُكَ معنى النضالْ

 

المصدر : الجزيرة