صناعة الخوف بالثمانينيات.. العصر الذهبي لأفلام الرعب؟

"أعرف ماذا فعلت الصيف الماضي" أحد أشهر أفلام الرعب في القرن الماضي (مواقع التواصل)

ليس غريبا ما تشهده منصة "نتفليكس" (Netflix) من موجة حنين إلى الثمانينيات عبر عرض تشكيلة من الإنتاجات التي تدور أحداثها في الثمانينيات، وهناك سبب وجيه لذلك.

في مقاله الذي نشرته صحيفة "الغارديان" (The Guardian) البريطانية، يقول الكاتب أليكس غودفري إن أحداث العديد من الإنتاجات الجديدة تدور في فترة الثمانينيات على غرار مسلسل "الأشياء الغريبة" (Stranger Things) وفيلم "ذا دونجونز آند دراغونز" ( the Dungeons & Dragons) التي تجعل كل من يشاهدها يشعر بأنه يسافر عبر الزمن.

ويشير الكاتب إلى أفلام أخرى مشابهة سياقها الزمني في الثمانينيات أيضا، مثل فيلم "صيف 84" (Summer of 84) الصادر في عام 2018 من إخراج الثلاثي الكندي فرانسوا سيمارد وأنوك ويسيل ويوان كارل ويسيل، ويروي قصة 4 مراهقين من ولاية أوريغون يكتشفون أن جارهم قاتل متسلسل.

ويضاف إلى هذه القائمة فيلم المنتج الكندي كودي كالاهان الصادر عام 2020 "فيشوس فان" (Vicious Fun)، وهو فيلم رعب كوميدي تدور أحداثه عام 1983 حول ناقد أفلام شاب يجد نفسه ضمن مجموعة علاج من القتلة المتسلسلين.

في الوقت الراهن، تعرض شبكة نتفليكس فيلم "شارع الخوف" (Fear Street)، وهي ثلاثية من الأفلام تدور أحداثها في عصور مختلفة من إخراج لي جانياك. والإطار الزمني للجزء الأول من الفيلم هو عام 1994، وهو يروي قصة مراهقين يعيشون في ضواحي بلدة شايديسايد يقتلون بعضهم بعضا بشكل غامض، وهو مستوحى من أفلام التقطيع مثل فيلم "أعرف ماذا فعلت الصيف الماضي" (What You Did Last Summer) و"صرخة" (Scream).

تعرض شبكة نتفليكس فيلم الرعب "شارع الخوف" (Fear Street) (مواقع التواصل)

الصدمة والرعب

وحسب المؤرخ الدكتور جوني والكر، المحاضر رفيع المستوى في مجال الإعلام بجامعة نورثمبريا، "لطالما كانت أفلام الرعب تتسم بطابع واع وملتزم بالقضايا الاجتماعية". ويوضح والكر أن أفلام الرعب "ترتكز على مشاهد الصدمة والرعب. ونظرا لأنها قائمة بالأساس على العاطفة، فهي تشكل بيئة خصبة لاستكشاف المزيد من القضايا الخلافية والمثيرة للجدل".

ويتساءل الكاتب عن سبب هذا التوجه الذي تتخذه أفلام الرعب نحو فترة الثمانينيات والتسعينيات ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ لفترة من الوقت، كان من الأفضل أن تظل تلك الفترة طي النسيان. ويوضح والكر أن "صانعي الذوق الذين لم ترقهم فترة الثمانينيات، لم يعد لهم وجود على الساحة السينمائية اليوم. وبات أطفال الثمانينيات أصحاب القرار في الوقت الحالي".

ويضيف والكر أن "هناك أمرا آخر مثيرا للاهتمام، وهو انتشار الحكومات اليمينية الشعبوية على مستوى العالم في العصر الحالي، التي تعيدنا إلى العقلية المحافظة التي ميزت -على وجه التحديد- عهد كل من ثاتشر وريغان". وخير مثال على ذلك، فيلم الرعب "الرقيب" (Censor) للمخرج الويلزي برانو بيلي بوند الذي تدور أحداثه عام 1985 في بريطانيا، في ذروة الهستيريا حول شرائط الفيديو السيئة التي تم حظر العديد منها.

وينقل الكاتب عن والكر أن "بريطانيا في منتصف الثمانينيات -في عهد مارغريت ثاتشر- كانت مثيرة للخوف بالنسبة لكثير من الناس، ومع أن الذعر الأخلاقي كان مروعا لصناعة الرعب، إلا أنه خلق مجتمعا مزدهرا من عشاق هذا النوع من الأفلام. ويوظف فيلم الرقيب هذه الازدواجية بين الكآبة التي تتسم بها فترة الثمانينيات والإثارة التي أحاطت بشرائط الفيديو المقرصنة التي يشاركها المراهقون في فناء المدرسة".

يشير والكر إلى أن ذلك يبرز مدى فعالية أفلام الرعب في التحقيق في الماضي، سواء كان ذلك عبر فيلم الرقيب أو مسلسل الأشياء الغريبة القائم على مزيج من المؤامرات والسرية. ويوضح والكر أن "هذا النوع من الأفلام قائم على الاستعارات التي يمكن إعادة توظيفها في سياقات أخرى. فلا شك أنه يوجد حكومات تقوم بأشياء مشبوهة في عصور مختلفة. وانطلاقا من هذه الفكرة، يمكن لأفلام الرعب أن تجد بيئة خصبة تمكنها من الازدهار والاستمرار".

يعتقد والكر أن "ثاتشر كانت محظوظة حقا لظهور أفلام الرعب السيئة، لأن ذلك يندرج ضمن تكتيكات الإلهاء وتشتيت الانتباه التي يستخدمها السياسيون، حيث يخبرون الناس بأن يخشوا أشرطة الفيديو أكثر من البطالة".

ويرى الكاتب أنه يمكن قول الشيء نفسه عما كانت تمر به الولايات المتحدة في فترة التسعينيات. ويصور ذلك فيلم المخرج كيفن فيليبس لعام 2017 "سوبر دارك تايمز" ( Super Dark Times) الذي تدور أحداثه في شمال ولاية نيويورك عام 1996، ويروي قصة طفل قتل صديقه عن طريق الخطأ بسيف ساموراي. وحسب السياق الزمني لهذا الفيلم، فإن الأحداث تسبق مذبحة ثانوية كولومباين بنحو 4 أعوام، وتجعلنا نكتشف ما مر به ذلك الجيل من المراهقين من مشاكل واضطرابات نفسية.

ويشير الكاتب إلى أن فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي توفر مادة دسمة لأفلام الرعب المعاصرة، وهي تولد فينا الحنين إلى الماضي، وتوفر السياق المناسب للتطرق إلى القضايا الراهنة.

المصدر : غارديان