من "بورسعيد"إلى "ناصر 56".. ملحمة تأميم السويس في السينما المصرية

كان أحمد زكي أول فنان مصري يقدم شخصية رئيس مصري باسمه.

فيلم "ناصر 56" كشف عن كواليس قرار التأميم وحسابات المكسب والخسارة وردود الفعل بين أعضاء قيادة الثورة أنفسهم (مواقع التواصل الاجتماعي)

القاهرة- "سنقاتل ولن نسلم.. سنقاتل ولن نعيش عيشة ذليلة.. هنحارب (سنحارب) من بيت إلى بيت.. ومن قرية إلى قرية.. ثباتنا هو اللي هيقرر (الذي سيقرر) مصيرنا.. هو اللي هيقرر مستقبل وطنا.. سنقاتل حتى آخر نقطة دم..".

يقف الفنان أحمد زكي مجسدا شخصية الزعيم المصري جمال عبد الناصر على منبر الأزهر الشريف، مخاطبا جموعا من المصلين، في المشهد الختامي من فيلم "ناصر 56″، وينتهي الفيلم بانتصار المصريين في حرب السويس أو العدوان الثلاثي على مصر.

فيلم تلفزيوني مصري يعرض في قاعات السينما في سابقة من نوعها في صيف 1996، بعد 40 عاما من تأميم شركة قناة السويس، يحقق إيرادات ضخمة في دور العرض، ويستقبله الجمهور والنقاد معا بردود فعل إيجابية ومرحبة جدا تعيد تقديم بطله أحمد زكي في صورة جديدة، ليصبح هو نفسه الرئيس جمال عبد الناصر في أذهان الجمهور الذي لم يعاصر الزعيم العربي. الفيلم المعروض باللونين الأبيض والأسود ليتيح لصنّاعه مزج مشاهده بالمشاهد الأرشيفية الحقيقية بدا كأنه ملحمة وثائقية تجسد وقائع ما حدث قبل 40 عاما في مصر.

عوامل النجاح

كان هذا هو الظهور الأول المباشر لشخصية عبد الناصر في فيلم سينمائي، وكان النص المكتوب قد أُعدّ أصلا ليكون فيلما تلفزيونيا لكن إنتاجه الضخم وأهمية الموضوع دفعت به إلى العرض السينمائي، مع دعاية تلفزيونية مكثفة. كتبه محفوظ عبد الرحمن مستعينا بأبرز ما كُتب عن هذه الحقبة، بل إنه نقل مشاهد كاملة من كتاب "ملفات السويس" للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، قدمها المخرج محمد فاضل باحترافية شديدة، بمشاركة مجموعة من أهم نجوم التلفزيون مثل فردوس عبد الحميد في دور زوجة عبد الناصر، أحمد ماهر في دور المهندس محمود يونس (قائد فريق التأميم)، طارق الدسوقي في دور المشير عبد الحكيم عامر، كما تم تقديم أعضاء مجلس قيادة الثورة بشكل غير مسبوق في السينما المصرية.

يحكي المخرج محمد فاضل في مقابلة صحفية أن الإعداد للفيلم استغرق أكثر من سنة، إذ خاض حروبا كثيرة حتى يخرج العمل إلى النور، بميزانية بلغت 3 ملايين جنيه وقتئذ، وكان حريصا على تقديمه بالأبيض والأسود لأنه لا توجد لعبد الناصر صور ملونة وليس مرتبطا بذاكرة الجمهور بهيئة معينة، كما أن أحمد زكي لم يعتمد على المكياج لإيصال صورة الزعيم بل سخر كل أدواته وموهبته ليقترب من الشخصية.

كان أحمد زكي أول فنان مصري يقدم شخصية رئيس مصري باسمه، حتى إن زكي قال في حديث صحفي إن الفيلم فتح للمرة الأولى الحديث عن الزعماء والرؤساء بالأسماء الحقيقية ونجح في إظهار الحقائق للأجيال بعيدا عن المهاترات السياسية، وأهّله بعدئذ لتقديم فيلم "أيام السادات".

 ردود الفعل

في كتابه "الفيلم السياسي في مصر" يحكي الناقد محمود قاسم أن فيلم "ناصر 56" أشعل شجنا وطنيا، ووعيا سياسيا على المستويات كافة وللأجيال كافة، وأعاد الصغار إلى زمن مجيد، وأن شخصية الزعيم قد هيمنت على روح الفيلم.

ونقل قاسم ردود الفعل المحلية والعالمية على الفيلم، إذ كتبت مجلة الإكسبريس الفرنسية أن الفيلم أيقظ الحس الوطني، والوعي السياسي لدى أجيال متعاقبة، وأضاف الكاتب "الفيلم طويل وتقليدي وممل تقريبا، ورغم ذلك يحقق نجاحا مدهشا، أكثر من مليون مصري شاهدوا هذا الدرس في التاريخ، أخرجه محمد فاضل وأنقذه من المباشرة أحمد زكي الذي أدى دور عبد الناصر فكان أكثر تلقائية، ومن يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول 1956 يحكي الفيلم التأميم وطرد البعثة الفرنسية البريطانية.. وإذا كان كثير من المصريين يرون أن السياسة الخارجية للقاهرة موالية لواشنطن فإن الفيلم يذكرهم أنه منذ 40 عاما كان هناك من يجرؤ أن يقول لا للإمبريالية..".

 بورسعيد

وإن كان "ناصر 56" قد كشف عن كواليس قرار التأميم وحسابات المكسب والخسارة وردود الفعل بين أعضاء قيادة الثورة أنفسهم، فإن فيلم "بورسعيد" من إنتاج فريد شوقي عُرض بعد أشهر قليلة من تأميم القناة والعدوان الثلاثي على مصر، أخرجه عز الدين ذو الفقار، وأدّى بطولته فريد شوقي وهدى سلطان وشكري سرحان وليلى فوزي.

وعن فيلم "بورسعيد" يكتب محمود قاسم أنه لم يحدث في تاريخ السينما العربية أو العالمية أن عرض فيلم روائي عن إحدى الحروب القصيرة التي شهدها العالم الحديث بعد نهاية هذه الحرب بـ7 أشهر، بخاصة أننا أمام فيلم ضخم الإنتاج يضم باقة كبيرة من النجوم، فقد عرض الفيلم في يوليو/تموز 1957، في حين بدأ العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر/تشرين الأول من العام السابق وانتهى تماما في 23 ديسمبر/كانون الأول 1956.

ويضيف قاسم أن الفيلم حربي وسياسي رأينا فيه المعارك وأيضا العمليات الفدائية، وفي إطار الفيلم سنرى قصص حب، وحكايات أسرية، وعالما يعكس المدينة بكل تياراتها، اشتركت في الحرب وتجمعت من أجل صدّ العدوان على قناة السويس.

تحية من منتجه فريد شوقي

وتصدّرت حملة الفيلم الدعائية المطبوعة في المجلات تحية من منتجه فريد شوقي لعبد الناصر، جاء فيها:

"إن اللحظات التاريخية التي اجتازها شعب مصر خلال العدوان الثلاثي الغاشم أثبتت للعالم أننا شعب مجيد قاوم بربرية المستعمرين، وسطّر فى التاريخ بنصره أروع مواقف البطولة وهو يكافح من أجل القيم الإنسانية والحضارة والمستقبل.. ومن أجل أن يسود السلام والحرية والطمأنينة وأكثر.. كان هناك دور ينتظر الفن.. دور أكبر مما قام به من خلال المعركة وهو يسجل وحشية المستعمرين وبربريتهم وخستهم وفظائعهم.. وقررت أن أنتزع للفن القيام بهذه الكلمة الجليلة، فأنتجت فيلم بورسعيد الذي أقدمه اليوم مسجلا فيه ما ارتكبته قوى البغي والعدوان من همجية وبربرية ووحشية".

ركز الفيلم على تصدي أهالي بورسعيد لعدوان إنجلترا وفرنسا على مدينتهم، وقاد بطله فريد شوقي مجموعة من رجال المقاومة للتصدي ببسالة للعدوان وشبكة الجاسوسية التي تعمل لحساب الإنجليز.

شفيقة ومتولي

وتطرقت السينما المصرية إلى قناة السويس في أفلام أخرى أهمها "شفيقة ومتولي" (1978) الذي ألّفه صلاح جاهين وأخرجه على بدرخان، وأدّى بطولته أحمد زكي وسعاد حسني، ومن المثير أن زكي الذي كان مجبرا على حفر قناة السويس في هذا الفيلم هو الزعيم الذي أمّم القناة في "ناصر 56".

وأظهر الفيلم معاناة المصريين البسطاء في حفر القناة، وسقوط كثير منهم من شدة الحرارة والتعب والعطش والعمل الشاق.

وكانت هناك أفلام أخرى قدمت حرب السويس مثل "حب من نار" (1958) و"عمالقة البحار" (1960)، وكان الاهتمام البارز سينمائيا بهذه الحرب لكونها الأولى بين نظام ثورة يوليو/تموز وإسرائيل، وخلافا عن حرب فلسطين التي انتهت بهزيمة العرب، فقد انتهت حرب السويس بالانتصار السياسي إعلاميا وسينمائيا، فكان لا بد من تمجيد أبطالها، وبدت هذه الأفلام تناصر الثورة وصناعها وتؤيد سياستها، كما يقول قاسم.

المصدر : مواقع إلكترونية