بربري مصر الوحيد.. 134 عامًا على ميلاد الكسار أشهر "عثمان" بالسينما المصرية
رغم عدم استمراره أيضًا في مهنة الطبخ، فقد كانت تميمة الحظ التي فتحت باب النجومية أمامه، حيث اختلط الطفل الصغير بالطباخين النوبيين، فتعلم لُكنتهم النوبية
كان رمزا لكوميديا الفقراء والمهمشين، وأول من ابتدع شخصية الخادم "عثمان" العفوي البريء، مساهمًا على مدار الـ50 عامًا الأولى من القرن الـ20 في إنعاش الحركة المسرحية والسينمائية، فكان "صاحب الرفعة الوجيه"، و"بربري مصر الوحيد"، من رواد السينما والمسرح.
هو علي محمد خليل سالم، المعروف بـ"علي الكسار"، ولد في 13 يوليو/تموز 1887، في حي البغالة بمنطقة السيدة زينب (وسط القاهرة)، واختار كنية عائلة والدته "الكسار" تكريمًا لوالدته، وتوفي في 15 يناير/كانون الثاني 1957 عن 70 عامًا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمشاهد كادت أن تودي بحياته.. أحمد زكي بطل غامر بحياته من أجل الواقعية
مخرجو الثمانينيات.. بين الواقعية والفلسفة والتجريب
عمار الشريعي.. الموسيقار الكفيف الذي رفضه صناع السينما فأبدع أروع ألحان الأفلام
بدأ الكسَّار حياته الفنية بدور صغير، يعتمد فيه على تقليد زملائه الطباخين النوبيين، فأتقن شخصية أهل النوبة (مدينة أقصى جنوب مصر)، عن طريق الخيال والمحاكاة، لينتقل بها إلى التمثيل المرتجل أمام الجمهور على المسارح الشعبية، فجلب له هذا الدور الشهرة الواسعة ووضعه على قائمة رواد المسرح، ثم جمع بين المسرح والسينما بشخصية "عثمان عبد الباسط" النوبي الأسمر.
عاصر العديد من أعلام المسرح والسينما المصرية والعربية، من بينهم نجيب الريحاني الذي ابتكر هو الآخر شخصية "كشكش بك" العمدة الريفي الساذج في أعماله، فدخلا معًا في مبارزات فنية، نظرًا لتجاور مسرحيهما آنذاك بشارع عماد الدين (وسط القاهرة).
وشخصية "كشكش بك" استدعاها الريحاني من التاريخ المصري، وهي شخصية ذكرها المؤرخ المصري الأشهر في العصر العثماني عبد الرحمن الجبرتي (1754- 1825م) في تاريخه، واسمها الحقيقي الأمير حسين كشك القازدغلي، وكان أسمر اللون جهوري الصوت عظيم اللحية يخالطها الشيب، ويميل طبعه إلى الخلاعة.
الأراجوز والسروجي والطباخ
أحبَّ الكسار في صغره تقديم خيال الظل (الأراجوز) من الورق، لكنَّ والده كان يعاقبه بسبب تعلقه بذلك، ليمتهن في بداية حياته حرفة والده السروجي (صانع مستلزمات الخيول)، لكنه لم يستمر بها طويلاً، ليبحث في ربيعه التاسع عن حظه في عالم الطبخ مع خاله.
رغم عدم استمراره أيضًا في مهنة الطبخ، فقد كانت تميمة الحظ التي فتحت باب النجومية أمامه، حيث اختلط الطفل الصغير بالطباخين النوبيين، فتعلم لُكنتهم النوبية (يتحدث بها سكان وادي النيل جنوب مصر وشمال السودان) وأتقنها وقدمها في شخصياته على المسرح والسينما.
فلم يكن الكسار نوبيا بل اختلط بهم بالقاهرة وتعلم لغتهم ببراعة، كما تعلم عن خاله مهنة الطبخ بإتقان.
لجأ إلى الموالد الشعبية في حي السيدة زينب، فقدم على مسارحها كوميديا الفقراء والمهمشين، ليؤسس عام 1908 فرقته الأولى "دار التمثيل الزينبي (نسبة إلى حي السيدة زينب)".
البربري عثمان
في تسجيل نادر يعود تاريخه لمنتصف القرن الماضي، قال الكسار إن كل آماله في امتهان الفن، بأن يكون ممثلاً جيدًا قريبًا من الجمهور وهو ما وصل إليه، لكنه يرى أنه فشل في تحقيق ثروة مادية من وراء أعماله.
أما عن دوافعه في تجسيد شخصية الخادم "عثمان" أو "بربري مصر الوحيد"، فأشار إلى أنها تعود إلى رواية "حسن أبو علي سرق المعزة"، التي نفذها في أحد كازينوهات (مسرح) شارع عماد الدين، فأعجبت الجمهور ما دفعه للاستمرار في تقديمها حتى النهاية.
وهذه الشخصية، كان يجسد من خلالها الكسار يوميا، واحدًا من الطبقات الشعبية، على خشبة المسرح بعد أن يقوم بصبغ وجهه باللون الأسود، وقدمها في أعمال مسرحية منها "زقزوق وظريفة"، و"راحت السكرة وجات الفكرة"، و"البربري في باريس" و"البربري في مونت كارلو" و"الفيلسوف البربري"، و"حسن أبو علي سرق المعزة" وغيرها.
لم يبد الكسار اهتمامًا بالعمل السينمائي الذي كان يخط طريقه في عشرينيات القرن الماضي، أما بدايات ظهوره على الشاشة فكانت من خلال فرقته المسرحية في فيلم قصير باسم "الخالة الأميركانية" عام 1920.
ملاكمة مسرحية
وفي عماد الدين استثمر الكسار شخصية "عثمان عبد الباسط"، في منافسة نجيب الريحاني الذي كان يقدم هو الآخر شخصية "كشكش بيه"، لتظل الشخصيتان خالدتين في ذاكرة المسرح المصري، منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.
وفي أواخر العقد الأول من القرن العشرين، حدثت مواجهات فنية بين الريحاني والكسار، ومع اهتزاز الأول وغيابه القصير عن مسارح القاهرة تألق الكسار، وحضر عروض فرقته أمير الشعراء أحمد شوقي، كما انتعشت بعض الفرق المسرحية الأخرى ومنها فرقتا "شرفنطح" و"الجزايرلي".
وآنذاك، قدمت فرقة الكسار التي ضمت الملحنين الشهيرين سيد درويش وزكريا أحمد (ساهم في تشكيل الشخصية الغنائية لكوكب الشرق المطربة أم كلثوم) عروضًا في بلاد الشام، حسبما نقلت تقارير صحفية عن ماجد نجل الكسار.
وكمبارزات الشعر القديمة، كان التنافس بين فرقتي الكسار والريحاني، من خلال توجيه انتقادات لاذعة لبعضهما من خلال أسماء المسرحيات، فنجد مثلاً أن الريحاني حين عرض مسرحيته "حمار وحلاوة" قدمت فرقة الكسار مسرحية "عقبال عندكم"، ليرد الريحاني بمسرحية "قولوا له" فيرد الكسار بمسرحية "قلنا له".
وتستمر المناكفات الفنية، حيث قدم الكسار مسرحيا رواية "ولسه" رد الريحاني برواية "فرجت"، فيرد الكسار برواية "راحت عليك"، ليقدم الريحاني مسرحية "الدنيا جرى فيها إيه" فيقدم الكسار "الدنيا بخير".
كان الكسار والريحاني إلى جانب جورج أبيض ويوسف وهبة من رواد المسرح في بدايات القرن العشرين، إذ لم تعرف مصر نشأة فن كوميديا المسرح في شكله المتعارف عليه، إلا من خلال الحملة الفرنسية في القرن الـ18، وكان فرنسيا خالصا من أجل الترفيه عن أفراد الحملة، وبعض وجهاء وأغنياء مصر.
ورغم أن الكسار كان أميا لا يعرف القراءة أو الكتابة، فإنه ألف الكثير من مسرحياته، حيث كان يرسم لمؤلفيه ملامح الموضوعات ويطلب منهم صياغتها في النص المسرحي، وفي كثير من الأحيان كان يُكتب على غلاف المسرحية المخطوطة أنها من تأليف فلان وتنقيح علي الكسار.
توهج سينمائي
ظل الكسار أسيرًا لشخصية "عثمان عبد الباسط" في غالبية أعماله المسرحية، حتى جاءت لحظة بداية التوهج السينمائي عام 1935، حين أضيف الصوت للفيلم السينمائي، الذي كان عاملاً كبيرًا في دخول "البربري" صناعة السينما.
وشارك منذ عام عام 1935 وعلى مدار 19 عاما في حوالي 37 فيلما سينمائيا، بدأها بفيلم "بواب العمارة"، لتتوالى أفلامه لاحقًا مقدمًا أعمالاً بينها "سلفني 3 جنيه"، و"علي بابا والأربعين حرامي"، و"نور الدين والبحارة الثلاثة".
كما كتب 3 أفلام وهي "بواب العمارة"، و"الساعة 7″، و"خفير الدرك".
وكان الكسار من مكتشفي نجوم السينما والمسرح في عصره الذهبي، وعلى رأسهم الفنان إسماعيل ياسين الذي توهج هو الآخر وكان سببًا بجانب آخرين بينهم عبد السلام النابلسي في سحب بساط الشهرة من تحت أقدام الكسار.
وفي أواخر أيامه، شارك الكسار في أدوار ثانوية في أفلام منها "أمير الانتقام"، و"ورد شاه"، ليرحل عن عالمنا في 15 يناير/كانون الثاني 1957، بعد أن أقعده سرطان البروستاتا.