تحف الدم.. متحف اللوفر يعرض قطعا أثرية منهوبة من ليبيا وسوريا لأول مرة في فرنسا

قطع أثرية منهوبة من ليبيا وسوريا لأول مرة في متحف اللوفر في باريس (الجزيرة)

باريس- في وقت الأزمات، وخاصة في مناطق النزاع، يصبح التراث هدفا للنهب والسرقة من قبل أشخاص عاديين يبحثون عن توفير لقمة العيش ببضع دولارات، في حين يراها هواة الجمع والشبكات الإجرامية فرصة للربح السهل من خلال تحويل مواقع أثرية إلى متاجر مفتوحة في الهواء الطلق.

بالتعاون مع الجمارك الفرنسية، يعرض متحف اللوفر في باريس 6 قطع أثرية كانت محجوزة في الجمارك ولا تزال مختومة حتى 13 ديسمبر/كانون الأول 2021، بهدف تعزيز الوعي العام بقضية الاتجار الدولي بالممتلكات الثقافية الناتجة عن الحفريات والسرقات.

وقد شارك في تنظيم هذا المعرض جهات أخرى تعمل بشكل يومي على حماية التراث الثقافي العالمي، مثل خدمة المتاحف في فرنسا والبعثة الأثرية الفرنسية في ليبيا والمكتب المركزي لمكافحة الاتجار غير المشروع.

وتتمثل فكرة المعرض الأساسية في "الإعلام والتنبيه" لجعل هذه القطع معروفة للجمهور وغير قابلة للبيع، مثل الموناليزا، لتثبيط البائعين المتواطئين وتشجيع المشترين على توخي أقصى درجات اليقظة والحذر بشأن منشأ التحف لتتبع أصولها ومالكيها الحقيقيين.

ساعد الإنترنت في تسهيل شراء أجهزة الكشف عن المعادن والتنقيب عن العملات المعدنية القديمة والمجوهرات (الجزيرة)

تحف منهوبة

وسيتمكن الزوار من التعرف على منقوشتين منحوتتين بزخارف على شكل كروم متشابكة وصلبان مسيحية يبلغ وزنهما 108 كيلوغرامات. قدِمتا من مطار بيروت في اتجاه تايلاند، وأعلن أنهما "أحجار لتزيين الحدائق"، قبل أن يضبطهما موظفو الجمارك في مطار رواسي الباريسي عام 2016.

ويشير لودوفيك لوجير أمين متحف اللوفر -للجزيرة نت- أن سياق وتاريخ وأصل هاتين اللوحتين ما يزال مجهولا، لكن من المحتمل أن تكونا قادمتين من لبنان أو سوريا أو غرب العراق، لأنها مناطق عانت كثيرا في السنوات الأخيرة.

بالإضافة إلى ذلك، يعرض المتحف 4 تماثيل نصف جنائزية من شحات أو قورينا، وهي مدينة أسسها الإغريق في الجبل الأخضر في شرق ليبيا. تم ضبطها في عامي 2013 و2016 في أعقاب الربيع العربي، وما تزال القضية قيد التحقيق من قبل ضباط دائرة التحقيقات القضائية المالية (SEJF).

وفي حوار للجزيرة نت مع فنسنت ميشيل أستاذ آثار العصور القديمة الشرقية الكلاسيكية ومدير مختبر "هيرما" المتخصص في دراسة العالم القديم، قال إن قيمة المنقوشتين تبلغ حوالي 250 ألف يورو، أما التمثال المكتمل فتقدر قيمته بما يقرب من 2.5 مليون يورو.

ويشير ميشيل -الذي يتولى رئاسة البعثة الأثرية في ليبيا ويعمل في التنقيب منذ أكثر من 25 عاما- أنه كان من السهل التعرف على أصول تماثيل بيرسيفوني بفضل رخامها المائل إلى الحمرة، والذي يرمز إلى شكل "تيرا روسا" أو "الأرض الحمراء" المعروفة في المنطقة، وهو ما ترجِم من خلال اختيار اللون الأحمر في خلفية قاعة العرض.

عالم الآثار فنسنت ميشيل في اللوفر (الجزيرة)

الموقف القانوني للعرض

وقدم قضاة مكلفون بالتحقيق لكشف هوية الشبكات المتورطة في سرقة هذه الآثار، تصريحا بعرضها في متحف اللوفر بموجب قانون التراث لعام 2016.

وتنص المادة 111ـ10 المتعلقة بحرية الإبداع والعمارة والتراث، على أن "السلع الثقافية التي تصادرها الجمارك بسبب خروجها غير المشروع من دولة غير عضو في الاتحاد الأوروبي، يمكن إيداعها في متحف وطني لحفظها وتقديمها للجمهور، لوقت البحث عن مالكها الشرعي من قبل السلطات المختصة".

وعادة، لا تعرض السلع الثقافية المصادرة للجمهور أثناء الإجراءات القانونية، ولكن يتم تسليمها من قبل الجمارك إلى مصلحة المتاحف الوطنية، والتي تضمن حفظها في محمياتها حتى نهاية التحقيق.

وبفضل التعاون والثقة المتبادلة بين الخدمات الوزارية المتخصصة وعلماء الآثار وقيّمي التراث والمحققين والقضاة، كان من الممكن متابعة التحقيق وعرض هذه القطع الأثرية لأول مرة في فرنسا إلى حين إعادتها ذات يوم للدولة المنهوبة.

تراث ثقافي في خطر

ويذكر لودوفيك لوجير أن المؤسسات الحكومية تعي خطورة الاتجار بالممتلكات الثقافية، خاصة في البلدان التي تشهد حروبا، حيث تكون المواقع والمتاحف غير محمية وعرضة للنهب.

ويضيف "تطلب الجمارك المساعدة من الأكاديميين وأمناء المتاحف للحصول على معلومات أكيدة إذا شكوا في المصدر، ونتواصل معهم أيضا لتحذيرهم من إمكانية أن تكون إحدى القطع ضحية هذه التجارة غير القانونية. وتعمل عناصر الجمارك على تحديد مواقع القطع الأثرية التي تمر عبر الأراضي الفرنسية لاعتراضها وتقييمها ومحاولة تفكيك الشبكات الإجرامية التي تنظم هذا الاتجار".

وقد حصلت الجزيرة نت على وثائق حصرية من الجمارك، توضح عدد القطع التي تم اعتراضها العام الماضي وتبلغ حوالي 29 ألف قطعة، مقابل 1396 عام 2019.

وتهدف لائحة الاتحاد الأوروبي 2019/880، الصادرة عن البرلمان الأوروبي بتاريخ 7 يونيو/حزيران 2019، إلى اعتماد قواعد مشتركة بشأن مراقبة واردات السلع الثقافية، وتشمل في معظمها آثارا يونانية رومانية قديمة، ولوحات ورسومات وعملات نقدية.

وكجزء من مهامها الرقابية، تتمتع الجمارك بإمكانية الوصول إلى قواعد بيانات السلع الثقافية في عمليات التصدير والاستيراد، ويمكنها التدخل وفقا لأحكام قانون الجمارك الذي يمنح موظفيه سلطة مراقبة انتظام حيازة وتداول هذا النوع من الممتلكات.

كما يساهم الإنتربول والمكتب المركزي لمكافحة الاتجار بالقطع الفنية (OCBC) ومكتب البحث الإلكتروني والتصوير الفني "تريما"، في تقديم البيانات والمراقبة والتتبع.

بحسب آخر تقديرات اليونسكو، فإن الاتجار بالسلع الثقافية والأثرية من شأنه أن يدرّ أكثر من 10 مليارات دولار سنويا (الجزيرة)

تجارة بالمليارات.. من المستفيد؟

وبحسب آخر تقديرات اليونسكو، فإن الاتجار بالسلع الثقافية والأثرية من شأنه أن يدرّ أكثر من 10 مليارات دولار سنويا في العالم.

وتعتبر الدول التي تعاني من عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي أو في قبضة الجماعات المسلحة -في أفريقيا والشرق الأوسط على وجه الخصوص- هدفا للنهب المنظم.

وتظهر الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسويسرا بشكل متكرر في خارطة دول العبور أو الوجهة، بالإضافة إلى دول آسيوية كالصين وبعض دول الخليج.

ويوضح عالم الآثار فنسنت أن "التراث يصبح هدفا عندما يدرك الناس قيمته المالية، إذ لا يختلف الاتجار في الأعمال الفنية عن الاتجار بالبشر والأسلحة والمخدرات، كما أنه يعتبر مصدرا لغسيل الأموال وتمويل الجماعات الإرهابية".

في مدينة ميتز عثر على 13 ألف قطعة أثرية وأساور وقلائد ترجع إلى العصر البرونزي والحديدي (الجزيرة)

وتقول إدارة الجمارك للجزيرة نت إنه تم تغريم جامع عملات نقدية أكثر من 200 ألف يورو، بعد العثور في منزله على حوالي 1300 قطعة أثرية من عصور ما قبل التاريخ في مدينة كاربينتراس الفرنسية، كما ألقت القبض على تاجر تحف أميركي يحمل 66 من المجوهرات الأثرية.

وفي مدينة ميتز، تم العثور على 13 ألف قطعة أثرية وأساور وقلائد ترجع إلى العصر البرونزي والحديدي وعملات نقدية رومانية.

وفي عام 2020، تم تسليم كنز أثري إلى السلطات في المغرب يتكون من 25 ألف قطعة من الفن الأفريقي والأحجار المصقولة والمجوهرات الحجرية والعظمية والمنقوشات الحيوانية، بعد أن صادرتها الجمارك في مدينتي مرسيليا وبيربينيان في عامي 2005 و2006.

وتعتبر العملات النقدية جذابة لهواة الجمع، دون أي اعتبار لقيمتها العلمية أو التاريخية، إذ ساعد الإنترنت في تسهيل شراء أجهزة الكشف عن المعادن والتنقيب عن العملات المعدنية القديمة والمجوهرات، بحسب فنسنت ميشيل.

وفي الختام، يقول عالم الآثار وأمين اللوفر إن 3 قطع على الأقل أعيدت بالفعل إلى ليبيا، ويأمل أن تسافر القطع المعروضة في المتحف إلى بلدها الأصلي قريبا، "إنها العدالة التي يجب أن تتحقق".

المصدر : الجزيرة