القضاء المغربي يحسم الجدل لصالح عرض المسلسل الكوميدي "قهوة نص نص"

عرض المسلسل المغربي "قهوة نص نص" مستمر بحكم قضائي (الجزيرة)

"نريد أن نعمل في فضاء صحي جيد يقبل النقد والملاحظة لكن لا يقبل الرقابة والوصاية" هكذا علق المخرج السينمائي هشام الجباري مخرج السلسلة الكوميدية الرمضانية "قهوة نص نص" التي تعرض على القناة الأولى المغربية بعد الإفطار، في تصريح للجزيرة نت، بعد أن حسم القضاء الجدل. وكانت المحكمة الابتدائية قد أصدرت حكما الأربعاء 5 مايو/أيار برفض الدعوى شكلا.

وكان المحامي عمر الداودي قد طالب بإيقاف بث سلسلة "قهوة نص نص" وغرامة مالية مئة ألف درهم (11.26 دولارا أميركيا) عن كل يوم تأخير، في دعوة عاجلة تقدم بها للمحكمة الابتدائية، بسبب ما سماه "خطورة استمرار عرض هذه السلسلة على الذوق العام، وصورة المحامي أمام الجمهور".

دعونا نعمل

وقال الجباري، في حديث مع الجزيرة نت، إن رفض الدعوة المقدمة ضد عمل درامي مفرح جدا وكان منتظرا.

وأضاف أن البعض يعتقد أنه من الممكن فرض وصاية على عمل تخيلي إبداعي درامي يقدم صورة للمجتمع من منظوره.

وأفاد الجباري أن المهن كلها متساوية في مجال الإبداع، وفرض الوصاية والرقابة غير مقبول. وأردف "مقبول أن تنتقد ولكن لا تمنع".

واستقبل النقاد والجمهور والإعلام خبر رفض الدعوى بالترحاب، واعتبروه انتصارا لحرية الإبداع، رغم التذمر والانتقاد الذي يوجه للأعمال (الفنية).

ومن جانبه قال الفنان والناقد محمد الشوبي للجزيرة نت "إن أغلب العقلاء المرتبطين بالدستور وبالقوانين يرون أن هذه القضية ضد حرية التعبير والرأي". وأكد أن المنتج الفني ممكن أن يعاتب على الطريقة التي قُدم بها "لكن لا نصل به إلى ردهات القضاء" معتبرا أن القضاء له قدسيته وحرمته وقضاياه الكبرى.

واعتبر أن تحكيم الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (المسماة اختصارا الهاكا) كان كافيا، وتساءل الشوبي "هل نحاكم كبار الكتاب الذين تكلموا على فئات عديدة في كتاباتهم؟".

وأكد الشوبي أن من حق الدراما والصحافة والإعلام انتقاد سلوك مهنيين، وهذا لا يعني انتقاص من أي مهنة.

من جهتها أكدت نقابة مهنيي الفنون الدرامية أن انتقاد مضامين وأشكال الأعمال الفنية مكفول للجمهور والنقاد، بل وحتى الرفض من الناحية الفنية، لكن دون أية محاولة للتضييق على حرية الإبداع أو المس بها كحق إنساني.

وعاد الجباري ليقول "لكل مجال طريقة عمله، وكل يعرف مجاله، وكما كل المهن محترمة، فمهنة صناعة الدراما أيضا يجب أن تحترم، ولا يمكن أن يأخذ المبدع رخصا من المهن والمؤسسات قبل أن يعمل".

وكان فنانون وإعلاميون قد أطلقوا في وقت سابق نداء (# خلونا نشتغلو).

دعوى وتحكيم

وكانت الجمعية الوطنية للمحامين قد راسلت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، مطالبة إيّاها بالتدخل العاجل لوقف بث السلسلة، لما اعتبرته "إساءة لمهنة المحاماة من خلال تقديم صور نمطية بعيدة كل البعد عن الأخلاق المهنية والاحترام الواجب لأصحاب البذلة السوداء" حسب الشكوى.

من جانبها، أفادت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري أن حرية الإبداع الفني كما هي مضمونة دستوريا، لا سيما الأعمال التخيلية، فهي جزء لا يتجزأ من حرية الاتصال السمعي البصري، بحسب القواعد التي أرساها القانون.

واعتبرت الهاكا أن "التمثيل النقدي لمهنة معينة في عمل فني سمعي بصري لا يشكل قذفا، كما هو معرف قانونا، ولا يقصد به إساءة، بل هو مرتبط بحق صاحب العمل في اعتماد اختيارات فنية معينة".

وقالت أيضا "لا يمكن للعمل التخيلي أن يحقق وجوده ويكتسب قيمته دون حرية في كتابة السيناريو، وفي تشخيص الوضعيات والمواقف، وفي تحديد الأدوار وتمثل الشخصيات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعمل هزلي أو فكاهي".

ليسوا وحدهم

لم يكن المحامون وحدهم من تقدموا بالشكوى، فقد تقدمت نقابة الجامعة الوطنية لمستقبل السككيين (المنتمين للسكك الحديدية) برسالة احتجاجية إلى الهيئة، ضد مسلسل "كلنا مغاربة" باعتباره تضمن ما سموه "استفزاز وتحقير بحق رجال ونساء السكك الحديدية".

وتقدمت النقابة الوطنية للعدول (المأذون) بشكوى، ضد إحدى حلقات مسلسل "صلاة وسلام" بسبب ما وصفته بأنها "أقوال مغلوطة ومشاهد تحط من كرامة العدول".

وكانت نقابة مهنيي الفنون الدرامية قد أوضحت في بلاغ "إن طبائع الشخصيات السلبية لا تعني بالضرورة أنها تعميمية أو عاكسة للجميع، بل ترتبط فقط بالشخصية الدرامية المتخيلة من قبل المبدع، والتي لها ما يشبهها في المجتمع على وجه التخصيص لا على وجه الإطلاق والتعميم".

ويضمن المُشرع للإذاعات والقنوات التلفزية العمومية والخاصة إعداد وبث برامجها بكل حرية، والهيئة العليا مؤتمنة على السهر على احترام هذه الحرية وحمايتها كمبدأ أساسي، مع الحرص على احترام كل المضامين المبثوثة سواء كانت تخيلية أو إخبارية أو غيرهما، للحقوق الإنسانية الأساسية.

المصدر : الجزيرة