"حديدان وبنت الحراز".. دراما تراثية تسكن وجدان المغاربة

لقطة من المسلسل المغربي "حديدان وبنت الحراز" (مواقع التواصل)

استطاعت الدراما التراثية المغربية في الآونة الأخيرة استقطاب عدد كبير من المشاهدين داخل المغرب، ولا سيما بعد لجوء هذه الدراما إلى التراث المغربي، بما يزخر به من قصص شعبية وحكايات لها تأثيرها على وجدان المجتمع المغربي قديما وحديثا.

ويجد المشاهد في هذه المسلسلات بعضا من الحنين المفقود في علاقته بماضيه التاريخي والحضاري المتمثل في التراث اللامادي وفنونه مثل المسرح الشعبي والأمثال والنكات والقصص وغيرها من المكوّنات الفنية الأخرى، التي تحضر داخل هذه الأعمال المغربية.

العودة إلى التراث

يبقى مسلسل "حديدان" في طليعة الأعمال الأكثر شهرة داخل وجدان المشاهد المغربي، فقد استطاع هذا المسلسل الدخول إلى قلوب المغاربة، بسبب الأداء المبهر للممثل المغربي كمال كاظمي الذي يُجسّد منذ سنوات دور "حديدان" بالكثير من البراعة على مستوى الأداء.

كمال كاظمي استطاع بملكاته الفنية أنْ يتوغل في هذه الشخصية التاريخية والدفع بها إلى البروز كشخصية مؤثرة في المُشاهد داخل الدراما المغربية عن طريق اللعب بالصوت وقوة الجسد في تماهيه مع الأحداث الدرامية.

مع العلم، أن لا جديد تقدمه شخصية "حديدان" على مستوى الخيال، فالشخصية لا تتغير بنوعية لباسها وأدائها وعدم قدرتها على التطور والتلون، ليس فقط من حلقة إلى أخرى، بل من موسم إلى آخر.

الكثير من النقاد والصحفيين المتتبعين للشأن الدرامي، يعترفون أنّ ثمّة مشكلات صغيرة في الكتابة، تتمثّل في تركيز المُؤلّف على الشخصية من الجانب الخارجي الساخر والكوميدي، بعد أن حصدت اعتراف المشاهد لسنوات، وذلك على حساب جماليات الحكاية وعدم الركون إلى خطيّتها الفجة والمباشرة في تراتب الأحداث والإفراط في عنصر التشويق الحكائي واستسهاله.

موسم خامس

حسب الأرقام التي تم الإعلان عنها في الأيام القليلة الماضية، تصدر مسلسل "بنات العساس" لمخرجه إدريس الروخ في طليعة الدراما المغربية، إلى درجة أنّ مسلسل "حديدان" لم يقترب على مستوى المشاهدات من "بنات العساس" والسبب لا يعود إلى الفترة التي يُعرض فيها مسلسل حديدان مع منتصف الليل، كما ذهب إلى ذلك بعض الكُتاب.

لكن السبب، يكمن بالأساس أن الناس، لم تعد تحتمل مسلسلا لمدة 5 سنوات متتالية، رغم ظهور شخصيات شعبية ووجوه جديدة داخل المسلسل، الذي سقط في هذه السنة في الكثير من التنميط البصري والتكرار القائم على مستوى كتابة السيناريو، أمام مجهود المُؤلّف إبراهيم علي بوبكدي، الذي حرص في أحيان كثيرة على السفر في تاريخ المجتمع المغربي والبحث عن كلمات وعبارات وجمل متداولة في المخيال الجمعي ومحاولة توليفها مع خطاب معاصر، حتى لا يجعل المشاهد يشعر بنوع من الملل على مستوى تلقي لهجة لا يفهمها.

المسلسل المغربي بنات العساس (مواقع التواصل)

وبعيدا عن موضوع الترند داخل الدراما المغربية، فإن شخصية "حديدان"، أضحت ذات مكانة مهمة ورمزية داخل المخيال الجمعي المغربي، لما نجحت فيه الشخصية التراثية في مباغتة الجمهور بمصائبها الساخرة ومكائدها الكوميدية، التي ينسجها حديدان للناس داخل قبيلته.

ارتأى المؤلف والمخرج العودة بالشخصية في موسمها الخامس، صوب مسقط رأسه من أجل تحرير "بنت الحراز" من لدن بعض المتمردين، تلبية لطلب الأمير. من هذا المنطلق يغوص حديدان في سلسلة من الأحداث الدرامية والمواقف الكوميدية مع كوكبة من سكان القبيلة، ممارسا حِيَله الماكرة، بغية تحقيق انتصار على كل من يعترض سيره.

رمزية حديدان

تنطوي سيرة حديدان وشخصيته على الكثير من التنميطات الجاهزة، التي تقدم الشخصية في كونها بارعة في الكذب والمكر والتحايل على الناس. وهي صفات بقدر ما هي كوميدية، تبقى ذميمة على مستوى تفاعل الجمهور المغربي، حتى أضحى اسم الشخصية وأفعالها "الشيطانية" يُطلق على كل كاذب ومنافق يستعمل الناس مطية للوصول إلى مصالحه الشخصية.

ويبقى الإعجاب والتفاعل من لدن المشاهد، مرتبكا على مستوى الفهم خاصة أن المسلسل ومختلف حلقاته منذ الموسم الأول، يحتكمان إلى لغة الخيال لكن التراث المغربي، يشكل التيجان القوي الذي يستند عليه فعل التخييل، ما يبرر بعضا من الشخصية وأفعالها داخل فترات مختلفة من التاريخ، لكن أضفى عليها الكثير من المبالغة الفنية المشروعة، التي تجعل العمل ينغمس في جماليات التخييل، عوض التدوير التاريخي والواقعي.

هل نجحت شخصية "حديدان" طيلة السنوات الماضية، بسبب جماليات المسلسل فنيا وجماليا أو بحكم أن المشاهد المغربي، يجد في هذه الدراما التراثية حنينا إلى ماضيه وتراثه الفني؟

لا شك أن الجواب عن مثل هذه الأسئلة، يبقى صعبا ويختلف من مشاهد إلى آخر، بحكم ما يتحكم فيها من أبعاد نفسية وسياسية واجتماعية وثقافية، غير أن الذي يمكن الاتفاق عليه، هو عدم قدرة المخرج محمد نصرات داخل موسمه الخامس على التأثير في المشاهد المغربي، رغم المجهودات المختلفة المبذولة على مستوى التصوير والإكسسوارات.

وسرعان ما يسقط في سلسلة من التكرارات على مستوى تأطير المَشاهد والإفراط في نوعية واحدة من التصوير وأحيانا تستعمل لأكثر من مرة وداخل مشهد واحد، ما يجعل المسلسل مرتبكا وهشا ولا يقدم نفسه على المستوى التقني كإبداع مستقل عن شخصية حديدان، التي أضحت بمثابة الرهان الوحيد لصناع المسلسل من أجل تحقيق نجاحه المنشود.

المصدر : الجزيرة