فيلم "هانا ك".. تحفة كوستا غافراس السينمائية التي أنصفت فلسطين

حتى اليوم، يعد فيلم "هانّا ك" أحد الأفلام المغضوب عليها، ويحيط أي محاولة لمراجعته كثير من التحفظات.

فيلم "هانا ك" تخلت شركة الإنتاج عن الدعاية له (غيتي)

عام 1983 عرض الفيلم الأميركي "هانا ك" (Hanna K) بعد تحفظات كثيرة، وسريعًا ما سُحب من دور العرض السينمائية بعد إثارته الكثير من الاعتراضات، ولم يحصل حتى على الدعاية الكافية.

فقد رفضت الشركة المنتجة الإعلان عنه، أو حتى إعطاء المواد الإعلانية المعدة له لمخرجه كوستا غافراس، الذي اضطر للدعاية له على حسابه الشخصي في نيويورك تايمز (The New York Times) مقابل 50 ألف دولار.

ويبقى السؤال المهم: لماذا أثار الفيلم كل هذا السخط والمخاوف؟ ولماذا يعد حتى اليوم أحد الأفلام المغضوب عليها، والذي يحيط أي محاولة لمراجعته كثير من التحفظات؟ والإجابة هي: "فلسطين"، أو موضوع الفيلم الذي أثاره غافراس بجرأة شديدة لم يستطع الإعلام الغربي تقبلها.

هانا والقضية الفلسطينية

تدور أحداث فيلم "هانا ك" حول محامية أميركية يهودية تعيش في فلسطين المحتلة، وفي أحد الأيام تدافع عن شاب فلسطيني متسلل إلى منطقة تحت السيطرة الإسرائيلية، وتنجح بالفعل في الدفاع عنه وحمايته من السجن وتحريره وإعادته إلى مخيمات اللاجئين، وتمضي حياتها إلى أن يطلبها الشاب مرة أخرى للدفاع عنه بعدما عاد إلى المنطقة نفسها التي قُبض عليه فيها من قبل.

تثير هذه الرغبة المحتدمة لدى الشاب الذي أثار تعرضه لإنهاء حياته فضول هانا، فتسمع قصته، وتذهب في رحلة إلى مدينته القديمة التي هدم الإسرائيليون أغلب منازلها وأقاموا عليها المستوطنات، وغيروا اسمها من "كفر رمانة" إلى "كفار ريمان"، وتجد بالفعل منزل عائلته القديم الذي تحول إلى مزار سياحي.

ومن هنا تبدأ رحلة هانا والشاب سليم، حيث تقيم دعوى قضائية بهدف إعادته إلى منزل عائلته الذي يمتلك صكوك ملكيته، وهنا تتصادم مع السلطة القضائية الإسرائيلية، لأن انتصارها في هذه القضية يعني ببساطة هزيمة المنطق الصهيوني الذي تقوم عليه دولتهم، والذي انتزع حقوق الأرض من أيدي السكان الأصليين، ويبدأ سلسلة من مطالبات الفلسطينيين باسترجاع منازلهم التي هجروا منها قصرًا رغم امتلاكهم صكوكها وأوراقها الرسمية، لذلك كان يجب إجهاض هذه القضية.

وبجانب هذا الخط الرئيسي، نجد خطا آخر يتعلق بشخصية "هانا" التي تعيش صراعا شخصيا، وتقع في حيرة بين زوجها السابق والمدعي العام الذي أقامت معه علاقة قصيرة أنهتها سريعًا، ولكنه ظل معلقًا بها، مما جعل مجابهته القاسية لها في ساحة المحكمة في قضية سليم لا ترجع فقط إلى الضغائن السياسية، بل العاطفية أيضًا.

لماذا أثار الجدل؟

أشتهر كوستا غافراس بآرائه السياسية الواضحة التي تؤثر على أفلامه، فمن أشهر أعماله "زد" (Z)، الذي تناول قصة اغتيال سياسي حقيقية، وفاز بأوسكار أفضل فيلم بلغة أجنبية، وفيلم "مفقود" (Missing) الذي فاز بالسعفة الذهبية وجائزة أفضل سيناريو مقتبس، الذي أثار تواطؤ الولايات المتحدة مع حكومة الانقلاب في تشيلي لدرجة تجاهل الضحايا الأميركيين الذين تواجدوا هناك خلال أحداث العنف.

وفيلم "هانا" تصريح سياسي آخر لكوستا غافراس، وهذه المرة حول القضية الفلسطينية، وفي وقت كانت فيه مطموسة المعالم في الغرب؛ فالفيلم يتعاطف بصورة لا جدال فيها مع الفلسطينيين الذين هُجروا من أرضهم واحتلها الإسرائيليون.

وهذا يظهر منذ البداية مع مشهد المحامية التي تبحث عن قرية موكلها "كفر رمانة"، وهي ممسكة بيدها خريطة تثبت أن تاريخ القرية يزيد على 500 عام، في مواجهة جندي إسرائيلي ينكر وجودها، ثم المشاهد التالية عندما شاهدت منزل الفلسطيني سليم، والمكان الذي هجرت عائلته إليه قبل وفاة والدته.

يظهر كذلك في رسم الشخصيات، خاصة شخصيتي سليم، وجوشوا المدعي العام وحبيب هانا السابق، فهما على طرفي نقيض؛ بين هدوء سليم حتى خلال سجنه ودفاعه عن حقه، ولجوئه إلى الإضراب عن الطعام، وبين عنف جوشوا الذي يظهر في غضبه على هانا لقبولها القضية، ومحاولات إقناعها بالتخلي عن محاولات مساعدة موكلها، بالإضافة إلى لجوئه للحيلة أكثر من مرة للسيطرة على هانا والتلاعب بأفكارها وتهديدها بابنها.

ما أثار الجدل كذلك تصوير غافراس فلسطين المحتلة بأنها ليست مكانًا آمنًا أو جنة اليهود الموعودة كما كان يروج لها في الغرب في تلك الفترة، فهناك تواجد أمني مكثف في كل الأماكن، مما يجعل حياة المدنيين اليهود غير مريحة بالتأكيد، بالإضافة إلى التهديدات المستمرة على حياتهم، وظهر ذلك في مشاهد متعددة؛ أهمها مشهد الشاطئ حيث تستجم المحامية مع أصدقائها، لنجد أنه حتى مكان الترويح عن النفس يجب أن يكون مؤمنًا بجنود من الجيش الإسرائيلي.

وبدأ الجدل حول الفيلم حتى قبل التصوير، فقد كانت الجماعات الموالية لإسرائيل قلقة من الفيلم، وتم تقديم مذكرات لبيان حجج وقف التصوير، وعند عرضه هوجم بالكثير من التعليقات السلبية قبل سحبه من دور العرض، وهاجمه كثير من النقاد، ولم يترشح لأي من جوائز الأوسكار في موسم الجوائز الأميركي، ولكن على الجانب الآخر عُرض في مهرجان فينيسيا السينمائي وترشح للأسد الذهبي.

المصدر : الجزيرة