البرامج الحوارية الفنية في رمضان.. ساحة تصفية الحسابات

ترى الناقدة سوسن مكحل أن الجمهور مل سماع أحاديث الفنانين عن شهرتهم وإظهار الجانب الملائكي من شخصياتهم، وصاروا أكثر ميلا لسماع القصص المخفية وغير المكشوفة من حياة هؤلاء

تعتمد البرامج الحوارية الرمضانية على فضائح المشاهير وأسرارهم (مواقع التواصل الاجتماعي)

على الرغم من تراجع عددها، وانحسار تقديمها هذا العام انطلاقا من مصر فقط؛ فإن البرامج الحوارية التلفزيونية الرمضانية لا تزال محط أنظار العديد من الفنانين الذين يرون فيها مصدرا لكسب مال إضافي بلا جهد كبير، سوى نشر غسيلهم الفني على الملأ وأمام الناس كافة، ودون اعتبار لحفظ كرامتهم وحضورهم أمام الجمهور.

ووسط غياب البرامج اللبنانية والخليجية المشابهة لظروف فيروس كورونا، وما لحقها من تأثيرات مادية على المخصصات المالية للقنوات الفضائية؛ تقدم المخرجة إيناس الدغيدي للعام الثالث على التوالي برنامج "شيخ الحارة والجرئية"، بعد أن كانت تقدمه الإعلامية بسمة وهبة التي ابتعدت عنه عقب منع البرنامج إثر أزمة أثيرت في إحدى الحلقات قبل عامين، وبعد ذلك عادت وهبة في رمضان الحالي، لمنافسة برنامجها السابق؛ لكن من خلال برنامج "العرافة".

من الحب إلى الضرب

المثير في البرنامجين اعتمادهما على الفضائح واختيار ضيوف لهم مشاكلهم الواضحة في الساحة الفنية؛ هكذا علق الكاتب الصحفي غيث التل على فكرة هذه البرامج، ويضيف "لا أدرك الرابط العجيب بين شهر رمضان وتقديم برامج حوارية هدفها الرئيس قائم على فضيحة الضيف، والتطرق إلى مواضيع حساسة وذات خصوصية، والبحث عن تصدر "الترند"، وجر الطرف الآخر -الذي له مشكلة عالقة مع الضيف- إلى البرنامج لاستضافته، ونشر بقية الحكاية على الجمهور المتعطش أصلا لكواليس المشاهير، وهو ما حدث في برنامج "شيخ الحارة والجرئية" الذي استضافت فيه إيناس الدغيدي، المذيعة المصرية مي حلمي وطليقها المطرب محمد رشاد، والجميع تابع فصول حكايتهما من الحب إلى الضرب.

وتتفق الناقدة الفنية سوسن مكحل مع ما ذهب إليه التل، وتضيف "تهدف مثل هذه البرامج إلى خلق حالة من الجدل الإعلامي، واستثمار منصات التواصل الاجتماعي في "صب الزيت على النار" وتحريض جمهور كل ضيف على التراشق الإعلامي ونصرة فنانه ظالما أو مظلوما، والمستفيد الأكبر هو البرنامج ذاته الذي سيلفت الانتباه إليه أكثر".

وترى مكحل أن الجمهور مل سماع أحاديث الفنانين وهم يكررون ذات الكلام عن شهرتهم وطرق نجاحهم وإظهار الجانب الملائكي من شخصياتهم، وصاروا أكثر ميلا لسماع القصص المخفية وغير المكشوفة من حياة المشاهير ومشاكلهم وخياناتهم.

وتضيف أنه "في ظل جائحة كورونا وما سببته من أضرار على الصعيد العملي، اضطر بعض المشاهير للموافقة على الظهور في هذه النوعية من البرامج بهدف كسب مبالغ مالية، ولأجل ذلك وافقوا على كشف الجانب المظلم من شخصياتهم، فضلا عن إغرائهم بتسليط الأضواء مجددا عليهم عبر منصات التواصل الاجتماعي".

شروط المعلِن

يجد الكاتب الصحفي والناقد الفني طلعت شناعة أن في البرامج الحوارية التلفزيونية متنفسا للفنانين والمشاهير للخروج من قوقعتهم الفنية ومواجهة الجمهور بشكل غير معتاد، ويقول "لا أتفق مع معظم ما يقال في هذه البرامج، لكنني أجد أن الجمهور يفضل أن يرى ويستكشف الوجه الآخر لفنانه المفضل، فالفنان -سواء كان موسيقيا أو ممثلا- يراه الجمهور وهو يقوم بعمله وبشخصية جادة هدفها تقديم العمل الفني على مختلف أشكاله، لكن حضور الفنان بشخصيته الحقيقية وتعامله وكلامه وثقافته سلاح ذو حدين، فإما يُقرب الفنان من الناس أو ينفره منه".

وحول محتوى البرامج الحوارية وما يقدم فيها، يرى شناعة أن الضيف قبل أن يأتي إلى أي برنامج، يكون على علم مسبق بمحتواه وما يقدمه، وادعاء البعض بأنه متفاجئ من طبيعة الأسئلة أو محاور الحوار هو وهمٌ يسوقه بعض الفنانين لجمهورهم بهدف الدفاع عن أنفسهم.

ويضيف "معروف أن معظم هذه البرامج تدفع مبالغ طائلة لضيوفها، والمبلغ يتم تحديده بحسب الجزء الأكثر إثارة الذي يرغب الضيف بالإفصاح عنه، من مشاكل أو قضايا أو آراء صادمة، والذي يدفع هذه المبالغ الجهات المعلنة في البرنامج، وفي النهاية الكل مستفيد".

فضول طبيعي

لا يجد الدكتور إسماعيل الزيود -أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية- غرابة في متابعة الجمهور الحثيثة لفضائح الفنانين والمشاهير، مؤكدا أن "الفضول طبع غريزي في الإنسان تختلف درجته من شخص إلى آخر، وعادة ما تتشكل تصورات الشخص وفهمه للحاضر من خلال التفاعل مع الآخرين والاستماع لتجاربهم ومشاكلهم حتى وإن كانت تختلف بيئاتهم وطبائعهم".

وحول عدم ممانعة المشاهير في الحديث عن خصوصياتهم على الملأ، يجد الزيود أن الأمر يختلف من شخص إلى آخر، موضحا أن "الفنان عادة محاط بالأضواء والشهرة والجاذبية، وبعض الفنانين يسيطر عليهم القلق إن شعروا بأن بقاءهم في دائرة الضوء بدأ بالتلاشي، فيصبحون على استعداد للقيام بأي شيء حتى يظلوا حاضرين أمام الجمهور، وهناك نوعية أخرى يكون هاجسها جمع المال فلا يهمهم ما يقال عنهم، وآخرون تضطرهم الحاجة للكشف عن خصوصياتهم".

المصدر : الجزيرة