"ماكو".. أرشيف الفن العراقي في مجلة ضياء العزاوي

العدد الأخير من مجلة "ماكو" يحتوي على حوار مع الفنان التشكيلي رافع الناصري (الجزيرة)

يضع الفنان ضياء العزاوي لمجلة "ماكو" الافتراضية -التي أُطلق عددها الأول في مايو/أيار الماضي- هدفا يُضمنه في عبارة مكتوبة على الغلاف "مجلة مهتمة بتاريخ الفن العراقي المعاصر".

وفي العدد الأحدث الذي صدر مؤخرا تُعيد "ماكو" قراءة تجربة الفنان التشكيلي رافع الناصري (1940-2013)، لتتيح أرشيفا من الصور الفوتوغرافية والشهادات والقراءات تضيء -من جديد- على عقود من التشكيل والغرافيك والفوتوغرافيا التي أنجزها الناصري، إضافة إلى تقديم جانب من سيرته الشخصية.

ويوجد في هذا العدد حوار أجراه العزاوي بنفسه مع الناصري عام 1971، وفي سؤال للفنان العراقي البريطاني -حول ما يميز عمل الناصري الذي عاش آخر عقدين من حياته في عمّان- يقول للجزيرة نت "تميز رافع منذ البداية بالجمع بين الرسم والطباعة ودفاتر الفنان، وتميز كذلك بدراسته شرقا وغربا، وعبر هذه الخاصية تمكن من أن يسهم في تطوير التجربة العراقية إلى مدايات مختلفة عن الجيل السابق".

ويضيف "نجح الناصري أيضا بفعل مشاركاته الدولية وحماسه على تشجيع الفنانين الشباب لتطوير تجاربهم في هذا المجال، ليصبح أحد أهم الأسماء العربية في الفن المعاصر".

ويجمع العدد شهادات شخصية وقراءات نقدية وحوارات أجريت مع الناصري، حيث أسهم في المحتوى فنانون وكتّاب عراقيون من أجيال مختلفة، مثل يحيى الشيخ وعمار داود وكريم رسن وتغريد هاشم وحاتم الصكر وفواز البندر ومظهر أحمد، كما تحضر رفيقة درب الفنان الراحل الشاعرة العراقية ميّ مظفر بقراءة نقدية في "حضور الجسد" بأعمال رافع، كما نشرت حوارا قديما أجرته معه.

والمجلة مليئة بصور للوحات من مجموعات مختلفة، بعضها خاصة، وتحتوي أعمالا من معمل الناصري في عمّان ومن مجموعات سمر دملوجي، وبارجيل، والإبراهيمي، كما تنشر "ماكو" الصور الفوتوغرافية النادرة للفنان في مراحل مختلفة من حياته، إلى جانب صور التقطها بنفسه في أمكنة مختلفة من العالم، ونسخا من بوسترات وإعلانات لمعارض فردية له وأخرى شارك فيها مع آخرين.

الفنان العراقي ضياء العزاوي
الفنان العراقي ضياء العزاوي يصدر مجلة ماكو الافتراضية (الجزيرة)

فكرة وليدة الصدفة

خرج العدد الأول من "ماكو" في بداية أزمة كوفيد-19 وما فرضته على العالم من طوق العزلة، فكانت هذه هي ثيمة باكورة المجلة، ويقول العزاوي "الفكرة تولدت بالصدفة، إذ فرضت العزلة البقاء في المنزل لأكثر من شهر، فأصبح لقائي مع بعض الفنانين عبر برنامج "زوم" (Zoom)، وخلال النقاشات جاءت فكرة توثيق هذه الفترة، حيث كان العدد صفر يتعلق بالعزلة وإمكانية الاستفادة من هذه الأيام، لكنني بعدها فكرت بموضوع المجلة، لتكون وسيلة لتوثيق التجربة العراقية بعد أن تعرض المتحف الوطني للفن الحديث إلى النهب، لذا اعتبر أوليات المجلة هو محاولة توفير أكبر مساحة ممكنة للفنان على تنوع إنجازاته".

وحول اختيار "ماكو" عنوانا للمجلة يوضح العزاوي للجزيرة نت أن "هناك العديد من المجلات المعنية بالفن التشكيلي وفي غالبها يرتبط الاسم بطبيعة العمل الفني، لذا فكرت باسم يتعارض مع طبيعة المجلة وأن يكون اسما عراقيا خالصا، و"ماكو" كلمة يرددها العراقيون كثيرا بين الرفض والقبول، كذلك للاسم مرجعية سومرية".

وفي الأعداد المتتالية تناولت المجلة فن الخزف العراقي، وتجربة الفنان محمد مهر الدين، ثم الفنان إسماعيل فتّاح الترك، وأعمالا فنية عرضت لأول مرة في صور، ومنها عمل الفنان العزاوي "الكتاب الأسود لمرفأ بيروت" الذي أنجزه الفنان بعد انفجار أغسطس/آب الماضي.

الفنان ضياء العزاوي يحفظ الأرشيف في مرسمه الخاص في لندن (الجزيرة)

مصدر الأرشيف

وبين معايشة الأحداث الراهنة فنيا من الوباء وحتى الانفجار إلى رحيل المعماري رفعة الجادرجي وصولا إلى أرشيف بديل وشخصي غير مكتشف من ذاكرة الفن العراقي، كل ذلك رحلة تقطعها المجلة مع كل مرة تصدر فيها، فمن أين يأتي هذا الأرشيف؟

يجيب العزاوي "لدي أرشيف كبير للفن العراقي ومكتبة تضم الآلاف من الكتب ذات العلاقة بالفن العربي والعالمي، إلى جانب المئات من كاتلوغات المعارض وبطاقات الدعوة والملصقات وصور شخصية أو فعاليات فنية، إضافة إلى ما صدر من مجلات فنية، أحتفظ بالأرشيف في مرسمي الخاص المعزول عن البيت، ومنذ أكثر من عامين أعمل على حفظ هذه المواد بشكل تقني له علاقة ببعض البرامج المتخصصة بالأرشيف".

وحول اختيار الثيمات والتصميم والعمل على "ماكو" يبين العزاوي أنه يقوم باقتراح العدد، وبعد توفير المواد يتم التعاون مع مجموعة محدودة من أصدقائه الفنانين الذين يمتلكون معارف مختلفة من أجل تسمية الكتّاب وزاوية النظر لكل عدد.

ويضيف العزاوي "خلال عملي لإنتاج المجلة اكتشفت أن قلة من الفنانين من هم معنيون بتوثيق أعمالهم، مما خلق فجوات مختلفة في التجربة العراقية، وهناك المئات من الأعمال الفنية لا يوجد لها عنوان أو قياس أو طبيعة المادة المستخدمة، وخاصة أنني أنظر لكل عدد عن إمكانية توفير وثائق غير معروفة والتي أعتبرها جزءا أساسيا من عملية الإبداع".

إن الوثائق هي موطن الذاكرة والمعلومات والشاهد على التحولات، والتي طالما كانت ملهمة للدارسين والباحثين ومؤرخي الفن في الثقافات المختلفة، وما توفره "ماكو" هو مساحة يمكن أن نشبّهها بمنصة تعيد الحياة للأرشيف جنبا إلى جنب مع مواد بصرية ومكتوبة تعايش الراهن والآني، وهي مواد ستصير بدورها أرشيفا وستظل كلها موجودة في منصة "ماكو" ومتاحة للاطلاع عليها، وربما تكون مصادر لدراسات فنية وأفكار جديدة في المستقبل.

المصدر : الجزيرة