ظروف مادية طاحنة للفنانين.. جائحة كورونا تلقي بظلالها على الدراما الأردنية

تداعيات الجائحة أتت على قطاع الإنتاج الدرامي الأردني (الجزيرة)

لم يعد أمرا غريبا أن يسمع المرء عن فنان بالكاد يسد حاجة أبنائه، أو آخر ليس لديه ثمن خبز لعائلته، ومن مفارقات تقلبات الظروف وتداعياتها أن تجد نجما كان يحظى باستقبال حافل بدول عربية عديدة في ثمانينيات القرن الماضي، أمسى اليوم يبحث عمن يقرضه 50 دولارا أو أقل، تلك ملامح لأزمة مفتوحة يعاني منها الفنانون الأردنيون منذ 3 عقود؛ لكنها تفاقمت بعد مضي عام على جائحة كورونا.

بدأت ملامح أزمة الدراما الأردنية قبل 3 عقود (الجزيرة)

بدأ الإنتاج الدرامي عبر التلفزيون الأردني أواخر الستينيات، واستمر خلال السبعينيات، وانتقل الإنتاج إلى الشركة الأردنية للإنتاج التلفزيوني والسينمائي في الثمانينيات، وتوقف مطلع التسعينيات بسبب حرب الخليج، وأفلست الشركة الأردنية آنذاك، وبيعت استديوهاتها، وظهر في تلك الفترة نحو 30 شركة للإنتاج؛ لكنها لم تصمد لاحقا، وتباطأ الإنتاج وانحسر في العقد الماضي بشركتين فقط، لينتهي الأمر أيضا إلى أن إحداهما لم تنتج أي عمل درامي منذ ما يقارب 3 سنوات.

بمرارة بالغة، يتحدث النجم الأردني محمد العبادي للجزيرة نت عن أوضاع مؤلمة وقاسية تعاني منها الحركة الفنية الأردنية والفنان الأردني، فقال مستهجنا "لا يجوز أن تموت الحالة الفنية" مطالبا بضرورة إيجاد مؤسسة تُعنى بالدراما التلفزيونية، وألا يكون الأمر مرهونا بشخص ما، حيث يقول "إذا جاء رئيس وزراء أو وزير لديه شغف بالفن تنتعش الحركة الفنية نسبيا"، مضيفا "وسرعان ما تخبو إن كان خلفه غير مهتم بالدراما والفن" على حد قول العبادي.

الفنان محمد العبادي أحد أبرز نجوم الدراما الأردنية (الجزيرة)

ويمضي الفنان العبادي، الذي سجل عمرا فنيا يناهز 5 عقود ونصف، ويعد واحدا من أبرز نجوم الدراما الأردنية، لا سيما عبر أدوار لاقت قبولا جماهيريا في "الدرب الطويل" و"الحطب والنار" و"نمر بن عدوان" إضافة إلى دوره التاريخي الشهير في "طرفة بن العبد".

ويلخص العبادي ما يبحث عنه فنانون أردنيون من جيل المؤسسين والجيل الجديد "يجب أن تبقى الدراما الأردنية حاضرة على الشاشات العربية، ولا بد من حالة نهوض يبدأ بها مسؤول كبير".

لم يعد تسويق اللون البدوي الذي اشتهرت به الدراما الأردنية عربيا بذات القوة التي كانت في السابق (الجزيرة)

الغضب مما آلت إليه أحوال الفن أكبر لدى المنتج التلفزيوني والسينمائي الأردني عصام حجاوي، رغم أن مؤسسته الإنتاجية ما زالت تعمل؛ إلا أنه يعاني كما يقول من تراجع الحركة الفنية.

ويؤكد حجاوي للجزيرة نت أن الوضع المأساوي للفنان الأردني يتفاقم يوما بعد يوم، لافتا إلى أنه منذ التسعينيات وحتى اليوم ما يحدث ليس إلا "هبات ومناشدات وفزعات" في ظل غياب الدعم الرسمي والحكومي عن قطاع الفن والدراما.

ويرى حجاوي أن "الحركة الفنية وصلت إلى مشارف الانقراض"، ويضيف "لا يوجد دعم رسمي، ولا خطوات جادة للإنقاذ، وليس هناك قرار أو إستراتيجية للمساندة أو مد اليد للقطاع الخاص؛ بل هناك فوضى وغياب للمسؤولية في مقابل هبات لا تسمن ولا تغني من جوع"، مبينا أن المنتج الأردني يخوض "معركة حقيقية لبيع أي عمل لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون"، حتى اللون البدوي الذي اشتهرت به الدراما الأردنية عربيا لم يعد تسويقه بالقوة ذاتها التي كانت في السابق.

حوار مع المنتج عصام حجاوي والفنانة علا مضاعين 6
حوار مع المنتج عصام حجاوي (يسار) والفنانة علا مضاعين (الجزيرة)

الحكومة من جانبها تكرر تصريحاتها حيال دعم الفن، لا سيما أنها تحتفل هذا العام بدخول المئوية الثانية للدولة، مشددة على أنها تدعم الثقافة والفن؛ لما لهما من دور في بناء النهضة الوطنية، واستندت إلى خطوة إعادة إحياء صندوق دعم الحركة الثقافية والفنية كسبيل لتحقيق هذا الدعم، وهو الصندوق الذي تأسس قبل 15 عاما وبقي لبضع سنوات، ثم توقف بقرار حكومي وبلغ رصيده عندما توقف 700 ألف دولار أواخر العقد قبل الماضي بقرار من رئيس الوزراء آنذاك سمير الرفاعي كما يؤكد نقيب الفنانين حسين الخطيب.

نقابة الفنانين التي تضررت كثيرا العام الماضي، وأشرفت صناديقها على الإفلاس -وفق فنانين- بعد جائحة كورونا، حاولت وما تزال تحاول من عام لآخر تقديم كل الخطط اللازمة للإنقاذ، وفق نقيبها الخطيب.

ويشير الخطيب إلى وجود مشروع وطني للإنتاج الدرامي طرح في عام 2019، حيث تقوم الدولة بتأسيس صندوق استثماري للإنتاج الدرامي والتلفزيوني برأسمال 7 ملايين دولار في السنة، ويمتد 5 سنوات، وبما مجموعه 35 مليون دولار؛ إلا أن هذه الأفكار اصطدمت فيما يبدو بتداعيات الجائحة، التي أتت على قطاعات عديدة وفي مقدمتها الإنتاج الدرامي الأردني.

المصدر : الجزيرة