هل يجب على الدراما التاريخية أن تكون دقيقة؟

يزداد الهجوم على الأعمال الفنية عندما تتعرض لشخصية محبوبة ولها قاعدة جماهيرية وكثير من المعجبين.

عمرو يوسف بطل مسلسل أحمس الذي لم يكتمل تصويره بسبب الأخطاء التاريخية (مواقع التواصل الاجتماعي)

التاريخ هو أحد المواد الخصبة لإنتاج وتأليف العديد من الأعمال الفنية سواء كانت مسلسلا أو فيلما أو مسرحية، وكثيرا ما تناولت الأعمال الفنية على الصعيد العالمي حقبات زمنية محددة أو أحداثا معينة في التاريخ، ولكن مهما حاول العمل الفني أن يكون دقيقا بشأن الأحداث أو الشخصيات أو الملابس، فإنه أحيانا ما تفلت منه بعض التفاصيل لا يدركها صناع العمل أو قد يتغاضون عنها لسبب أو لآخر. فهل يجب بالفعل على الدراما التاريخية أن تكون دقيقة تماما؟

الإجابة عن هذا السؤال هي بالنفي، وحين لا تكون الدراما التاريخية صحيحة فإن هذا لا يعد تشويها للتاريخ وإنما نظرة فنية مختلفة للأمور، لأن التاريخ كما حدث قد يكون شيقا على أرض الواقع ولكن هذا التاريخ المشوق قد يكون غير كاف لصناعة عمل فني، لذا فإن التوجه المفضل للكثيرين من صناع الأعمال الفنية هو خلط الحقيقة بالخيال، بحيث يكون العمل الفني في النهاية مقبولا كعمل فني تاريخي ينتمي للفترة التاريخية المختارة، وفي نفس الوقت قد يحمل أحداثا وشخصيات متخيلة وغير حقيقية.

هذا الأمر أيضا ينطبق على الأعمال الفنية الطبية والقانونية، فالقاعدة هي ذاتها، وهي تسري على جميع الأنماط التي قد يستند إليها العمل الفني، وتنص هذه القاعدة على أن الأعمال الفنية الدرامية ليست توثيقا حقيقيا وهي تختلف جوهريا عن فئة الأعمال الوثائقية، وبالتالي فإن من يأخذ معلوماته بجدية من هذه الأعمال الفنية عليه مراجعة نفسه مرة أخرى.

ويذكر تقرير بموقع "آن هيستوريان أباوت تايم" (Anhistorianabouttown) أنه يجب التعامل مع هذه الأعمال على أنها مواد ترفيهية قائمة على بعض الأحداث التاريخية، وليست منهاجا مدرسيا لتعلم التاريخ أو فيلما وثائقيا يجب أن تكون معلوماته صحيحة، وأنه لا يجب على المشاهد أن يتعامل مع هذه الأحداث على أنها حقائق تاريخية، ولكنه من الممكن أن يستغل إعجابه بعمل فني ما للقراءة بشكل أكبر في كتب التاريخ عن هذه الحقبة إن أراد معرفة المزيد من "الحقائق" التاريخية، أما إن أعجبه المناخ الذي وفره العمل الفني وليس أكثر، فليشاهد إذن باقي الأعمال الفنية مع علمه أنها تحتوي الكثير من المغالطات التاريخية.

ووجه بعض النقاد والمؤرخين انتقادات لبعض الأعمال الفنية التي ادعت أنها صحيحة تاريخيا، ووصفوها بأنها تبعث على الملل، لذا فخيال المؤلف مهم عند تأليف عمل فني تاريخي، طالما كتب عليه منذ البداية أنه عمل خيالي مقتبس عن أحداث حقيقية، ولم يدعِ أحد كونه دقيقا تاريخيا.

خوذة الفايكينغ الشهيرة في الأعمال الفنية ليس لها أساس تاريخي (مواقع التواصل الاجتماعي)

أخطاء تاريخية شائعة

أما بخصوص المظهر أو الشكل الخارجي الذي اتسمت به الحضارات أو الشعوب فهو شق آخر من الاهتمام بالتاريخ للعمل الفني، وهناك الكثير من النماذج لأخطاء شائعة عالميا، سلم الجميع بكونها حقيقية بالرغم من أنها لا تتعدى حدود الخيال الفني، ولعل أكبر مثال على ذلك هي خوذة الفايكينغ الشهيرة، التي صورتها أغلب الأعمال الفنية أنها خوذة تحمل قرنين بأعلاها، ولكن بالعودة للآثار فإنه لا توجد أي علامات تاريخية تدل على ارتداء شعوب الفايكينغ لها.

وكما يذكر موقع "هيستوري" (History) فإن الفايكينغ ارتدوا أغطية رأس بدون قرون، وأرجع الموقع هذا التنميط المغلوط الشائع للقرن الـ19، عندما أعطى مصمم الأزياء "كارل إميل دويبلر" لخوذات الفايكينغ قرنين في أوبرا فاغنر.

الدراما التاريخية عربيا

تعرضت الدراما العربية في السنوات العشر الأخيرة لبعض من هذه المشكلات، منها مسلسل "سرايا عابدين" الذي عرض عام 2014 وكانت أحداثه مختلقة إلى حد كبير، وهو ما جعل أحمد فؤاد الثاني نجل الملك فاروق يكيل الاتهامات لصانعي المسلسل، واصفا إياه أنه مسيء لسمعة مصر، وهذا بالرغم من كتابة جملة "دراما مستوحاة من قصة حقيقية" على تتر المسلسل.

بينما هناك بعض الأخطاء الأخرى التي لم يقبل التسامح فيها، نذكر منها لحية الفنان عمرو يوسف في مسلسل "أحمس" الذي كان من المقرر عرضه في رمضان الماضي، وهو مظهر مخالف لما هو معروف عن المصريين القدماء الذين كانوا حليقي اللحى، وزاد غضب الجمهور والنقاد عندما عرض الإعلان التشويقي للمسلسل، لاحتوائه على العديد من الأخطاء الخاصة بالملابس والإكسسوارات، مما اضطر صناع العمل إلى تأجيل عرضه ومحاولة إصلاح هذه الأخطاء.

إجمالا، يزداد الهجوم على الأعمال الفنية عندما تتعرض لشخصية محبوبة ولها قاعدة جماهيرية وكثير من المعجبين، فهؤلاء المعجبون لن يتقبلوا أن يروا الشخصية التي تحظى باحترامهم بهذا الشكل المغلوط تاريخيا، وقد أثير الأمر عدة مرات عبر التاريخ الفني منذ مسرحيات شكسبير وحتى أحدث المسلسلات الدرامية، وهذا ما قد حدث على سبيل المثال عند عرض مسلسل "آل كينيدي" والذي عرض الرئيس الأميركي المحبوب جون كينيدي بشكل يحمل الكثير من السلبيات، والتي قد تكون صحيحة أو غير ذلك، لذا ربما يجب على صناع الدراما التاريخية الاستعداد لتقبل الهجوم في حالة تناول حقبة تاريخية أو شخصية محبوبة.

المصدر : مواقع إلكترونية