السادات منع التصوير أثناء المعارك.. حرب أكتوبر بعيون مخرجي السينما المصرية

أغلب أفلام حرب أكتوبر/تشرين الأول جاءت بالصبغة العسكرية، فهي أفلام تستعين باللقطات الحقيقية المصورة عن عبور قناة السويس، كما خلت هذه الأفلام من الإشارة لصانع القرار وركزت على المعارك الحربية ذاتها.

من فيلم أبناء الصمت 1974 (مواقع التواصل الاجتماعي)

القاهرة – بعد نحو ساعة وربع من بداية فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي"، يقف الفنان حسين فهمي -الذي يقوم بدور ضابط الجيش- يبشر جنوده بصدور الأوامر بعبور قناة السويس، لتدوي صيحات الجنود "الله أكبر".

وتبدأ بذلك أشهر مشاهد لحرب أكتوبر/تشرين الأول في السينما المصرية، بداية من الضربة الجوية، وضربات المدفعية، وعبور قناة السويس، وتحطيم الساتر الترابي لخط بارليف، وصولا لأسر الجنود الإسرائيليين ورفع علم مصر على الضفة الشرقية للقناة، وتستمر هذه المشاهد التوثيقية لنحو 40 دقيقة سينمائية، وهي المشاهد التي تم تنفيذها بعد الحرب مباشرة.

وقعت حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، فسارع المخرجون -بدعم كبير من الجيش المصري- إلى تقديم دفعة من أهم الأفلام التي تناولت الحرب مباشرة، حيث شهد العام التالي للحرب عرض أفلام "أبناء الصمت" و"الرصاصة لا تزال في جيبي" و"الوفاء العظيم" و"بدور" (1974) ثم "حتى آخر العمر" (1975) و"العمر لحظة" (1978)، قبل أن تغيب "حرب أكتوبر" عن شاشة السينما طويلا ويتم تقديم قصص من وحي حرب الاستنزاف وبطولات القوات المسلحة خلالها مثل "الطريق إلى إيلات" (1994)، حتى عادت "حرب أكتوبر" إلى السينما بفيلم "حائط البطولات" (1998) الذي تم منع عرضه حينها بأوامر رئاسية كما قيل.

محمود ياسين بطل الحرب

ويلاحظ أن الفنان محمود ياسين لعب بطولة أبرز هذه الأفلام، حيث قدم أفلام "الرصاصة لا تزال في جيبي" و"بدور" و"الوفاء العظيم" و"حائط البطولات"، بالإضافة إلى فيلم "أغنية على الممر" الذي تحدث عن النكسة وعرض عام 1972 قبيل "حرب أكتوبر"، وهو الفيلم الذي يعتبره النقاد من أهم الأعمال الوطنية عن الحروب.

كما أن النقاد يعتبرون الأفلام التي تناولت النكسة وحرب الاستنزاف أقوى من أفلام حرب أكتوبر، حيث لا يزال الجمهور يرتبط عاطفيا بأفلام مثل "إعدام ميت" (1985) لبطله الفنان محمود عبد العزيز أو الفيلم التلفزيوني "الطريق إلى إيلات" (1994) الذي قدم قصة حقيقية عن تدمير البحرية المصرية لسفينتين حربيتين إسرائيليتين.

ليس بالعمق الكافي

في تصريحات متلفزة قبل أيام، أشار الناقد طارق الشناوي إلى أنه حتى الآن لم يقدم فيلم يليق بهذا الانتصار العظيم، وتم تقديم أغلب أفلام أكتوبر كشيء من مواكبة الحدث، ولم تقدم بالعمق الكافي، وأن الأفلام بنت الهزيمة كـ"العصفور" و"أغنية على الممر" ومست الناس لأن فيها مسحة أمل عن انتصار لمحوه في الأفق.

وأضاف الشناوي أن هناك تفكيرا جديا في إنتاج الجزء الثاني من فيلم "الممر" للحديث عن حرب أكتوبر، حيث تناول الجزء الأول أحداث ما بعد نكسة يونيو/حزيران 1967، وعرض قبل عامين محققا نجاحا تجاريا كبيرا، وأخرجه شريف عرفة.

صبغة عسكرية

ويرى الناقد محمود قاسم أن الأفلام عن حرب فلسطين 1948 اهتمت بتجار الأسلحة الفاسدة، بينما نقلت أفلام حرب السويس 1956 الواقع الشعبي، وقدمت أفلام النكسة 1967 المرارة الاجتماعية، ثم جاءت أفلام حرب أكتوبر -في أغلبها- مصبوغة بالصبغة العسكرية، فهي أفلام كان عليها أن تستعين باللقطات الحقيقية المصورة عن العبور، وتدمير خط بارليف، ثم تصوير بعض المواجهات في سيناء (شرق القناة)، والتأكيد على الانتصار الحربي، خاصة خلال المواجهات العسكرية الأولية، كما خلت هذه الأفلام من الإشارة لصانع القرار وركزت على المعارك الحربية ذاتها.

مزج الحب والحرب

ويضيف قاسم -في كتابه "الفيلم السياسي في مصر"- أن ذلك لم يمنع السينما بمزج قصص الحب بقصص الحرب، كما أشار إلى أن بعض النصوص الأدبية التي استلهمت هذه الأفلام أتت مكتوبة بالأساس بعد النكسة وتعبيرا عن مرارتها، مثل الرواية القصيرة لإحسان عبد القدوس بعنوان "رصاصة واحدة في جيبي" التي نشرها في أخبار اليوم بعد أشهر من النكسة، ثم استكملها بعد حرب أكتوبر بعنوان "الرصاصة لا تزال في جيبي" ليروي قصة الجندي محمد مع السلاح قبل وبعد النكسة، وهو ما حدث أيضا مع رواية "العمر لحظة" التي نشرها يوسف السباعي في حلقات بمجلة المصور قبل الحرب.

ويؤكد قاسم أن "الرصاصة لا تزال في جيبي" واقعي، فالجيش المصري حارب من جديد من أجل هذا الفيلم، "فقد وضعت القوات المسلحة أفرادها وضباطها وأسلحتها وخبراتها في خدمة هذا الفيلم، حتى جاءت الحرب على الشاشة صورة حية من الحرب الأصلية"، ويقول إن أقوى ما في الفيلم هو معاركه الحربية فهو "أول فيلم عربي يقدم معارك حربية حديثة على مستوى راق"، وأخرج المعارك الحربية المخرجان الإيطاليان "ماريو مافي" و"ل. كونري" والمخرج خليل شوقي.

لا لوم على السادات

ويرى السيناريست فايز غالي -مؤلف "الطريق إلى إيلات- أنه قدمه بعد 23 عاما من حرب أكتوبر، أما أفلام حرب أكتوبر فتم تقديمها في ظروف صعبة، ولا يمكن لوم الرئيس السادات على عدم تصويره حرب أكتوبر لأن مصر في ذلك الوقت كانت مكشوفة لإسرائيل بشكل مخيف، وكان نجاح الحرب يعتمد على السرية والمفاجأة والتخطيط.

الرئيس السادات منع في البداية تصوير حرب أكتوبر وفق ما ينقله نقاد (مواقع التواصل الاجتماعي)

ويضيف غالي -في حوار مع جريدة المصري اليوم- أن كثيرا من مشاهد الحرب أعيد تصويرها، واستخدمها المخرج محمد راضي في فيلمه "أبناء الصمت"، حيث تم تصوير ومشاهد عملية عبور القناة والجسور المتحركة، كما تم الاستعانة بمشاهد من الفيلم التسجيلي الروسي الذي قام الروس بتصويره عن تدريبات حقيقية لعمليات طيران وقصف بطائرات الميغ، ليتم مزج هذه اللقطات معا سينمائيا.

إعادة تصوير الحرب

وهو ما يؤكده المخرج علي عبد الخالق صاحب "أغنية على الممر" و"إعدام ميت" و"يوم الكرامة"، حيث يشير إلى أن المخرجين محمد راضي وحسام الدين مصطفى استخدما في أفلامهما إعادة تصوير الحرب التي سمح بها الرئيس السادات، من لحظات العبور ورفع العلم المصري فوق أرض سيناء، ورحب السادات بتصوير هذه الأفلام لأنه شعر أنه ظلم القوات المسلحة بعدم التصوير أثناء الحرب.

ويعلق المخرج محمد راضي أنه حدث نوع من التعجل في التعبير والتوثيق لحرب أكتوبر، حيث تم تقديم الأفلام بعد الحرب بفترة بسيطة، وأشرفت القوات المسلحة على تنفيذ المعارك، ولم يكن التوثيق على مستوى "المعاناة الحقيقية التي عاشها الشعب والجيش".

تصوير 3 أشهر

ويضيف راضي -مخرج "العمر لحظة" و"أبناء الصمت" و"حائط البطولات"- أن السادات سمح له بتصوير المعارك كاملة لفيلمه "أبناء الصمت" أثناء مفاوضات "الكيلو 101″، واستمر 3 أشهر في تصويرها بشكل متواصل تحت قيادة الجيش الثالث، وكانت الجبهة تمتد لحوالي 180 كيلومترا والأسلحة المتبقية من الحرب متفرقة.

ويشير راضي -في حوار صحفي- إلى أنه أنفق من جيبه على إنتاج "أبناء الصمت"، لكن الجيش زوده بالجنود والضباط والمعدات والأسلحة وتم التنفيذ تحت إشرافه، "واللقطات الموجودة في الفيلم تعتبر نادرة وحقيقية والجنود الذين عبروا القناة خلال مشاهده حقيقيون".

المصدر : الجزيرة