أفلام المهرجانات التي لا يشاهدها أحد.. هل سيحقق "ريش" إيرادات في دور العرض؟

بعد تسريب فيلم ريش عبر الإنترنت بدأت موجة جديدة من ردود الأفعال السلبية ضده (مواقع التواصل)

تعرض فيلم ريش  للمخرج عمر الزهيري والفائز بجائزتين من مهرجان "كان" السينمائي إلى عدد كبير من الأزمات التي لا يتحملها فيلم واحد، بداية من خروج بعض من الممثلين في عرضه الأول بمهرجان الجونة مستائين، ثم تصريحات الممثل المصري شريف منير أن الفيلم مسيء لسمعة مصر لتصويره الطبقات الفقيرة بصورة قاسية للغاية، ليست موجودة على الحقيقة.

ومن هنا بدأ الترند، في التوازي ما بين جانب مؤيد للممثل وجانب آخر معارض له، فاز الفيلم بجائزة فرايتي بمهرجان الجونة، وتوقع له الجميع الفوز بجوائز أخرى، ولكن تلك القصة لم تكتب لها سطور النهاية بعد، فقبل ختام المهرجان تسرب فيلم ريش عبر عدد من المواقع المقرصنة، ليصبح في متناول الجمهور الذي كان يحكم على الترند من الخارج، وها هو الآن في قلب المعمعة ومعه المادة التي يمكنه عبرها إعطاء حكمه النهائي.

هل "ريش" فيلم مهرجانات؟

بعد تسريب الفيلم وعرضه بصورة واسعة على الجمهور المنجذب أساسًا بسبب الترند لمشاهدته بدأت موجة جديدة من ردود الأفعال السلبية على الفيلم والمعجبين به، مع وصفه بمصطلح دارج لدى المشاهدين، ولا سيما المصريين، وهو "فيلم مهرجانات".

ويطرح هذا سؤالًا ضروريًا، ما طبيعة فيلم المهرجانات؟ ولماذا يعتبر وصمة في جبين الأفلام أحيانا؟

فيلم المهرجانات كما هو واضح من اسمه فيلم يعرض في المهرجانات، سواء كانت تلك عالمية أو محلية، ولكن بالنسبة للبعض فإن فيلم المهرجانات هو مصطلح معاكس لما يقال عليه الأفلام التجارية أو بمعنى أصح الأفلام السائدة، وتوصم أفلام المهرجانات أنها معقدة، ومملة، لا يفهمها المشاهد العادي وليس معدة لتذوقه، بل للنقاد وصناع الأفلام الآخرين.

هذا التعريف مجحف للغاية ومخالف كذلك للحقيقة، فالكثير من الأفلام السينمائية التي حققت نجاحًا تجاريًا وشعبية لدى المشاهدين بمختلف اتجاهاتهم كانت أفلام مهرجانات أو عرضت في مهرجانات، مثل أفلام المخرج كوينتن تارنتينو، التي تُعرض في مهرجانات، وتفوز بجوائز ثم عرض تجاري ناجح للغاية، وآخرها فيلم "ذات مرة في هوليود" (Once upon a time in Hollywood) الذي عُرض في مهرجان كان السينمائي، ثم في عرضه التجاري تخطت إيرداته الـ300 مليون دولار، ومن أشهر أفلام المهرجانات التي حققت نجاحا شعبيا الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية "طفيلي" (Parasite) والذي حقق إيرادات 258 مليون دولار.

لذلك هذه التفرقة ليست واضحة مثلما يظن المشاهدون، ولكن في الحقيقة كلمة فيلم مهرجانات مع الوقت اكتسبت سمعة سيئة أكثر من كونها وصفًا، وأصبحت دليلا على أن الفيلم سقط من دائرة اهتمام المشاهدين.

السينما السائدة والسينما الفنية

الوصف الأكثر دقة واحترافية لكلمة "فيلم مهرجانات" هو فيلم ينتمي إلى السينما الفنية، والتي يمكن ترجمتها إلى الإنجليزية (Art House Films) والتي هي بالفعل عكس السينما التجارية والسائدة، فهي أعمال تنتج خارج حسابات السوق والتوزيع التقليدية، وبعيدًا عن الاستوديوهات أو الكيانات الاقتصادية الكبرى، ويطلق عليها كذلك السينما المستقلة، لأنها تعتمد بشكل كبير على جهود صناعها من مخرجين ومنتجين في البحث عن مصادر مالية لتمويل أفلامهم، عبر المنح من الهيئات والمهرجانات أو غيرها.

وهي أفلام ضعيفة الميزانية بطبيعة الحال، تستغني عن المؤثرات البصرية والممثلين المحترفين أصحاب الأجور الباهظة، والديكورات المبهرة بالفكرة التي تسعى لتقديمها، والممثلون فيها هواة على الأغلب، والتكنيك والفكر الفني لدى المخرج.

أيضًا تختلف السينما الفنية عن السائدة في التوزيع، فالسينما المستقلة تقدم بالفعل عروضها الأولى في مهرجانات، ثم في دور عرض محدودة وقليلة -في مصر على سبيل المثال دار عرض واحدة أو في اثنتين فقط- ثم تصبح متداولة بين أصدقاء المخرج ومعارفه، ومؤخرًا أصبح يتاح للأفلام سعيدة الحظ فرصة العرض في إحدى المنصات الإلكترونية.

وبالتالي نسبة وصول هذه الأفلام للمشاهد العادي ضئيلة للغاية، وعلى الأغلب لن يشاهدها إلا من يبحث عنها فقط، ولن تجدها على مواقع القرصنة الشهيرة أو شاشة التلفزيون، أو سينما مراكز التسوق العملاقة متعددة الشاشات، فعلى سبيل المثال فقط هذا الأسبوع عُرض الفيلم الفائز بجائزة السعفة الذهبية لهذا العام "تيتان" (Titane) ولكن لم يحقق نجاحا يذكر مع الجمهور، لأنه فيلم عكس الذوق السائد، يقدم أفكارا قد تكون غير مقبولة من المشاهد، فتم تجاهله، لكن دون الهجوم عليه.

وعلى المستوى المحلي منذ 3 أعوام خاض فيلم المخرج أبو بكر شوقي "يوم الدين" رحلة مشابهة لرحلة فيلم ريش، وذلك بالعرض في مهرجان كان السينمائي، ثم مهرجان الجونة، وفوزه بالجوائز، وعند عرضه تجاريا داخل مصر لم تتعد إيراداته المليون جنيه، وذلك لأنه فيلم يقدم قصة مجموعة من المهمشين ومرضى الجذام.

من هنا بدأت أزمة فيلم ريش، فالفيلم الذي ينتمي إلى السينما المستقلة والأفلام الفنية لم يكن من المفترض أن يعرض على هذا الكم من الجمهور بهذه الطريقة، خاصة بالنسبة لفيلم غرائبي عن زوج تحول إلى دجاجة ومعاناة زوجته، ولكن الترند الذي سبقه بسبب تصريحات الممثلين، والهجوم عليه، جعله محل اهتمام المشاهدين، الذين فوجئوا أنهم تحمسوا لفيلم لا يشبههم وهذا لا يعيبه ولا يعيبهم، ولكن الحماس السابق تحول إلى غضب، والغضب تحول إلى هجوم.

ومن ناحية الغرائبية، عرض عام 2018 فيلم الممثل والمخرج أحمد مجدي "لا أحد هناك" خلال فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي، والذي تدور أحداثه في ليلة واحدة، حول مغامرة زرافة هاربة من حديقة الحيوانات، ما أثار السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي لفترة قصيرة، ثم خمد الأمر لعدم عرض الفيلم بصورة واسعة أو تسريبه كما حدث مع فيلم ريش.

أفلام المهرجانات ليست أفلاما سيئة بحد ذاتها، وليست كلها أفلاما معقدة يصعب على المشاهد فهمها، بل بعضها -خاصة الأجنبية منها- اكتسب شعبية كبيرة على مر السنوات، وذلك لأن الحدود الفاصلة بين الفيلم التجاري والفني بعيدًا عن الشرق الأوسط ليست فاصلة وحادة للغاية، ولكن الظروف الإنتاجية السيئة في مصر على الأخص أفرزت في السنوات الأخيرة مجموعة من الأفلام المتشابهة من بطولة نفس الوجوه، بذات الحبكات السطحية والمكررة، شكلت أذهان المشاهدين ورسخت أن هذه هي السينما المسلية التي تستحق المشاهدة.

وفي الوقت ذاته، اتجهت الأفلام الفنية المصرية إلى صنع عالم خاص بها، بعيدًا عن المتفرج العادي، أفلام لا يتذوقها سوى النقاد وصانعي الأفلام الآخرين، وعندما تعرض بشكل واسع مثلما حدث لفيلم "ريش" لا تلقى سوى الهجوم والسخرية.

 

المصدر : الجزيرة