الممثل والمخرج المغربي إدريس الروخ: شجرة الإبداع لها أكثر من غصن والسينما المغربية على الطريق الصحيح

الممثل والمخرج المغربي إدريس الروخ للجزيرة نت: السينما المغربية تسير بخطى إيجابية وفي الطريق الصحيح
المخرج والممثل المغربي إدريس الروخ (مواقع التواصل)

الرباط – تُوج الفيلم المغربي "جرادة مالحة" للمخرج إدريس الروخ بجائزة أحسن إخراج ضمن النسخة الـ37 لمهرجان الإسكندرية لسينما البحر الأبيض المتوسط 2021 في مسابقة الفيلم العربي الطويل.

ويعتبر فيلم "جرادة مالحة" أول فيلم سينمائي طويل للمخرج إدريس الروخ، وهو ممثل ومخرج مغربي دخل أولا عالم التمثيل وحقق شهرة سينمائية بعد مشاركته في أفلام مغربية وعالمية منها فيلم "بابل" و"المنطقة الخضراء" وغيرها، قبل أن ينتقل إلى عالم الإخراج.

في هذا الحوار مع الجزيرة نت، يتحدث الروخ عن الجائزة ومساره الفني من المسرح إلى التلفزيون إلى السينما، ممثلا ومخرجا، وعن رؤيته لواقع السينما المغربية.

  • حاز فيلمك "جرادة مالحة" على جائزة أحسن إخراج في مهرجان الإسكندرية الأخير، ماذا تمثل هذه الجائزة بالنسبة لك، خاصة وأن هذا العمل هو أول فيلم طويل من إخراجك؟

هذه الجائزة تحفيز لي على العمل الذي قدمته في هذا الفيلم، وهي تحفيز لكل الطاقم الذي اشتغل معي من إنتاج وتقنيين وممثلين وإداريين، وهي أيضا مسؤولية للمستقبل باعتبار أن مثل هذه اللحظات تدفع الفنان إلى المواصلة والاشتغال والاجتهاد أكثر.

ستكون هذه الجائزة دافعا لي لدخول مهرجانات أخرى كبيرة، علما بأن هذا الفيلم كان قد توج في وقت سابق بجائزة أحسن فيلم في مهرجان تورنتو بكندا.

  • منذ دخولك عالم الإخراج قمت بإخراج نحو 16 عملا تلفزيونيا تتوزع بين أفلام ومسلسلات، إلى أن اشتغلت على فيلمك الطويل الأول "جرادة مالحة"، لماذا كل هذا الوقت لدخول غمار تجربة الإخراج السينمائي؟

بدأت الإخراج عام 2006 بالفيلم القصير "الضربة القاضية"، وبعده قمت بإخراج مجموعة من الأعمال السينمائية القصيرة ثم المسلسلات والأفلام التلفزيونية والسيتكومات.

كان حلمي الاشتغال على عمل سينمائي قوي يخلق الحدث، وكانت لي منذ سنوات عدة محاولات اشتغلت فيها على مشاريع مواضيع مهمة تتيح لي إبراز كل الإمكانيات والمؤهلات الفنية والتقنية داخل الفيلم لكنها لم تر النور إثر رفضها من بعض اللجان في المركز السينمائي.

لم أستسلم وأخذت زمام الأمور وبحثت عن موضوع يكون مناسبا لأقوم بإخراجه، إلى أن حان الوقت فكان أول فيلم سينمائي لي "جرادة مالحة"، لكن هذا لا يمنع أن أشتغل مجددا على كل مشاريع الأفلام التي بدأتها سابقا بالبحث عما كان ينقصها أو تحيينها لأنها مواضيع في نظري مهمة جدا ويجب الاشتغال عليها لاحقا.

  • كانت بدايتك الفنية في التمثيل، وحققت نجاحا في أعمالك السينمائية المغربية والعالمية وأيضا في التلفزيون، ما الذي جذبك لعالم الإخراج؟

شجرة الإبداع دائما لها أكثر من غصن وفرع وقد تثمر كثيرا إذا اهتممنا واعتنينا بها. من لا يعرفني جيدا يعتقد أنني جئت من التمثيل إلى الإخراج مباشرة، غير أن الحقيقة أنني، منذ تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية والتنشيط الثقافي ومن المعهد الوطني للفن الدرامي بباريس، كانت لدي أكثر من وجهة وأكثر من طريقة لإيصال ما بداخلي من أحاسيس وإبداع، فكان المسرح أولا كتابة وإخراجا وتمثيلا.

وقد قمت بإخراج عدد من العروض المسرحية التي قدمتها بالمغرب وخارجه، وكانت في صيغة سيناريوهات لها تقطيع سينمائي على مستوى الصورة وتقنياتها وأدواتها.

تعمدت أن أتأخر قليلا لفهم ما يجري حولي وما يدور داخل الساحة الفنية المغربية والأجنبية، لذلك اشتغلت كثيرا مع مخرجين عالميين ومع ممثلين وكتاب سيناريو ومنتجين، وحاولت خلال هذه المشاركات أن أكتسب كثيرا من الخبرات والآليات، كما اشتغلت أيضا مساعد مخرج ومساعدا في الكتابة وإدارة بعض الأعمال، كل ذلك دفعني في نهاية المطاف إلى إخراج ما بجعبتي من أفكار على شاكلة أفلام وصور.

وبدأت بما هو طبيعي وتلقائي ومنطقي وهو الأفلام القصيرة، وكانت هذه النوعية من الأفلام ما جذبني حقيقة إلى عالم السينما السحري وخلقت لدي فضولا معرفيا ودافعا للبحث في الصورة، والعمل على تطوير مهاراتي، وبعدها تجريب أدواتي وآلياتي، فكان فيلم "جرادة مالحة" الذي قدمته بعد سنوات طويلة جدا تعلمت فيها الكثير ولا أزال أتعلم وأبحث إلى اليوم.

  • كنت ضمن فريق تمثيل أفلام عالمية مثل "بابل" و"المنطقة الخضراء" مع مات ديمون والمخرج بول كرينغراس، و"الوضعية" مع كوني نيلسون والمخرج فيليب هاس، ماذا أضافت لك هذه التجارب الفنية العالمية باعتبارك ممثلا ومخرجا؟

أضافت لي تلك التجارب أشياء كثيرة، اشتغلت مع مخرجين كبار أمثال إنياريتو وبول كرينغراس ومع ممثلين عالميين كبار لديهم هوس الإحساس واللقطة والإتقان، ومع مبدعين لديهم ذلك الهم في أن يتقنوا عملهم ويتفننوا فيه وأن يوصدوه بأسلوب سلس وأن يكون ذا معنى وجدوى.

تعلمت من هذه التجارب أن العمل الذي تذوب فيه الأنانية ويقوم على بعد جماعي يكون متكاملا وقويا ومؤثرا، وهو ما وصلت إليه في آخر المطاف بأن تكون ضمن فريق وتستطيع الاستثمار في مواهبهم وطاقاتهم وتقاسم الأفكار لإنتاج عمل كبير؛ لأن العمل الكبير يبدأ بالأفكار الصغيرة، وبفريق عمل كالجسد الواحد، وهو ما يوصل إلى نتيجة حتمية، وهي النجاح.

المخرج إدريس الروخ يحمل جائزة أحسن إخراج في مهرجان الإسكندرية (الصحافة العربية)
  • رغم اتجاهك للإخراج منذ سنوات، فإنك تحرص على الحضور في بعض أعمالك ممثلا، هل تخشى أن تفقد علاقتك مع الجمهور أو حضورك بصفتك ممثلا؟

أنا أيضا أحب أن أقدم إحساس الممثل للجمهور وإحساس الشخصية، أنا أحب مهنة الممثل وأقدرها وهي مهنة صعبة جدا ولديها أكثر من بعد إنساني، وهي ممتدة في التاريخ وستبقى لأن لديها ما يؤهلها إلى ذلك.

العلاقة بيني وبين التمثيل علاقة حميمية وقائمة ودائمة، فمهما ابتعدت أقترب أكثر، وابتعادي في بعض الأحيان مرده إلى أنني لا أختار إلا ما أحب، وعندما أحب أعطي الكثير.

وجودي في الأعمال التي أقوم بإخراجها أو يخرجها غيري معناه أن لدي مسؤولية تجاه جمهوري وعلي أن أكون وفيا لثقته وحبه، وأنا عندما أشتغل في عمل ما، أشتغل كلية بروحي وجوارحي وقلبي وبعملي وألمي وبكل الأشياء التي أحس أنها قادرة على تكسير الروتين الذي قد يجتاز عملا دون آخر.

أحب أن أقدم الأعمال التي تنتفض، وأحب الشخصيات المختلفة والمركبة والشخصيات المهمشة التي تنطلق من لا شيء وتخلق عالمها، وهذا ما يدفعني إلى أن أشتغل ممثلا حتى لو كان العمل من إخراجي.

  • خلال أزمة كوفيد-19 كانت الثقافة والفن أول المجالات المتضررة، واستمر إغلاق دور السينما والمسارح لمدة طويلة، فكيف انعكس هذا الأمر عليك باعتبارك مخرجا وعلى المجال السينمائي المغربي بشكل عام؟

في الحقيقة، خلق كوفيد-19 انغلاقا داخليا وانسدادا في شرايين الفن والإبداع، واستطاع هذا الوباء اللعين اللامرئي أن يظهر لنا عيوبا كثيرة في مجتمعنا وثقافتنا وفي قدرتنا على فهم الأشياء، واستطاع أيضا أن يبني جدارا سميكا لكي لا نطل على الفن والثقافة لمدة طويلة.

فمنذ ظهوره إلى الآن، كانت هناك فعلا أزمة قوية وخلق تباعدا بيننا وبين الجمهور، بيننا وبين الفن والثقافة والسينما، بيننا وبين أي منفذ إغاثة حقيقي لعقولنا وأفكارنا. أصبحنا افتراضيين نشاهد بعضنا بعضا عبر الهواتف المحمولة، لم تعد تلك الحميمية التي كانت تكسر جدار الخوف السميك.

هذا الخوف خلق لدينا اضطرابا نفسيا خاصة عندما أصبحت قاعات العرض كلها مغلقة وانعدمت الثقافة والإبداع وتوقفت الملتقيات والمهرجانات وكل ما كان يعطينا أملا في الحياة.

كانت هذه الأزمة شديدة علينا على المستوى النفسي وعلى المستوى الإبداعي والمادي والإحساس، لم نستطع أن نبني جسورا للمستقبل خلال هذه الأزمة، ولم نستطع أن نبني أسلوبا حقيقيا للتفاعل والتعامل مع الفن إلا عبر ما فكرنا فيه داخل بيوتنا ولكن كل ذلك كان افتراضيا.

هذا الوباء إذا استمر بهذه الشاكلة واستمرت دور العرض مغلقة، فستغلق أيضا منافذ الحرية والتعبير ومنافذ الإحساس وقد تجعلنا جثثا هامدة.

  • كيف تقيم واقع السينما المغربية والتحديات التي تواجهها؟

السينما المغربية -بعيدا عن أزمة كورونا وما خلفته من سلبيات على الساحة السينمائية من تأخر في الإنتاج وعرض المنتوج السينمائي المغربي- كانت تسير بخطى إيجابية وفي الطريق الصحيح بما تنتجه سنويا على مستويات فردية وجماعية. كان هناك أفق إيجابي للعمل السينمائي للمبدعين المغاربة عن طريق الأفلام التي أصبحت تتعدى 24 فيلما سنويا بدون احتساب الأفلام القصيرة والأفلام الوثائقية. كل هذا كان سيكون له أثر إيجابي لو لم تكن هناك نقطة ضعف، وهي قاعات العرض التي أصبحت نادرة جدا.

الفيلم المغربي يلزمه أيضا حضور فعلي في القاعات السينمائية، لكن الإشكال الحقيقي أن هذه القاعات غير متوفرة وفي بعض الأحيان غير مجهزة، وحتى في المدن الكبرى حيث الحاجة إلى مئات القاعات السينمائية كما أن صالات العرض نادرة.

السينما لا يمكن أن تكون أفلاما ومشاريع أفلام تقدم في مهرجانات أو في بعض من هذه القاعات فحسب، بل ينبغي أيضا دمقرطة الفن بتوزيع الأفلام على كل أنحاء البلاد بأن يوجد حضور قوي للقاعات عبر ما يسمى "قاعات القرب" في الأحياء الشعبية وفي المركبات السكنية الكبيرة.

المخرج والممثل إدريس الروخ: الفيلم المغربي يحتاج إلى جمهور كما يحتاج الجمهور إلى مشاهدة الأفلام (مواقع التواصل)

يلزمنا التفكير بجدية في خلق هذه الفضاءات لكونها ستشجع الإقبال على الأفلام، لأن الفيلم المغربي يحتاج إلى جمهور كما يحتاج الجمهور إلى مشاهدة الأفلام، وهذه المقاربة تعطينا إنتاجا قويا ومتنوعا وأيضا جودة في الاشتغال على المواضيع والأفكار.

  • هل تعتقد أن عدم انتشار الأعمال السينمائية والتلفزيونية المغربية في العالم العربي راجع إلى عامل اللغة أم أن وراء ذلك أسباب أخرى؟

لا أعتقد أن عامل اللغة قد يكون وراء قبول أو رفض فيلم أو آخر، باعتبار أن السينما والتلفزيون صورة، والصورة هي لغة أولا وإحساس وهي أسلوب تواصل مهم جدا وتفاعلي مع مكونات اللغة، وأعتقد أن ما يقال حول أن عائق اللغة يحول دون انتشار السينما في العالم خطأ ويجب تفادي هذا الخطأ.

إضافة إلى ذلك، أعتقد أن العامية المغربية أقرب إلى اللغة العربية من أي لغة أخرى بالنظر لمدلولها ومنطوقها، قد تكون موسيقى اللفظ تختلف عما نسمعه من اللهجات الأخرى، وقد تكون اللهجات الأخرى قبل أن نتعرف عليها ونفهمها ونسمعها لها الإشكال نفسه.

هل كنا نعرف اللهجات الخليجية واللهجات العربية الأخرى؟ لكن حصل لدينا تراكم سمعي ومشاهداتي من عمل لآخر حتى أصبحت تلك اللهجات مفهومة لدى الأذن المغربية، هذه الأذن ينبغي أن تكون لدى كل الجمهور العربي، وأيضا إشراك منظومة المشاهدة العربية للأعمال السينمائية والتلفزيونية المغربية.

سترون أنه إذا كانت هناك خطة لذلك وقابلية وقدرة على تقبل العمل السينمائي والتلفزيوني المغربي، سيكون هناك أيضا قبول للهجة المغربية وتقبلها بشكل أو بآخر، وكما ترون فقد أصبح للأغنية المغربية انتشار عربي كبير، ورغم أنها باللهجة المغربية أصبحت مفهومة ومحفوظة ويغنى بها ويستعين بألفاظها مغنون عرب آخرون، وهذا معناه أن هناك قابلية؛ يجب الآن التفكير في إستراتيجية محددة لخلق سوق خارجية للإنتاج الدرامي المغربي وإيصاله للمشاهد العربي، وسيكون لهذا الأمر إيجابيات كثيرة جدا على مستوى صورتنا وعلى ممثلينا ومبدعينا.

المصدر : الجزيرة