أحمد مظهر فارس الجيش والسينما المصرية.. حصل على الأوسمة وتكريمات الرؤساء

أحمد مظهر شعر بحزن شديد وبكى بعد قرار الحكومة بناء طريق دائري لتسهيل الحركة يمر من داخل حديقة الفيلا الخاصة به، وبعد رحيله في الثامن من مايو/أيار 2002 حوّل ابنه المهندس شهاب الحديقة لمركز للبحث العلمي حيث تضم أكثر من 3500 نوع من الأشجار والنباتات النادرة.

رصيد الفنان الراحل أحمد مظهر بلغ حوالي 158 عملا ولم يخل من الدراما والمسرح أيضا (الجزيرة)

القاهرة- الشخصيات شديدة التنوع التي قدمها الفنان الراحل أحمد مظهر لا يمكن لأحد أن يتخيل معها أن هذا النجم السينمائي بامتياز هو نفسه الفارس في الجيش المصري الذي وصل إلى رتبة عقيد قبل أن يقرر التفرغ للتمثيل، فهو الرومانسي، والكوميدي، والقائد الإسلامي، والأمير المدلل الفاسد، وسائق القطار، والنصاب، شخصيات شديدة التعقيد برع في تجسيدها بسلاسة وسهولة على الشاشة.

 

فارس الجيش والسينما

ولد أحمد مظهر في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 1917، وصفة فارس التي ارتبطت به سينمائيا لم تأت من فراغ، فابن الأسرة التي تعود أصولها إلى حي العباسية بمدينة القاهرة التحق بعد انتهائه من الدراسة بالكلية الحربية التي تخرج منها عام 1938 وكان زميلا في دفعة جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات وعبد اللطيف البغدادي وحسين الشافعي، وشارك في حرب فلسطين عام 1948، والتحق بسلاح المشاة، وبعدها انضم لسلاح الفرسان الذي تدرج فيه حتى عيّن قائدا لمدرسة الفروسية عقب ثورة يوليو/تموز 1952، حيث كانت تجمعه علاقة قوية بقيادات الثورة واختاره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ليكون عضوا بتنظيم عزيز باشا المصري وكان يجتمع مع الضباط الأحرار.

صوت الفن

مهاراته في الفروسية جعلت المخرج إبراهيم عز الدين يعرض عليه دورا في فيلم "ظهور الإسلام- الوعد الحق" في عام 1951 عن قصة الأديب طه حسين، والذي كان أول ظهور له على الشاشة.

بعد الفيلم لم يضع أحمد مظهر السينما ضمن حساباته حتى عرض عليه الأديب يوسف السباعي -الذي كان زميله في سلاح الفرسان وقتها- دورا في "رد قلبي"، وهو فيلم عن نبض الثورة وقتها، وحاول الحصول على موافقة وزير الحربية، لكن بعد 3 أيام تصوير فوجئ بالرفض، فكان عليه الاختيار بين السينما والجيش، ليقدم استقالته ويتفرغ لصوت الفن، وقدم بالفعل شخصية الأمير علاء الارستقراطي الرافض للثورة، وأجاد تقديم الشخصية رغم أنها بعيدة عن قناعاته الشخصية.

أحمد مظهر كان عليه الاختيار بين السينما والجيش فقدم استقالته وتفرغ للفن (الفرنسية)

وفي العام نفسه شارك بدور صغير في فيلم "طريق الأمل" أمام فاتن حمامة، وظهر بشخصية الرجل الثري الذي يخدع الفتيات.

وهذا التلون في تقديم الشخصيات جعل مظهر محط أنظار الكثير من المخرجين وقتها، بجانب ثقافته الشديدة والفروسية التي يجيدها وميزته عن باقي نجوم هذا الجيل، مما جعل صناع السينما يسندون إليه أدوارا تاريخية هامة، فقدم شخصية سيف الدولة قطز في فيلم "وإسلاماه"، وقدم شخصية القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي في "الناصر صلاح الدين"، وشارك أيضا بشخصية يوسف في فيلم "جميلة" عن المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، بجانب تقديمه شخصية الفارس بجاد في فيلم "الشيماء".

تنوع الشخصيات

بجانب الشخصيات التاريخية، برع أحمد مظهر في تقديم أدوار متنوعة ومختلفة تماما في السينما، فلم يتخصص في تقديم اللون الرومانسي كأغلب النجوم في هذه الفترة، لكنه كان حريصا على تقديم أدوار مختلفة تماما، فقدم الرومانسي في "اللقاء الثاني" و"دعاء الكروان" و"النظارة السوداء" و"الطريق المسدود" و"غرام الأسياد"، وقدم شخصيات تحمل أبعادا نفسية في "مع الذكريات" و"الزوجة العذراء" و"لن أعترف".

لكنه أيضا قدم سائق القطار الذي لا يجيد ثقافة التعامل مع المرأة وصاحب السلوكيات المنفرة في "لوعة الحب"، وفي "الأيدي الناعمة" المأخوذ عن مسرحية لتوفيق الحكيم قدم شخصية نبيل مصري ينتمي لعصر ما قبل ثورة يوليو/تموز ويرفض العمل لكونه أرستقراطيا قبل أن يراجع قناعاته ويتقبل التحولات التي يحملها الواقع الجديد.

النصاب الكوميدي

قدم أحمد مظهر شخصية النصاب الكوميدي في أكثر من فيلم منها "العتبة الخضراء" مع إسماعيل ياسين، و"لصوص لكن ظرفاء" الذي جمعه بعادل إمام، وأجاد تقديم الكوميديا في أعمال أخرى مثل "الجريمة الضاحكة" مع سعاد حسني، وشارك في الفيلم الاستعراضي الغنائي الكوميدي "أضواء المدينة". كما قدم شخصية الوزير الفاسد قاسم بك الذي يستغل منصبه لإقامة علاقات في "القاهرة 30".

مواهب متعددة

موهبة أحمد مظهر الفنية لم تقتصر على التمثيل، فقد برع أيضا في الكتابة والإخراج، وكتب فيلمين قام بإخراجهما، الأول هو "نفوس حائرة" 1968، والثاني فيلم "حبيبة غيري" عام 1976 عن جندي الصاعقة الذي يفقد صديقه في عملية فدائية فيصاب بصدمة يفصل بعدها من الخدمة ويصبح "دوبلير" (الشخص الذي ينوب عن الممثل أو البطل في التمثيل) في المشاهد الخطرة.

دراما ومسرح

رصيد أحمد مظهر الذي وصل إلى ما يقرب من 158 عملا ولم يخل من الدراما والمسرح أيضا، فمع تقدمه في العمر شارك في مسلسلات منها المسلسل التاريخي "عصر الفرسان" ومسلسل "ضد التيار" و"ضمير أبلة حكمت"، وفي المسرح شارك في مسرحية "الوطن" و"التفاحة والجمجمة".

وسام عبد الناصر

كللت موهبة أحمد مظهر الكبيرة بالعديد من الأوسمة والتكريمات خلال مشواره، فحصل على وسام العلوم والفنون من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كما منحه الرئيس الراحل محمد أنور السادات معاش الضباط الأحرار، وحصل أيضا على جائزة الممثل الأول عن فيلم "الزوجة العذراء" في عام 1960.

ورشة ميكانيكا

في إحدى فترات حياته قرر أحمد مظهر اعتزال الفن بعدما أصرت الفنانة سعاد حسني أن تتصدر الأفيش ويُكتب اسمُها قبله، خاصة وأنها شاركته العديد من الأفلام وهي لا تزال في خطواتها الأولى بينما كان هو نجما كبيرا، فقرر الاعتزال وأنشأ ورشة لتصليح السيارات لشغفه بالميكانيكا لكنه لاحقا عدل عن قرار اعتزال الفن فكان آخر أعماله مسلسل "ضد التيار" عام 1997.

مواقف مؤلمة

مر أحمد مظهر بالعديد من المواقف الصعبة والمؤلمة في حياته، فقد اعتاد أن يترك مسدسه مملوءا بالذخيرة، فقام ابنه شهاب بقتل صديق عمره بالخطأ بإطلاق رصاصة طائشة أودت بحياة صديق والده الذي مات على الفور، وهو ما أدى إلى انفصال أحمد مظهر عن زوجته وأم أبنائه الأربعة واتهمها بالإهمال وشعر بحزن شديد خاصة وأنه كان يحبها بشدة. كما تألم لفترة كبيرة لمقاطعته شقيقته الصغرى فاطمة مظهر التي أصرت على دخول عالم الفن رغم رفضه.

نباتات نادرة

على الرغم من وطنيته الشديدة فإن أحمد مظهر شعر بحزن شديد وبكى على شاشة التلفزيون في لقائه بالإعلامي مفيد فوزي بعد قرار الحكومة بناء طريق دائري لتسهيل الحركة يمر من داخل حديقة الفيلا الخاصة به، وطلب من المسؤولين إنقاذ حديقته، لكن المحاولة باءت بالفشل. وبعد رحيله في الثامن من مايو/أيار 2002 عن عمر يناهز 84 عاما بعد صراع مع أمراض الرئة والصدر، حوّل ابنه المهندس شهاب الحديقة إلى مركز للبحث العلمي حيث تضم أكثر من 3500 نوع من الأشجار والنباتات النادرة.

المصدر : الجزيرة