فيلم ديزني الأحدث "روح".. عمل فلسفي للكبار قبل الصغار

وصف النقاد "روح" بأنه واحد من أجمل أفلام بيكسار وديزني (مواقع التواصل)

صدر مؤخرًا فيلم "روح" (Soul) إنتاج عملاقي الرسوم المتحركة بيكسار وديزني، وهو من إخراج بيتي دوكتر مخرج روائع الشركتين السابق مثل "فوق" (Up) و"قلبًا وقالبًا" (Inside out). وقام بالأداء الصوتي كل من جيمي فوكس وتينا فاي، وبسبب إغلاق دور العرض في العديد من الدول تم عرض الفيلم على منصة ديزني بلس بالتوازي مع العرض السينمائي بالدول التي لا تعمل فيها هذه المنصة الإلكترونية.

"روح" والبحث عن الحياة

غزل "روح" عدة خيوط مختلفة في نسيج واحد رائع وجميل. بداية، يلفت نظرك فيه بأنه أول فيلم من شركة "بيكسار" يقدم بطلًا من أصول أفريقية، وهو لم يعن بلون البشرة فقط، ولكن الأهم الإرث الذي يحمله هذا اللون، والثقافة الكاملة التي تقبع وراءه، لذلك ربط بين الشخصية الرئيسية وبين موسيقى الجاز، تلك الإضافة الثقافية التي قدمها المواطنون القادمون من هذه القارة إلى الموسيقى العالمية وانتشرت بعد ذلك فلم تعد قاصرة عليهم.

 

وأتت أزمة الشخصية الرئيسية لتقدم بعدين إضافيين، وهما العلاقة بين الشغف والحياة، فـ "جو" بطل الفيلم رجل في منتصف العمر يعشق عزف موسيقى الجاز ولكن يعمل مدرس موسيقى يعلم الأطفال متوسطي أو محدودي الموهبة. ونبدأ معه الفيلم في مفترق طرق، فهو يحصل على فرصته الأولى لمتابعة شغفه في اليوم الذي يصبح فيه موظفًا دائمًا في المدرسة، ليصبح عليه الاختيار بين الأمان المادي والحلم.

وليتم إضفاء خطر جديد يدفعه إلى اتخاذ القرار حيث يصاب في حادثة، وينتقل إلى عالم آخر غير واقعي، وعليه القيام بحيلة ليستطيع العودة إلى حياة بالاستعانة بشخصية أخرى فاقدة الرغبة في الحياة.

ويمكن اعتبار أن لون الشخصية وموسيقى الجاز هما الخلفية التي يدور أمامها الصراع الرئيسي في الفيلم، وهو محاولة جو استعادة حياته، ليحقق حلمه، ولكن القصة لم تتوقف هنا لتصبح عادية كأفلام عدة، البحث فيها عن الهواية أو الشغف هو المنتهى، بل ماذا بعد ذلك؟

المخرج دوكتر اشتهر بتقديم أفلام ذات أفكار فلسفية للغاية، وفي هذا الفيلم أخذ خطوة إضافية للأمام، حيث بحث في واحد من أهم الأسئلة التي يتجاهلها البشر كل يوم، وهو ماذا بعد تحقيق الحلم، ماذا بعد إيجاد الشغف؟ هل تلك نهاية المطاف؟ وجاءت الإجابة من خلال الأحداث التي ناقشت ماهية الحياة ذاتها والدافع وراء المضي اليوم بعد الآخر.

كل العوامل تتضافر

رغم أن أفلام بيكسار وديزني تقدم بصورة شبه دائمة رسوما متحركة رائعة للغاية، وأن الشركتين تستغلان التقدم التقني والتغيرات التكنولوجية التي تحدث يومًا بعد اليوم، فإنهما بلغا حدًا يقرب من الكمال في أحدث أعمالهما "روح" الذي بدت الرسوم فيه أقرب إلى الحقيقة في تصوير الشخصيات على الأخص، والأدوات المختلفة في عالم البشر، وفي ذات الوقت أبدعت في الشكل السريالي للعالم الموازي.

وتضافرت موسيقى الجاز مع هذه الرسوم والأداء الصوتي لفوكس وفاي لتقديم عالم متكامل ومبهر وفاتن يجذب انتباه الكبار قبل الصغار، خاصة مع الأفكار الفلسفية التي قدمها الفيلم بسلاسة تجعله ملائمًا لكل الأعمار.

ولكن هذه النقطة الأخيرة الخاصة بالأعمار هي العيب الوحيد الخاص بالفيلم، فخلال محاولته الالتزام بتقديم محتوى ملائم للفئة العمرية الأصغر، لم يستطع أن يقدم فكرة الموت بشكل واضح، وبالتالي ضاع عامل الخطر وضاعت كذلك الكفة الموازية لأهمية الحياة، والتي لم تضح بشكل مباشر لأن المكافئ المباشر للحياة هو الموت.

وفي ذات الوقت لم يتم تقديم الفكرة الأساسية وهي المفارقة بين الحياة والشغف، وأن الأولى دائمة مستمرة، في حين أن الأخير لحظي ووقتي إلا في الربع الأخير من الفيلم، حيث تم ابتذال فكرة الشغف والهدف في الحياة بالعديد من الأعمال حتى فقدت الكلمة معناها وأهميتها، وكان الفيلم فرصة مميزة لتغير هذه المفاهيم وتنقيتها.

وبالتالي لم يتم توضيح الفكرة بما فيه الكفاية، وظلت حتى اللقطة الأخيرة مبهمة بشكل ما، رغم أهميتها الكبيرة، وكونها القيمة المضافة للعمل بين الأفلام الأخرى التي تحدثت عن ذات الموضوع.

ورغم هذا العيب يبقى "روح" واحد من أجمل أفلام بيكسار وديزني، وعملًا سيبقى للأجيال القادمة مع أفلام أخرى مثل "فوق" و"قصة لعبة" و"والي" لأن تلك الأعمال لم تختر فقط تقديم المتعة والمرح لمشاهديها، ولكن كذلك سعت إلى البحث في الأفكار والمشاعر التي تمر بكل شخص يوميًا لكن لا يستطيع توصيفها، وبلورت هذه المعاني المجازية في صورة رسوم متحركة رائعة تخلب أبصار وعقول الكبار قبل الصغار.

المصدر : الجزيرة