ثورة يناير.. حاضرة في الذاكرة وغائبة عن الشاشة

أحمد حلمي بطل فيلم "18 يوم" (مواقع التواصل )

في ثمانينيات القرن الماضي بدأت الدراما المصرية اتخاذ نهج قيمي يقوم مضمونه على رفض الظلم، والتقطت السينما الخيط لتعبر في التسعينيات عن الغضب الشعبي تجاه غياب العدالة.

وعلى ذلك، أسهم الفن في نشأة جيل سيقوم بعد سنوات بثورة تطيح برأس السلطة القمعية، لكن هذا الجيل لن يجد فنا يمثل حلمه المحقق على الشاشة، وإذا وجده فيكون نادرا أو ممنوعا أو غير لائق بحلمه.

فبعد 10 سنوات من ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، تبدو الشاشة الفنية خالية من التيار الثوري الذي سبق أن تزعمه دراميا الكاتب أسامة أنور عكاشة، وسينمائيا الكاتب وحيد حامد، وأصبح الهجوم على روح التغيير سمة الأعمال المقدمة.

بل أصبح حدث الثورة نفسه عبئا على صناع الفن في مصر؛ يتحاشونه قدر المستطاع تفاديا للمنع أو الخسارة، أو عن قناعة بأن ما جرى في يناير فعل لا يستحق الذكر، في حين بقيت محاولات قليلة معبرة أنتج أغلبها في عام الثورة أو العامين التاليين لها.

سينما الثورة

رغم دائرة التعتيم التي يقبع داخلها، يظل فيلم "18 يوم" العمل الفني الأبرز لثورة يناير، الذي شارك في تمثيله وتأليفه وإخراجه عدد كبير من الفنانين المصريين، وتم تصويره في أعقاب الثورة مباشرة.

حاول الفيلم تقديم مسببات الثورة وأحداثها من خلال 10 حكايات مختلفة تشترك كلها في توثيق 25 يناير، ورغم ما يبدو عليه العمل من ضعف فني ناتج -في الأساس- من السرعة في صناعة عمل يواكب الفعل الاحتجاجي، فإنه وجد مكانه في العرض عبر مهرجانات دولية.

ولم يُعرض الفيلم في مصر إلا مرة واحدة عام 2013، خلال فعاليات مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية، وفشلت جميع محاولات الشركات الثلاث المنتجة للعمل في الحصول على تصريح بعرضه جماهيريا.

ورغم أن الجهات الرقابية نفت منع عرض الفيلم تحت مبرر أنه لم يُعرض من الأساس عليها لتجيزه أو ترفضه، فإن بعض صناع العمل أكدوا غير ذلك، مثل المخرج يسري نصر الله الذي صرح بأن الفيلم ممنوع من قبل جهاز الرقابة على المصنفات الفنية.

أما فيلم "بعد الموقعة"، الذي أنتج عام 2012، فركز على إحدى محطات أيام الثورة، وهو يوم الثاني من فبراير/شباط 2011 المشهور "بموقعة الجمل"، حيث تعرض المعتصمون بميدان التحرير إلى هجوم من قبل رجال يمتطون الجمال والخيل كمحاولة لفض الاعتصام.

حصل الفيلم على جائزة خاصة من مهرجان مونس السينمائي الدولي ببلجيكا، وشارك في مهرجان "كان" السينمائي عام 2012، ولم يُمنع من العرض في دور السينما بمصر كما جرى مع فيلم "18 يوم"، لكن لم تمض أسابيع قليلة حتى رُفع من دور السينما، ولم يُعرض على شاشات التلفزيون المصري.

تلت الفيلمين محاولات لرصد الحدث الثوري أنتجت عامي 2012 و2013، مثل "حظ سعيد" بطولة أحمد عيد، و"الشتا اللي فات" بطولة عمرو واكد، و"فرش وغطا" بطولة آسر ياسين، و"قبل الربيع" بطولة حنان مطاوع، و"بعد الطوفان" لأحمد عزمي، وجميعها لم تلق ترحيبا للعرض على الشاشة.

وكان عام 2015 آخر أعوام تناول ثورة يناير فنيا، فتم إنتاج فيلم "نوارة"، بطولة منة شلبي وإخراج هالة خليل.

ويعد هذا الفيلم أكثر الأعمال السينمائية المعبرة عن مآلات الثورة، فضلا عن تميزه من الناحية الفنية التي أهلته للحصول على 8 جوائز من مهرجانات محلية ودولية.

الدراما

"آدم" و"تحت الأرض" و"الهروب" و"المواطن إكس"؛ 4 مسلسلات أنتجت في عام الثورة والعامين التاليين، وارتكزت على معالجة موضوع التعذيب الذي مارسته الأجهزة الأمنية ضد مواطنين كأحد أسباب انفجار الغضب الشعبي في 25 يناير.

كذلك تناولت أعمال أخرى أحداث الثورة من زوايا مختلفة مثل "دوران شبرا" و"خاتم سليمان" و"العراف" و"طرف ثالث" و"ابن النظام" و"باب الخلق".

وفي عام 2014، اختفى تناول ثورة يناير على الشاشة، وكان التعامل الرسمي مع مسلسل "أهل إسكندرية" بمثابة رسالة لكل صناع الدراما والسينما؛ مفادها غلق الأعين عن النظرة الفنية لـ25 يناير.

تم منع عرض "أهل إسكندرية" الذي ألفه الكاتب المعارض للسلطة بلال فضل، وشارك في تمثيله عدد من الفنانين الذين يشاركون المؤلف الرأي السياسي نفسه، مثل عمرو واكد وبسمة وهشام عبد الله.

الملفت أن مدينة الإنتاج الإعلامي (مؤسسة حكومية) هي التي أنتجت المسلسل بميزانية تجاوزت 20 مليون جنيه، لكنها تراجعت عن عرضه رغم طرحها الإعلان الترويجي له.

وصرح وقتئذ أسامة هيكل، وزير الإعلام الحالي ورئيس مجلس إدارة مدنية الإنتاج الإعلامي حينها، بأن الإطار العام للمسلسل فيه مساس بالأمن القومي للبلاد، وهو ما عده أمرا مرفوضا تماما، مضيفا أن المؤلف استوحى أحداث العمل لخدمة جماعة الإخوان المسلمين على حساب الدولة المصرية.

في مقابل ذلك، تبنى النظام على مدار الأعوام السبعة الماضية -من خلال أذرعه الإعلامية- عددا من الأعمال الفنية التي تضع رجل الشرطة المصري في إطار البطولة والتمجيد، مثل مسلسلات "كلبش" و"الحصان الأسود"، وكذلك رجال الجيش بوصفهم المضحين الأوائل من أجل البلاد في ظل تجاهل تام للثورة، التي أحيانا يتم ذكرها على لسان أبطال تلك الأعمال باعتبارها فوضى نجحت الأجهزة الأمنية في منعها.

المصدر : الجزيرة