أسئلة لم يجب عنها "صاحب المقام".. كيف تكرس للأسطورة وتستدر الدموع دون مبرر؟

آسر ياسين في فيلم "صاحب المقام"
الفيلم لم يقدم مبررا دراميا لشخصية يحيى المادية الجافة (مواقع التواصل)

يمكن اعتبار موسم عيد الأضحى السينمائي 2020 الأسوأ على الإطلاق، فبمقارنة بسيطة نجد أن العام الماضي عُرض في الموسم ذاته كل من فيلم "ولاد رزق 2" و "الفيل الأزرق 2″ و"الكنز 2" و"خيال مآتة"، وهي أفلام حققت إيرادات ممتازة حتى لو تم الاختلاف على بعضها من الناحية الفنية.

ولكن هذا العام لم يُعرض سوى فيلمين فقط، هما "صاحب المقام" على منصة شاهد، و"الغسالة" في دور العرض، والفيلمان مخيبان للآمال بالفعل.

العرض الإلكتروني

عُرض فيلم صاحب المقام على منصة "شاهد في آي بي"، ليبتعد المنتج أحمد السبكي عن احتمالية الخسارة المادية، وذلك أسهم في وصول الفيلم إلى قاعدة جماهيرية كبيرة في وقت قياسي لم يكن يحدث بأي حال من الأحوال مع العرض السينمائي العادي.

فبعد بدء العرض على شاهد بأقل من ساعة تمت قرصنة الفيلم ووضعه على منصات ومواقع "غير شرعية" مختلفة، مما جعل الفيلم يحقق انتعاشة على مواقع التواصل الاجتماعي بين الجمهور المتعطش لمشاهدة أي فيلم جديد.

وبالسرعة نفسها بدأ الجدل حول الفيلم، وجودته، ومدى اقترابه بشكل خطر من الأساطير الشعبية، والبعد عن الدين الأصيل، مع التعليق على بعض مشاكله الفنية.

تكريس للأسطورة

يتناول فيلم "صاحب المقام" قصة يحيي، وهو رجل أعمال شاب يبني مجمعا سكنيا في أحد المناطق التي يتواجد بها مقام لشخص يدعى "سيدي هلال"، ويحذره أحد شركائه من هدم المقام، ولكنه لا يبالي ويقوم بالأمر، وبعد ذلك تبدأ حوادث سيئة، منها دخول زوجته في غيبوبة، فيبدأ في محاولة استرضاء الأولياء.

تضرب هذه القصة في مقتل كل محاولات التخلص من فكرة أولياء الله الصالحين، والشفاعة التي سيطرت قرونا على المصريين، حيث عاد حنين بعض المشاهدين لمثل هذا التدين الزائف.

ويتعارض الفيلم بصورة كبيرة مع ما ناقشه كاتب الفيلم إبراهيم عيسى في فيلمه السابق "الضيف"، الذي تناول محادثة بين شخص علماني وآخر سلفي، حيث ظهر فيه أسلوب التفكير المنطقي، ولكن في فيلم "صاحب المقام" يبدو كما لو أنه رمى هذا الأسلوب جانبًا ليداعب الأساطير الشعبية لدى المشاهدين.

أراد عيسى من الفيلم التركيز على فكرة الإيمان، والعلاقة بين الإنسان وربه مهما كانت ذنوبه أو طبقته الاجتماعية، فنجد أن مدمن المخدرات والعاهرة السابقة يرسلان رسائل إلى الله عبر الإمام الشافعي، وقد حاول المخرج ابتزاز مشاعر المشاهدين بالفعل في هذه المشاهد، خاصة لاستدرار دموع الإيمان من المتفرجين.

تنميط الشخصيات

للمرة الثانية على التوالي، قام إبراهيم عيسى ككاتب سيناريو بتقديم شخصيات منمطة تمامًا، ففي فيلم الضيف لدينا شخصيتان رئيسيتان؛ أحدهما الكاتب العلماني المثقف، والثاني الشاب السلفي المحمل بكلمات وأفكار لا يعلم أصولها.

وهذه المرة في فيلم صاحب المقام قام بالأمر نفسه، لكن على مجال أوسع قليلًا، فنجد أمامنا يحيى رجل الأعمال التقليدي الذي لا يهتم سوى بالنجاح المادي، فيهمل عائلته ولا يهتم بابنه، بينما زوجته هي امرأة جميلة أنيقة تحاول استرجاع محبة زوجها بشتى الطرق، بالإضافة إلى الشخصيتين اللتين قدمهما بيومي فؤاد؛ وهما حليم وحكيم، شركاء يحيى التوأمان، حيث يمثل أحدهما الخير والآخر الشر، وتم التمييز بينهما بصورة مثيرة للسخرية للغاية عن طريق الملابس ولدغة في النطق.

ورغم أن التوأمين يرتديان ملابس واحدة تميز توجه كل منهما طوال تواجدهما في مكتب يحيى، فإنهما في الحفل تبادلا الأدوار لسبب غير مفهوم؛ فالشخصية الطيبة ارتدت البدلة السوداء، وارتدى توأمه الشرير البدلة البنية الفاتحة، وكذلك في مشهد هدم الضريح، حتى أصبح التمييز بين حليم وحكيم أمرا مربكا للغاية أمام المشاهدين.

شخصيات سطحية دون أي مبررات درامية (مواقع التواصل)

أسئلة لم يجب عنها الفيلم

إذا أخذنا فيلم "صاحب المقام" على محمل الجد الدرامي والفني؛ فالمؤلف لم يضع بين أيدينا إجابات تتعلق بالحبكة الدرامية، مثل كيف وصل يحيى لعناوين المريدين وزوار المقامات؟

وطوال الأحداث لم يشرح لنا الكاتب لماذا "يحيى" مادي لهذه الدرجة كما لو أن ذلك أمر مسلم به؟ أو لماذا يؤمن رجل أعمال كبير مثل حكيم بالمقامات والشفاعة؟ وكيف اقتنع رجل الأعمال المادي المراوغ بأن شفاء زوجته سيتحقق باتباع نصائح من حوله باسترضاء الأولياء؟

هذا بالإضافة إلى شخصية غير مفهومة تمامًا وهي "روح" التي قدمتها يسرا، وهي امرأة لا نعلم إن كانت حقيقية أو وهم، تظهر من حين لآخر ليحيي حتى ترشده للتخلص من آثامه واسترجاع "رضا الأولياء"، وفي الوقت ذاته يراها الآخرون ولكن لا يعلمون من هي أو سبب وجودها حولهم بلا أي شعور بالاستغراب، إذ تظهر تارة ممرضة وتارة أخرى طبيبة، ولا مانع من ظهورها فرد أمن في المستشفى نفسه.

شخصية روح مفتعلة تمامًا وخارجة حتى عن سياق الفيلم، وإمعان من الكاتب في الغوص في عالم الماورائيات، وتضفيره مع أمور شائكة مثل الإيمان بالشفاعة والتواصل مع الله.

إلى جانب سذاجة خداع زوجة يحيى للأطباء الذين يرون حالتها مستقرة لكنها في الغيبوبة ولا يجدون تفسيرا طبيا لحالتها، ورغم ذلك يتقبل الجميع الأمر، بينما تتحسن تدريجيا بـ"تربية يحيى روحانيا"، حسب خطة روح، وما علاقة زيارة يحيى للكنيسة وقراءة "الفاتحة" بها تقربا للإمام الشافعي.

شخصية روح مفتعلة تمامًا وخارجة حتى عن سياق الفيلم (مواقع التواصل)

أول فيلم صوفي

أعلن إبراهيم عيسى عدة مرات أن فيلم "صاحب المقام" هو أول فيلم صوفي على الإطلاق، كما لو أنه يبدأ نوعا سينمائيا جديدا في فيلمه هذا، ومن دون توضيح أساسيات هذا الفيلم الصوفي، هل كل فيلم يتحدث عن الشفاعة وأولياء الله الصالحين يعد فيلما صوفيا؟ لو هذه هي الحال لكان فيلم "قنديل أم هاشم" إنتاج عام 1968 هو بالفعل أو فيلم صوفي.

في النهاية فيلم "صاحب المقام" بالتأكيد ليس أول فيلم صوفي لأنه لا يوجد ما يسمى فيلما صوفيا في الأساس، ولكنه فيلم متواضع للغاية، من حيث الفكرة والمضمون، أو الناحية الفنية، حتى على الصعيد التقني شابت الفيلم مشكلة في "المكساج" أو مزج الأصوات، ليعلو صوت الموسيقى التصويرية على الحوار، ويجعل المشاهدة أمرا مزعجا للغاية.

المصدر : الجزيرة