سقطت عصا "إنيو موريكوني".. المايسترو الإيطالي الذي أحدث ثورة بموسيقى أفلام الغرب الأميركي

رحيل المايسترو الإيطالي إنيو موريكوني بعد أن قدم 500 مقطوعة موسيقية (غيتي إيميجز)

سقطت عصا "المايسترو" من يد عبقري الموسيقى العالمية، الإيطالي إنيو موريكوني (1928-2020)، بوفاته فجر الاثنين عن عمر ناهز 91 عاما، بعد أن ظل يُلوّح بها للأوركسترا التي عزفت له نحو 500 مقطوعة موسيقية لأفلام ومسلسلات "ويسترن"، ورومانسي وكوميدي ودراما وإثارة ورعب، بالإضافة إلى 100 عمل موسيقي كلاسيكي، على مدى 7 عقود.

اشتهر موريكوني بمؤلف "الويسترن سباغيتي" (The Western Spaghetti)، بعد أن جاء من بلده إيطاليا ليفجر ثورة في أفلام الغرب الأميركي مع المخرج سيرجيو ليوني، عبر الابتكارات والأدوات غير التقليدية التي أدخلها في التأليف الموسيقي كالأجراس والقيثارات الإسبانية والهارمونيكا والإيقاعات التي لا تُنسى، كأنه أضاف حيوية "معكرونة السباغيتي" الإيطالية الشهية إلى سخونة شرائح لحم ثقافة "الكاوبوي" (Cowboy) القاسية.

أدهش موريكوني هوليوود بنوع من الموسيقى التصويرية حملت كثيرا من الأفلام نحو الخلود، بدأها في ستينيات القرن الماضي بموسيقى فيلم "حفنة من الدولارات"، ثم موسيقى الفيلم الأيقونة "الطيب والشرير والقبيح"، وصولا إلى عام 2015 حيث رائعته "الثمانية المكروهون"، التي منحته الأوسكار. فإلى باقة من موسيقى أفلامه التي غيّرت صوت السينما إلى الأبد.

"حفنة من الدولارات"

شهد عام 1964 إنتاج فيلم "حفنة من الدولارات" (A Fistful of Dollars) ليكون نقطة البداية لانطلاق تجربة إنيو موريكوني الموسيقية السينمائية المتفردة، بموسيقاه الساحرة في أفلام الغرب الأميركي "الويسترن" التي أخرجها رفيق دربه سيرجيو ليوني في ستينيات القرن الماضي. وعُرفت بموسيقى "الويسترن سباغيتي" التي أبهرت الجمهور وهو يشاهد راعي البقر الغامض "رجل بلا اسم" (كلينت إيستوود) يتهادى شاهرا مسدسه وسط بلدة تكساس الريفية في القرن 19، على إيقاع خلطة موسيقية مدهشة تشكلت من العناصر السيمفونية والطلقات النارية والقيثارات والأجراس وترانيم الكورال وصفير آلة الفلوت؛ لتصبح أول موسيقى تصويرية لا تُنسى في تاريخ السينما، وتؤهل موريكوني للصعود عالميا.

من أجل حفنة أخرى من الدولارات

في العام التالي 1965، وبعد النجاح المذهل الذي حققه، يجد موريكوني الطريق ممهدا لاستكمال تجربته الفريدة مع الفريق نفسه: ليوني مخرجا وايستوود نجما؛ فيؤلف موسيقى فيلم "من أجل حفنة دولارات أخرى" (For a Few Dollars More)، ولكن بمزيد من العبقرية جعلتها تكتسح العالم، حتى وصفها "ليوني" بأنها "لا بديل عنها"، وكان يطلب منه تأليف الموسيقى قبل التصوير حتى يصمم مشاهد الفيلم بوحي منها.

"الطيب والشرير والقبيح"

يأتي عام 1966، ويمضي موريكوني نحو القمة بالعمل الثالث له مع فريق "الويسترن سباغيتي": ليوني وايستوود، ضمن ما سُمي وقتها "بثلاثية الدولارات"؛ بتقديمه موسيقاه الأكثر شهرة في فيلم "الطيب والشرير والقبيح" (The Good, the Bad and the Ugly)، بألحانها الموضوعية الكلاسيكية مع القيثارات الكهربائية والصرخات الصوتية الدرامية التي تحاكي عواء الذئاب. حتى صارت أيقونة ارتبطت باسم موريكوني، وتخطت شهرتها الفيلم الذي حل في المرتبة التاسعة بقائمة موقع "آي إم دي بي" لأعظم 250 فيلما في التاريخ، وما تزال "أوركسترات" العالم تعزفها حتى اليوم.

 

"حدث ذات مرة في الغرب"

بمجيء عام 1968، كان جمهور السينما على موعد مع ملحمة كلاسيكية تحكيها موسيقى موريكوني في فيلم "حدث ذات مرة في الغرب" (Once Upon a Time in the West) من إخراج سيرجيو ليوني وبطولة هنري فوندا وتشارلز برونسون. عبر شريط صوتي لموسيقى الهارمونيكا ينقل جميع المكونات المتوقعة لقصة غريبة وغامضة في جو غربي وحشي؛ امرأة يائسة سيئة السمعة، وأرملة جميلة في خطر، وقاتل لا يرحم.

"حدث ذات مرة في أميركا"

في عام 1984، يعود موريكوني مع ملحمة أخرى من ملاحم سيرجيو ليوني، وبطولة روبرت دينيرو، وموسيقى فيلم "حدث ذات مرة في أميركا" (Once Upon a Time in America)، موظفا سحر الهارمونيكا والآلات الوترية لاستكشاف معاني الصداقة والحب المفقود ومرور الوقت، وتوصيل مزيج من المشاعر المخيفة والمروعة التي تبثها العصابات اليهودية في نيويورك، معتبرا هذا العمل "أفضل أعماله".

 

"المهمة" (The Mission)

أما في عام 1986، فقد أبدع إنيو موريكوني بدمج جوقة الباروك مع الطبول القبلية، لاستحضار الصدام الثقافي بين اليسوعيين الإسبان والهنود الأمازونيين في القرن 18؛ في موسيقاه التصويرية لفيلم "المهمة" (The Mission) التي رُشحت لجائزة الأوسكار آنذاك، وسرقت الأضواء من إخراج رولاند جوفي، وأداء روبرت دي نيرو وجيريمي آيرون الرائعين.

 

"الممنوع لمسهم"

وفي العالم التالي 1987، وضعتنا موسيقى موريكوني في أجواء التوتر والخطر وإثارة دراما العصابات، ونحن نشاهد كفاح الوكيل الفدرالي إليوت نيس (كيفن كوستنر) لإيقاف آل كابوني (روبرت دي نيرو)، في فيلم "الممنوع لمسهم" (The Untouchables) للمخرج بريان دي بالما، وموسيقاه المثيرة التي رُشحت لجائزة الأوسكار، وفازت بجائزة "بافتا".

 

"سينما باراديسو"

في عام 1988، ألهم المخرج جوزيبي تورناتور المايسترو موريكوني ألحانا شديدة التأثير بقصته عن الصداقة التي جمعت بين صبي صغير وخبير عروض سينمائية، في فيلم "سينما باراديسو" (Cinema Paradiso)، وأشرك فيها ابنه أندريا لأول مرة، وفازت بجائزة "بافتا" عام 1990.

"الثمانية المكروهون" (The Hateful Eight)

ولأن الرحلة مع الأسطورة إنيو موريكوني تطول، سنضطر للقفز إلى عام 2015، حيث قدم واحدا من أروع ألبوماته الموسيقية مع المخرج كوينتين تارانتينو، الذي يعتبره موسيقاره المفضل ويقتبس موسيقاه في جميع أفلامه، من خلال موسيقى جديدة جسدت الشعور بالقلق وعدم الارتياح والتوتر والرعب، في فيلم "الثمانية المكروهون"، وتسلم عنها الجائزة في حفل توزيع جوائز أوسكار 2016.

حصل موريكوني على جائزة الشرف الأكاديمية عام 2007، وفاز بـ3 جوائز غولدن غلوب، بالإضافة إلى 4 جوائز جرامي، و6 جوائز "بافتا"، وباع أكثر من 70 مليون ألبوم.

المصدر : مواقع إلكترونية