الإنتاج التلفزيوني في الجزائر.. تألق عالمي وفقر محلي

برنامج تلفزيوني جزائري
يعاني الإنتاج التلفزيوني في الجزائر من أزمة كبيرة نتيجة ضعف المستوى الفني (مواقع التواصل)

تحفل وسائل الإعلام بأخبار تتحدث عن تألق جزائريين من مخرجين وممثلين وروائيين ونقاد عالميا، بينما يعاني الإنتاج الفني الداخلي من عدة أزمات، مما يعكس خللا واضحا في استغلال المواهب والطاقات الإبداعية لدى الفنانين الجزائريين، ولا سيما إذا ما أتيحت الفرصة أمامها لتفجير كل مواهبها.

لكن الملاحظات التي ظلت تسجلها "سلطة السمعي البصري" -هيئة مستقلة أنشئت لضبط المحتوى ومنع التجاوزات في الإنتاج التلفزيوني- وما تنقله وسائل التواصل الاجتماعي من استهجان متكرر، يعكسان حجم التناقض الكبير بين الإبداع الفني والواقع المتدني.

وعلى الرغم من إحراز الجزائريين الجوائز الدولية والتقدير في الخارج، فإن المستويات الفنية الضعيفة في الداخل أصبحت في أعين الجزائريين "قدرا محتوما"!

ففي شهر رمضان الذي تجتمع فيها العائلة الجزائرية أمام التلفزيون، قامت سلطة "السمعي البصري" بتوجيه إنذارات للعديد من القنوات التلفزيونية الخاصة، بسبب شكاوى وصلتها من مواطنين عقب برامج تم بثها، اعتبروا أن مضمونها يشكل "إساءة للأعراف الاجتماعية والثقافية والروحية" للجزائريين.

من جهة أخرى، التزم مسؤولو القنوات "المتهمة" -بحسب ما جرى تناقله إعلاميا- بمعاقبة المخطئين، وبتقديم اعتذارات لـ" الضحايا" سواء كانوا أفرادا أو جماعات، لكن ذلك لم يمنع المراقبين من الإشارة إلى حقيقة ضعف المستوى والذوق العام للإنتاج والمنتجين.

تلفزيون "البديل"

هذا الوضع العام للإنتاج الفني في الجزائر، ظهر واضحا في تقديم تلفزيون "البديل" الذي بدأ للتو البث التجريبي، تزامنا مع ذكرى استرجاع الجزائر لسيادتها الوطنية، حيث قال إنه قناة مختصة متوازنة، تنأى بنفسها عن كل ساحات الجدل والتجاذبات والاستقطابات المختلفة، وتقدم محتوى علميا وثقافيا وفكريا شاملا، ينتهج الوسطية وينبذ التطرف ويحتفي بتعدد الآراء والأفكار.

الشعارات التي رفعها "البديل" حتى وإن بدا أنها استنساخ لبعض الشعارات التي دأبت بعض الأحزاب والجمعيات السياسية على ترديدها، فهمت على أنها رسالة مباشرة لمنافسيه الموجودين في الساحة بأنه لن يكون مثلهم، وسيكون فعلا الملجأ المفضل للفئة التي تبحث عن بديل بمستوى راق.

الاحتكار وغياب التخطيط

يقول الإعلامي كمال زايت، لوكالة الأنباء الألمانية، عن سبب ضعف مستوى الإنتاج التلفزيوني في الجزائر، إنه يتعين العودة إلى الوراء قليلا، لفهم الكثير من الأمور.

وأوضح زايت أن قطاع الإذاعة والتلفزيون ظل محتكرا من طرف الدولة منذ استقلال البلاد سنة 1962 وحتى عام 2012، عندما تم الترخيص بإنشاء قنوات خاصة على عجل، حتى قبل صدور القانون المنظم لها، فظهرت دون دراسة أو تخطيط، لأن قرارا سياسيا فقط صدر بإنشائها، بغية قطع الطريق على قنوات تبث من وراء البحار.

وأضاف زايت أن الاحتكار شمل أيضا الإنتاج التلفزيوني، فلسنوات طويلة كان التلفزيون الحكومي هو الذي ينتج لنفسه، وحتى عندما ظهر بعض المنتجين من القطاع الخاص، لم تكن عملية التعامل بينهما تخضع غالبا للمعايير المهنية، الأمر الذي أثر على نوعية الإنتاج، ولم تكن الجودة المعيار الأهم في اختيار عمل فني دون آخر.

وتابع الإعلامي الجزائري أن الشيء نفسه تكرر مع تجربة القنوات الخاصة، فظهور هذه القنوات على نحو مفاجئ وبشكل غير مخطط له، خلق حاجة مستعجلة لإنتاجات تلفزيونية، وهو الأمر الذي فتح شهية الكثير من شركات الإنتاج، التي زاد عددها بغرض الاستفادة من الكعكة.

لكن أصحاب القنوات الخاصة سرعان ما استهلكوا الميزانيات، واكتشفوا أن سوق الإعلانات شحيح، وتفاقم الوضع بسبب الأزمة الاقتصادية التي بدأت تزداد منذ عام 2015، وهو ما جعل الكثير من القنوات تبحث عن الأقل تكلفة بصرف النظر عن النوعية.

برنامج تلفزيون الواقع على إحدى القنوات الجزائرية
برنامج تلفزيون الواقع على إحدى القنوات الجزائرية (مواقع التواصل الاجتماعي)

فراغ قانوني

بدوره، هاجم المنتج موسى ربيع -الذي أسس شركة إنتاج قبل نحو 10 سنوات وقام بإنتاج العديد من البرامج التلفزيونية للقنوات الخاصة- ما يسميه الفراغ القانوني الذي تسبب برأيه في حالة من الفوضى الخلاقة، تتحكم بالمشهد العام.

ووصف ربيع التلفزيونات الخاصة في الجزائر بالشركات الوهمية التي لا يمكن مقاضاتها، إذا وقع أي خلاف قانوني معها حال عدم التزامها ببندٍ في عقدٍ ما، إذ يعتبرها القانون الجزائري شركات أجنبية لكن في الوقت ذاته يسمح لها بالنشاط!

ويعيب ربيع على هذه القنوات افتقارها لموازنة تسمح لها بوضع شبكة برامجية متنوعة بإمكانها تلبية جميع الأذواق، وتؤدي ما عليها من مستحقات تجاه المتعاملين معها، كما انتقد بشدة عدم استجابتها للشروط والمعايير المتعارف عليها في المجال عربيا ودوليا.

ويذكر ربيع واقعة يقول إنه لن ينساها أبدا تتمثل في إقدام قناتين منافستين على بث برنامج واحد في اليوم والتوقيت نفسيهما، رغم أن القانون لا يجيز ذلك لكن لا أحد تدخل لوضع حد لهذه الفوضى بما فيها سلطة الضبط "التي تجاوزتها الأحداث"، على حد قوله.

ويتفق ربيع مع كمال زايت، في حديثه عن المعايير غير المهنية وغير الأخلاقية التي يتم الاستناد إليها في اختيار البرامج خاصة إذا كان مقابلها المادي مغريا جدا، مؤكدا أن ما حققته شركته من إنتاج في ظل هذه الأزمات لا يمكن وصفه إلا بـ"المعجزة".

غياب الإبداع والمهارات

من جهتها، تتحدث المخرجة والمنتجة فتيحة بوروينة، عن اقتحامها مجال الإنتاج التلفزيوني، واصفة ذلك بأصعب قرار اتخذته قبل 11 عاما، فأسست مع ولديها، وكالة للإنتاج السمعي البصري.

وتخصصت بوروينة، في صناعة الوثائقيات في محاولة منها للاستثمار في التنوع الثقافي والجغرافي للجزائر وهوياتها، مشددة على أنه ملعبها الوحيد وأنها ستمضي فيه مهما كلفها من ثمن.

وفي خضم كل هذا، يأمل محمد لوبار، رئيس سلطة ضبط السمعي البصري المعين من قبل رئيس الجمهورية في عدم تكرار مثل هذه الأخطاء التي خرجت للعلن، مؤكدا الحاجة لتطوير القطاع بالتنسيق مع جميع الفاعلين، في ظل احترام القيم والأعراف الأخلاقية والمهنية.

لكنّ ثمة إجماعا على أن الإصلاح مرهون بما تعتزم الدولة -المسؤولة عن ضبط المشهد برمته- فعله، وكأن الأمر في النهاية متوقف على إرادتها وليس على قدرات الآخرين!

المصدر : وكالة الأنباء الألمانية