لماذا ينسب نجاح الأفلام للمخرجين؟ رحلة لعالم الإخراج السينمائي

فن الإخراج السينمائي (بيكساباي)
المخرج هو المبدع الرئيسي للفيلم، الذي يقود المشاهد ليحصل على أقصى متعة فنية (بيكساباي)

عندما نتحدث أو نكتب عن أي فيلم سينمائي، نجد في الصدارة اسم المخرج، الذي ينسب إليه الفيلم بكامل تفاصيله، بل يطلق عليه أيضًا "صانع العمل"، فمن أين اكتسب المخرج كل هذه المكانة؟ ولماذا اسمه يسبق السيناريست وأبطال الفيلم المشاهير والأكثر نجومية؟

حتى نتفهم ما أهمية المخرج السينمائي يجب أن نعرف ما مهامه في الأساس، ويمكن أن نضع المخرج في معادلة بسيطة، وهي أنه الشخص المسؤول عن كل شيء في الفيلم تقريبًا: التصوير، والديكورات، ومكان التصوير، والتمثيل، والمونتاج، والصوت، وهو المشرف على كل نقطة بسيطة في الفيلم، وأي خطأ حتى لو في أمر لا يقوم به بصورة مباشرة يحاسب عليه.

بعبارة أخرى، المخرج هو المبدع الرئيسي للفيلم، وهو الذي يقود المشاهد ليحصل على أقصى متعة، والأهم أنه يروي القصة من وجهة نظر معينة اختارها بنفسه.

البداية من المسرح

مهام المخرج السينمائي انتقلت إليه من مهام المخرج المسرحي؛ هذا الفن الأصيل الراسخ وقت بداية السينما.

لذلك، وبعد اجتياز فترة صناعة الأفلام الأولى التي كان فيها صانع الأفلام أقرب للتقني الذي يفهم في التصوير بالكاميرا المستحدثة، نجد أن مخرجي الأفلام اكتسبوا صفات مخرجي المسرحيات، مثل إخبار الممثلين كيف يؤدون مشهدًا معينًا، أو تنظيم المشهد وترتيبه من الأساس، وإيجاد الحالة المزاجية التي يجب أن تُنقل للمشاهد، كالمليودراما أو الكوميديا أو الإثارة، والتي تحولت بعد ذلك لتصبح أنواعا سينمائية.

في ذلك الوقت كان المخرج -كذلك- هو الذي يكتب السيناريو العام للفيلم، ويحدد شكل الديكور والأزياء ويختار الممثلين.

تطور مهام المخرج

في الفترات الزمنية اللاحقة، وبعد انتقال صناعة الأفلام من نيويورك إلى هوليود، بدأت هذه الصناعة التوسع، سواء من حيث الكم أو الكيف، وأصبحت مهام المخرج متشعبة أكثر، ولم يعد من الممكن أن يقوم بها شخص واحد، لذلك تم توزيعها على أشخاص مختلفين، ويعمل هو على توجيههم والإشراف عليهم، حتى يخرج الفيلم متوافقًا مع رؤيته النهائية.

فعلى سبيل المثال، هو مسؤول عن التصوير، لكنه لا يصور بنفسه، بل يوجه مدير التصوير لما يتعلق بالإضاءة، وتحديد الأماكن التي ستصور، وزاوية وضع الكاميرا، مما يؤثر في النهاية على شكل وطابع الفيلم العام.

كما أنه لا يقوم بالمونتاج بنفسه، بل يختار أماكن قطعات المونتاج، وطول اللقطات المستخدمة، مما يؤثر على إيقاع الفيلم، سواء أكان سريعا أم بطيئا، ويسهم في تطوير الشخصيات مع كاتب السيناريو والقصة والحبكة.

الصراع الأزلي بين المخرج والإنتاج

واحد من أكثر الصراعات تكرارًا منذ بداية السينما وحتى اليوم يكون بين الأستوديو أو الإنتاج والمخرج، فبما أن الأول هو صاحب المال والمتحكم في الميزانية وقدرها؛ تظل له السطوة أو اليد العليا على العمل السينمائي من وجهة نظره على الأقل، على الجانب الآخر -وتقنيًا- يعد المخرج هو المتحكم الأوحد في مسار الفيلم.

وبعد انتقال السينما إلى هوليود وقيام الأستوديوهات الخمسة الكبرى فيها في فترة الثلاثينيات (باراماونت، ووارنر بروس، ومترو غولدن ماير وروكو وتوينتيث سينشري فوكس) وصناعة الأفلام بأعداد كبيرة بطريقة تشبه خطوط تصنيع المنتجات؛ لم يعد هناك مجال لوجود مخرجين منمقين يرغبون في فرض رؤيتهم على الأعمال، بل الغلبة للمخرجين الذين يخضعون لقواعد الأستوديو، ويكونون قادرين على تقديم الأفلام المطلوبة جماهيريًا في أقصى سرعة وبأقل تكلفة.

وأصبح على المخرجين إما الخضوع لهذه القواعد، أو البحث بصورة مضنية عن منتج يقدم لهم أفلامهم الخاصة من بين شركات الإنتاج الصغيرة في ذلك الوقت، وبعض المخرجين استطاعوا التماشي مع نظام الأستوديوهات الشهيرة وتقديم أفلامهم الخاصة.

على الجانب الآخر، حصل بعض المخرجين على حريتهم بإنشاء شركات إنتاج خاصة بهم، مثل شركة الممثلين المتحدين، التي أنشأها كل من الممثل والمخرج تشارلي شابلن والمخرج جريفيث.

وحتى اليوم، لا زالت هناك المناوشات ذاتها بين المخرجين وشركات الإنتاج، والتي تظهر حتى في عملية المونتاج التي قد تصر الشركة المنتجة على تعديلها بما يتوافق مع رغبات السوق، على عكس نسخة المخرج من الفيلم، أو تغيير النهاية.

سينما المؤلف

قامت مجموعة من النقاد الفرنسيين في الخمسينيات من القرن الماضي بإصدار "كراسات السينما"، ثم تحول بعض هؤلاء النقاد إلى مخرجين، وظهرت معهم ما سميت الموجة الفرنسية الجديدة، وسينما المؤلف، التي يقوم فيها المخرج بتأليف أفلامه أيضا إلى جانب عمله الأصلي.

ووصفوا هذه السينما بأنها فن الكتابة بالصورة بدل القلم، والأهم أن المخرج في ظل هذه النظرية هو المسؤول الأول والأخير عن الفيلم من دون سطوة الأستوديوهات كما يحدث في أميركا.

وانتقلت هذه النظرية بصورة سريعة إلى الولايات المتحدة، وبدأت سلسلة من التشكيك في قواعد الصناعة السينمائية الأميركية، وأهمية الأفلام والأنواع، ولكن منظري ونقاد السينما الفرنسية ذاتهم كتبوا وأثبتوا أن المخرجين الذين عملوا تحت سطوة الأستوديو استخدموا نظرية سينما المؤلف حتى قبل إقرارها في فرنسا، مثل ألفريد هيتشكوك ملك التكنيك.

المصدر : الجزيرة