محمود عبد العزيز ذو المئة وجه.. الساحر الذي نافس الزعيم دون ضجيج

الفنان المصري محمود عبد العزيز
الفنان المصري محمود عبد العزيز

الوسامة والموهبة الطاغية والقدرة على التنوع هي الخلطة السحرية التي ميزت مشوار الفنان الراحل محمود عبد العزيز، فلم يتخيل أحد أن الفتى الوسيم صاحب الملامح الأوروبية الطفولية، الذي تم حصره في الأدوار الرومانسية بداية رحلته الفنية، سيصبح هو نفسه "الشيخ حسني" الذي يتمرد على كونه كفيفا فيقود دراجة بخارية، أو يصبح "مزاجنجي" تاجر المخدرات والمطرب الشعبي في "الكيف"، والجاسوس في "رأفت الهجان"، والإرهابي في "باب الخلق".

كان الذكاء الفني أهم ما يميز محمود عبد العزيز الذي لقب بالساحر والغول، والذي تمر اليوم الذكرى الرابعة والسبعين لميلاده يوم 4 يونيو/حزيران 1946 في مدينة الإسكندرية، فقد بدأ مشواره من مسرح الجامعة أثناء دراسته بكلية الزراعة، قبل أن يعطيه المخرج نور الدمرداش الانطلاقة الحقيقية للاحتراف بدور في مسلسل "الدوامة" بداية السبعينيات.

منافس قوي لجيل السبعينيات

ساعدته ملامحه للانطلاق نحو عالم البطولة المطلقة، فأصبح منافسا لنور الشريف ومحمود ياسين، كما كوّن ثنائيا ناجحا مع العديد من الفنانات في هذه المرحلة، فقدم أولى بطولاته عام 1975 في فيلم "حتى آخر العمر" أمام نجوى إبراهيم، بعدها شارك مع سعاد حسني في أفلام "شفيقة ومتولي" ومع نيللي قدم "طائر الليل الحزين".

لكن في حقبة الثمانينيات، قرر عبد العزيز الابتعاد عن دائرة الفتى الرومانسي الوسيم، وركز على تقديم شخصيات متنوعة، فكانت البداية لتأسيس مرحلة فنية جديدة تدعم مشواره، فتنازل عن البطولة المطلقة في فيلم "العار"، وشارك في البطولة الجماعية مع نور الشريف وحسين فهمي. ومن الأعمال التي ترك خلالها بصمة أيضا في تلك المرحلة، فيلم "العذراء والشعر الأبيض"، و"تزوير في أوراق رسمية"، و"أرجوك أعطني هذا الدواء"، و"لكن شيئا ما يبقى"، و"بيت القاصرات".

جرأة التنوع

التجريب كان أيضا سمة مميزة في حياة محمود عبد العزيز الفنية، فكانت المرحلة الثالثة في مشواره هي التعاون مع مخرجين أصحاب رؤية مختلفة في هذا التوقيت، وامتدت من الثمانينيات حتى الألفية الجديدة.

فقدم أفلاما مع المؤلف والسيناريست والمخرج رأفت الميهي، منها "سمك لبن تمر هندي" و"سيداتي آنساتي" و"السادة الرجال"، وجميعها أفلام تميزت بالتجريب السينمائي وتميز أداء محمود عبد العزيز خلالها بالحس الكوميدي.

وفي العام 1985، قدم فيلم "الصعاليك" مع الكاتب والمخرج داوود عبد السيد الذي قال عنه وقتها إن تعبيراته تدل على موهبة واجتهاد وفهم للشخصية، وهو ما دفعه إلى تكرار التجربة معه في فيلم "الكيت كات" المأخوذ عن رواية إبراهيم أصلان "مالك الحزين"، وأصبحت شخصية الشيخ حسني الكفيف التي قدمها من العلامات في رحلته الفنية.

كان التلون سمة واضحة في الشخصيات التي قدمها عبد العزيز، مثل شخصية العقيد توفيق شركس في فيلم "البريء" مع المخرج عاطف الطيب، فهو قائد المعتقل السادي الذي يعذب المعتقلين ويحاول إذلالهم بشتى الطرق، بينما يبدو في منزله على النقيض وديعا مسالما.

وفي العام 2001 قدم مع رضوان الكاشف فيلم "الساحر" الذي أصبح لقبه فيما بعد.

الجاسوسية بداية التألق التلفزيوني

حين قدم محمود عبد العزيز ملحمة "رأفت الهجان" في ثلاثة أجزاء مع الكاتب صالح مرسي والمخرج يحيى العلمي، كان ذلك تمهيدا لمرحلة الانتقال إلى عالم الدراما الذي وجد فيه ضالته بعد تراجعه عن تقديم البطولات في السينما، فمن خلال المسلسل استطاع عبد العزيز أن ينجح في تقديم شخصية "جاسوس" زرعته المخابرات المصرية داخل اسرائيل، وهي ليست التجربة الوحيدة له في عالم الجاسوسية، إذ قدم أيضا فيلم "إعدام ميت".

محمود عبد العزيز في تلك المرحلة كان قد بدأ في تقديم أفلام متوسطة القيمة الفنية ولم تحقق النجاح الذي كان يحصده طوال مشواره مثل "سوق المتعة" و"هارمونيكا" و"النمس" وحتى "ليلة البيبي دول" الذي قيل حينها إنه أعلى ميزانية إنتاج في السينما المصرية، وقدرت بـ40 مليون جنيه مصري (قرابة 8 ملايين دولار)، لكنه لم يحقق النجاح المتوقع.

وتوقف عبد العزيز لفترة ربما كانت لإعادة الحسابات، فتنازل عن البطولة السينمائية في آخر أفلامه "إبراهيم الأبيض"، وقدم شخصية عبد الملك زرزور التي أعادته إلى النجاح مرة أخرى، لكنه قرر وقتها أن يعود مرة أخرى إلى الدراما مثل كبار النجوم، وكان حريصا على التعاون مع جيل الشباب من الكتاب والمبدعين فقدم مسلسلات "محمود المصري" و"باب الخلق" و"جبل الحلال".

منافسة الزعيم

لم يحدث محمود عبد العزيز ضجيجا ولا مظلومية مفتعلة في منافسته لأكبر فنان مصري، إذ انتزع البطولة من منافسه عادل إمام في عدة أدوار، مثل مسلسل "رأفت الهجان" الذي كان مرشحا له إمام، بعد نجاحه في مسلسل "دموع في عيون وقحة"، وكذلك فيلم "الكيت كات" الذي فاز ببطولته عبد العزيز بعد منافسة مع عادل إمام. أما في فيلم "حسن ومرقص" فكان عبد العزيز مرشحا لتقاسم البطولة مع عادل إمام بدلا من عمر الشريف، إلا أن عبد العزيز رفض المشاركة في الفيلم خشية أن يقوم المؤلف يوسف معاطي بالكتابة لصالح إبراز عادل إمام، بحسب تصريحات صحفية للناقد السينمائي طارق الشناوي.

وعانى محمود عبد العزيز في أواخر حياته من مرض السرطان، قبل أن يرحل عن عالمنا يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 تاركا خلفه ميراثا فنيا غنيا بالشخصيات المتنوعة والمختلفة.

المصدر : الجزيرة