مسلسلات عراقية خالفت التوقعات.. ومحاولات متعثرة للحاق بالسباق الدرامي

من كواليس تصوير إحدى المسلسلات العراقية
من كواليس تصوير أحد المسلسلات العراقية (الجزيرة)

مروان الجبوري-بغداد

في صيف عام 1957 انطلق بث التلفزيون العراقي من بغداد، ورغم كونه الأقدم في العالم العربي، فإن الدراما العراقية ظلت تراوح مكانها، باستثناء بعض الأعمال المتفرقة التي وصفت بـ"المتميزة"، فيما تسيدت الدراما المصرية الشاشة العراقية، وحظيت بإقبال واسع من عموم العراقيين، قبل أن تنافسها في السنوات الأخيرة نظيراتها الخليجية والسورية والتركية، ثم الأجنبية.

ومع ازدحام الفضاء العراقي بالعديد من القنوات التلفزيونية في الأعوام الماضية، عادت حركة إنتاج الدراما لتنتعش مجددا، بعدما كانت حكرا على التلفزيون الرسمي والشركات التي يتعامل معها، خلال العقود التي سبقت الاحتلال الأميركي.

وقد غلب على الأعمال الدرامية التي ظهرت في السنوات الأخيرة الطابع الكوميدي، وهو ما عرّضها للاتهام بـ"الإسفاف"، بسبب طريقة تناولها لبعض القضايا، واعتمادها على سخرية "غير منضبطة"، طالت فئات من المجتمع، كالأقزام وكبار السن.

أما أبرز الأعمال الفنية هذا العام فكانت: "بنج عام"، و"كما مات وطن"، و"غايب في بلاد العجايب"، و"أحلام السنين"، و"واحد + واحد"، ومسلسلات أخرى.

مشكلة إنتاج
ويرى الرئيس السابق لقسم الدراما التلفزيونية في قناة العراقية الرسمية رضا المحمداوي، أن مستوى الدراما العراقية لعام 2020 يبقى دون الطموح من حيث الكم والنوع، مع وجود بعض الأعمال الجيدة، مثل مسلسل "يسكن قلبي"، على حد قوله.

ويضيف للجزيرة نت أن عجز الدراما العراقية عن منافسة الأعمال المستوردة تقف وراءه عدة أسباب، في مقدمتها أزمة الإنتاج التي أسهم ظهور القنوات الفضائية بعد 2003 في التخفيف منها، عبر التخلص من "عقدة الإنتاج الحكومي".

إلا أن الفضائيات التي موّلت وأنتجت أعمالا درامية بدأت تعاني هي الأخرى من شح الإنتاج، وعادت مشكلة التمويل مرة أخرى، وخاصة بعد عام 2014 "عندما حدثت الأزمة الاقتصادية العالمية بسبب انخفاض أسعار النفط".

وحول طغيان الطابع الكوميدي على الأعمال الرمضانية، واتباع أسلوب السلسلة الدرامية غير المتصلة من ناحية الموضوع؛ يرجع المحمداوي السبب إلى الجانب الإنتاجي، لأن الأعمال الساخرة والخفيفة لا تحتاج إلى ميزانيات ضخمة، ويمكن من خلالها ضغط النفقات واختصار الوقت والاعتماد على أعداد محدودة من الممثلين.

‪المحمداوي: مستوى الدراما العراقية لعام 2020 دون المأمول كما ونوعا‬ (الجزيرة)
‪المحمداوي: مستوى الدراما العراقية لعام 2020 دون المأمول كما ونوعا‬ (الجزيرة)

ضرورة التعاون المشترك
أما فارس طعمة مدير دائرة السينما والمسرح السابق في وزارة الثقافة وعضو لجنة دعم الدراما العراقية، فيرى أن "الدراما العراقية عاجزة عن منافسة الأعمال المستوردة بسبب أزمة التسويق المتعلق أساسا بوجود ممثل نجم".

لكن النجم العراقي حاليا لا يستطيع تسويق أي عمل خارج حدود العراق، بسبب ظروف كثيرة ومشاكل متراكمة، من ضمنها الحصار الاقتصادي في التسعينيات ثم الحرب والاضطرابات الأمنية.

ويعتقد طعمة أن الحل يكمن في فتح آفاق تعاون مع جهات فنية عربية، وإنتاج أعمال مشتركة بمشاركة نجوم سوريين ومصريين وخليجيين وجنسيات عربية أخرى، وهو ما يمكن أن يضخ الدماء في عروق الدراما العراقية مجددا ويعيد تقديمها للمشاهدين داخل العراق وخارجه.

‪طعمة: الحل في إنتاج أعمال مشتركة مع دول عربية أخرى‬ (الجزيرة)
‪طعمة: الحل في إنتاج أعمال مشتركة مع دول عربية أخرى‬ (الجزيرة)

تابوهات ومخاطر
وقد أحدثت حلقات عدد من المسلسلات العراقية التي عرضت مؤخرا ردود أفعال مختلفة، تراوحت بين الترحيب الكبير والإدانة لطريقة تعاطيها مع الواقع المحلي.

وقد اضطر منتجو مسلسل "بنج عام" -الذي يناقش مشاكل اجتماعية في إطار كوميدي- إلى حذف إحدى حلقاته من على موقع يوتيوب، بسبب ما اعتبر إساءة في التعاطي مع مأساة السبايا الإيزيديات من قبل تنظيم الدولة الإسلامية.

أما مؤلف "أحلام السنين"، فقد قدم اعتذارا لإحدى العشائر العراقية، بعد اتهامه بالإساءة إليها، من خلال تناول المسلسل قصة منطقة ريفية في جنوب العراق تعاني من تسلط الإقطاع.

وبين التابوهات الدينية والاجتماعية، تواصل الدراما العراقية تعثرها، كما يقول الناقد الفني زياد طارق، الذي يعتقد أن التعامل مع هذه القضايا يعد عائقا كبيرا في مجتمع تسوده سلطة العشيرة والمؤسسات الدينية.

كما أن العراق يفتقر لمحترفين في صناعة الدراما، ويعاني غياب الخبرات الأكاديمية، إضافة إلى محاولة جهات الإنتاج التماشي مع الذوق العام عن طريق أعمال تتسم بـ"الإسفاف والهبوط"، ومحاكاة الشريحة الغالبة غير المتعلمة من المشاهدين، بحسب تعبيره.

ويلفت طارق إلى عدم وجود منظومة إعلامية تعنى بشؤن الفنانين العراقيين، من حيث رقابة المحتوى وضمان الحقوق وتوفير الحماية، "سواء من المؤسسة المنتجة نفسها أو الجهات الدينية والعشائرية".

أجور متدنية
ويصف مدير مسرح الرافدين عمر ضياء الدين أجور الفنانين العراقيين بـ"البائسة"، خاصة إذا ما قورنت بأجور نظرائهم السوريين على سبيل المثال، والذين تبلغ أجورهم عشرة أضعاف ما يتقاضاه الفنانون العراقيون، مؤكدا أن المسؤولية تتحملها الدولة ونقابة الفنانين معا.

ويشير ضياء الدين إلى أن أجور الممثلين العراقيين تتحدد عن طريق العلاقات الشخصية والمحسوبيات، كما أن هناك غبنا كبيرا يصيب الفنانين الشباب الذين لا يجدون فرصتهم، بسبب تكرار الوجوه القديمة، هذا فضلاً عن المشاكل المالية التي يواجهونها على صعيد شخصي.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن هناك شحا في النصوص الدرامية المتميزة التي تحتوي على أفكار ومعالجات يمكن أن تنافس من خلالها الدراما المستوردة، والتخلص من تكرار الوجوه والمواضيع الركيكة وبطء الايقاع في هذه الأعمال.

وبحسب مدير مسرح الرافدين، فإن الفضائيات العراقية حتى عام 2006 كانت تنتج في العام 3 أو 4 أعمال درامية على الأقل، مما كان يوفر فرصا جيدة للفنانين العراقيين للظهور التلفزيوني، لكن وتيرة الإنتاج تراجعت كثيرا في السنوات الأخيرة، وهو ما أضاف عبئا جديدا على الفنان العراقي.

المصدر : الجزيرة