انقلابات عسكرية ارتكبت جرائم بحق الإنسانية وفضحتها السينما

(مواقع التواصل) انقلابات عسكرية ارتكبت جرائم في حق الإنسانية وفضحتها السينما
أفلام عالمية فضحت فظائع الانقلابات ودموية الأنظمة الدكتاتورية (مواقع التواصل)

محمد صلاح

رغم التاريخ الأسود للانقلابات العسكرية، وما جرته على الشعوب من ويلات، فإن السينما العالمية لم تول هذه الجريمة في حق الإنسانية الاهتمام الكافي، فلم تحظ سوى بعشرات الأفلام التي غلب عليها الطابع الوثائقي، واستحوذت انقلابات أميركا اللاتينية على النصيب الأكبر منها، وإن كان بعضها قد نجح في فضح فظائع الانقلابات ودموية الأنظمة الدكتاتورية في أماكن عدة من العالم.

بشاعة الإخفاء القسري
يعد انقلاب تشيلي الأوفر حظا في السينما، ربما لفظاعاته التي فاقت الوصف، وفجاجة التورط الأميركي فيه؛ فقد قاد الجنرال أوغستو بينوشيه في سبتمبر/أيلول 1973 تمردا عسكريا للإطاحة بالرئيس المنتخب سلفادور الليندي، بدعم من المخابرات الأميركية والقوى الرأسمالية المتضررة من سياسات الليندي اليسارية التي أبعدت البلاد عن سيطرة الولايات المتحدة.

وهو ما تناوله بواقعية صادمة الفيلم الأميركي "مفقود" (Missing)، الذي شارك في كتابته وإخراجه عام 1982 المخرج اليساري الفرنسي من أصل يوناني كوستا غافراس، المعروف بأعماله المناصرة للحريات، عن قصة حقيقة للكاتب توماس هوزار، تحكي لغز اختفاء الصحفي الأميركي تشارلز هورمان في العاصمة التشيلية سنتياجو بالتزامن مع أحداث الانقلاب.

اجتمع ألم فقد الأب الأميركي إد هورمان (جاك ليمون) لابنه تشارلز (جون شيا) الشاب الذي تلقى تعليمه في هارفارد، مع صدمته من قسوة الممارسات العسكرية، ثم تواطؤ بلاده في هذه الجرائم.

وهو ما أحدث تغييرا جوهريا في أفكاره من مدرس لاهوت متدين جاء إلى تشيلي لمساعدة بيث زوجة ابنه (سيسي سبيك) في البحث عنه، معتقدا أن الخطأ كان خطأه لأنه "لو كان بقي في المنزل ما حدثت هذه المأساة"، لكنه غامر بإظهار معارضته الانقلاب معتقدا أن أحدا لن يؤذيه لأنه أميركي، دون أن يخطر بباله أن الدكتاتوريات لا تعبأ بهذه التفاصيل وهي تسحق من يعترض طريقها.

وشكلت لقاءات الأب المخيبة للآمال مع المسؤولين الأميركيين في السفارة والقنصلية، وكذلك مع أعضاء الحكومة التشيلية؛ تجربة مريرة دفعته إلى إعادة التفكير في كثير من وجهات نظره السياسية والاجتماعية التي كانت قائمة على الثقة المطلقة في حكومة بلاده أميركا.

احتوى الفيلم على العديد من مشاهد العنف المروعة، لا سيما مشرحة سانتياغو التي تتراص فيها مئات الجثث العارية الملقاة على الأرض. وفاز بجائزة أوسكار أفضل سيناريو، ونال السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1982، بالإضافة إلى عدة جوائز أخرى.

ورغم جرأته في الكشف عن تورط الأميركيين، فقد اعتبرته الصحافة الأميركية من أفضل الأفلام السياسية العالمية.

مأساة أرجنتينية
في الأرجنتين لم تجد الدكتاتورية العسكرية التي حكمت البلاد من عام 1976 حتى عام 1983، بقيادة الجنرال خورخي فيديلا، حرجا في إخفاء الأطفال والحوامل، في ظل انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وإبادة جماعية جعلت الآلاف يتبخرون في ظروف غامضة.

وهذا ما جسده ببراعة الفيلم الأميركي "القصة الرسمية" (1985) (The Official Story). وهو فيلم تاريخي للدراما الأرجنتينية، قصة وإخراج لويس بوينزو، وبطولة نورما إلياندرو، وهيكتور ألتيريو، وهوغو أرانا.

بعد أن سمعت معلمة التاريخ أليسيا (نورما إلياندرو) التي تعيش حياة مستقرة مع زوجها رجل الأعمال الذي له صلات بالجيش روبرتو (هيكتور ألتيريو) وابنتهما بالتبني قصصا مرعبة من صديقة قديمة لها عن تعذيب وقتل ومفقودين وسجينات حوامل ينتزع منهن أطفالهن بعد الولادة.

ساورتها الشكوك بشأن هوية والدة طفلتها المتبناة، وشكت أنها ربما تكون ابنة إحدى الأمهات المختفيات قسريا أو اللائي قتلهن القمع الوحشي الحكومي، وشعرت بأنه ليس من الأخلاقي بالنسبة لها أن تبقى صامتة، رغم تعلقها الشديد بالطفلة.

فتقرر خوض رحلة البحث عن الأم الحقيقية لمعرفة إن كانت لا تزال حية أم ماذا حل بها، لتكتشف أوضاعا محزنة عن أعداد كبيرة من خصوم الانقلاب الذين أصبحوا "أشخاصا مفقودين"، أو ربما قُتلوا في محرقة سرية.

الفيلم حصل على جائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي، كما فازت نورما إلياندرو بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان السينمائي عن دورها الرائع فيه.

الصحفيون أعداء الانقلابات
لم تجد السينما أداة لإدانة تعامل الأنظمة القمعية مع الصحفيين أقوى من القصة المثيرة لمصور صحفي أميركي يتورط في السلفادور التي تشهد انقلابا عسكريا عام 1980.

الفيلم الأميركي "سلفادور" (Salvador) الذي شارك في كتابته وإخراجه يساري آخر هو أوليفر ستون عام 1986، وجه فيه المخرج انتقادات حادة للإدارة الأميركية، واتهمها بدعم الدكتاتوريات.

ورشح الفيلم لجائزتي أوسكار، وفاز بأربعة جوائز أخرى، وقام ببطولته جيمس وودز وجيم بيلوشي ومايكل ميرفي.

في هذا الفيلم يتوجه ريتشارد بويل (جيمس وودز) إلى السلفادور للعمل مراسلا أجنبيا، بصحبة زميله د. روك (جيم بيلوشي) في فترة مضطربة للغاية، ليخوضا صراعا داميا من أجل إبقاء رؤوسهما فوق الماء وهما يشهدان إعدام طالب على أيدي القوات الحكومية بمجرد دخولها البلاد.

ليعيش بويل بعدها أجواء مقتل أربع راهبات أميركيات، واغتيال رئيس الأساقفة أوسكار روميرو على يد فرق الموت، ويدخل في مواجهة ضارية مع الفاشية العسكرية والجماعات المسلحة والجنرالات الأميركيين والسفارة وعملاء وكالة المخابرات المركزية الأميركية، الذين كونوا لديه قناعة بأنهم متوحشون وشريرون مثلهم مثل فرق الموت.

المصدر : الجزيرة