"أسرى الاحتلال".. مخرجة إسرائيلية توثق معاناة الفلسطينيين في السجون

مشاهد من المسرحية خلال مرحلة الاعتقال.
أحداث المسرحية تسرد من قبل الأسرى المحررين وعائلاتهم (الجزيرة)

محمد محسن وتد-أم الفحم 

انتقلت المخرجة عنات فايتسمان مع المئات من مناصري الأسرى والحركة الأسيرة من خشبة مسرح "السينماتك" في مدينة أم الفحم بالداخل الفلسطيني إلى غياهب سجون الاحتلال الإسرائيلي، عبر العمل المسرحي "أسرى الاحتلال" الذي يسرد بمشاهد من الدراما محطات حياة الحركة الأسيرة وفصول معاناة الأسرى الأمنيين.

ومن وحي معاناة الأسر وذاكرة الأسرى، تتجسد المشاهد المسرحية التي تأخذنا إلى حياة أكثر من خمسة آلاف أسير ما زالوا وراء القضبان، وتعيدنا إلى مربع الصراع الأول للحرية والاستقلال وحياة الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال.

وتغوص المسرحية في عمق معاناة الأسير وعائلته، وتلخص مشاهد من معاناة الشعب الفلسطيني سواء الذي يعيشها من وراء القضبان أو ذلك الذي بقي طليقا رهينا لممارسة الاحتلال، في رواية اعتمدت بمضامينها على إفادات وشهادات لمجموعة من أسرى محررين من الضفة الفلسطينية والداخل الفلسطيني.

تنتقل مخرجة المسرحية عنات فايتسمان -وهي يهودية إسرائيلية لكنها لا تؤمن بالصهيونية- برفقة الممثلين كامل الباشا، وجلال مصاروة، وربيع خوري وبيان عنتير من أقبية الاعتقال والتحقيقات إلى الذاكرة الإنسانية.

وتحاكي المشاهد الوثائقية عتمة السجون وتسرد أحداث المسرحية من قبل الأسرى المحررين وعائلاتهم، الذين شاركوا على مدار أكثر من عامين إلى جانب المخرجة فايتسمان بالإنتاج الإبداعي للمسرحية منذ لحظة صياغة النصوص حتى الإخراج.

‪مخرجة مسرحية
‪مخرجة مسرحية "أسرى الاحتلال" عنات فايتسمان الإسرائيلية‬ (الجزيرة)

الأماكن المظلمة
تظهر من خلال الحوار الذي كان واقعيا ممزوجا بالسياسة والاجتماعيات، فكرة المخرجة فايتسمان بإبراز حقيقة الأماكن المظلمة التي طالما تكتمت عليها المؤسسة الإسرائيلية، ونقل تجربة الأسر في السجون الإسرائيلية سعيا للتأثير على اليهود الذين يجمعون بغالبيتهم أن الأسرى "إرهابيون قتلة".

ولطالما عايشنا حياة الأسرى والحركة الأسيرة من خلال الأدبيات والمؤلفات والأخبار، تقول فايتسمان "أتت مسرحية أسرى الاحتلال كأول عمل فني في البلاد يحاكي حياة الأسر في سجون الاحتلال، ولتعرف بالانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان والخروقات للمواثيق الدولية بشأن أسرى الحرب".

وأوضحت المخرجة الإسرائيلية للجزيرة نت أنها من خلال العمل المسرحي يمكن التأثير على المجتمع الإسرائيلي الذي بغالبية يرى الشعب الفلسطيني كـ "عدو"، وحتى من يدعو للتعايش والتسامح منهم ويروجون لحل الدولتين، يرون الأسرى "إرهابيين" وليسوا مناضلين، وبالتالي هم خط أحمر من وجهة النظر الإسرائيلية.

محاربة الرواية
عن المعارضة في الشارع الإسرائيلي ومن قبل وزير الثقافة، ميري ريغيف والملاحقة التي تتعرض لها من قبل حكومة بنيامين نتنياهو، تقول فايتسمان "الحركة الأسيرة جوهر قضية الاحتلال والتكتم عليها يعني التكتم على ممارسات الاحتلال، المؤسسة الإسرائيلية تقصد من وراء إفشال ومنع عرض المسرحية، محاربة رواية الشعب الفلسطيني وتسعى لمنع اليهود من الانكشاف على رواية الأسرى".

لن يتوقف العرض المسرحي "أسرى الاحتلال" في أم الفحم بل سيتواصل أيضا، ووفقا للمخرجة فايتسمان في الناصرة والكابري، سيعرض في الأيام المقبلة خارج البلاد في أوروبا بالعاصمة النروجية أوسلو، فيما تتوق فايتسمان أن تتوفر الظروف وتعرض معاناة الأسرى على خشبة المسرح في رام الله.

تظل المسرحية تأخذ المشاهدين إلى الأحداث الأليمة للأسير في عتمة السجون، وتوابع وتداعيات مقاومة الاحتلال على الشعب الفلسطيني، وتنتقل المخرجة فايتسمان مع الممثل جلال مصاروة الذي يلعب دور الأسير البطل وسيم، بالمشاهدين إلى أقبية التحقيق والزنازين وصراع الأسرى مع الذات والمعركة المتواصلة مع السجان الإسرائيلي.

المسرحية تجسد حياة كل أسير وكل عائلة فلسطينية ذاقت نيران الأسر (الجزيرة)
المسرحية تجسد حياة كل أسير وكل عائلة فلسطينية ذاقت نيران الأسر (الجزيرة)

جهل الحقيقة
يقول الممثل جلال مصاروة "المسرحية تعكس واقع الأسير وعائلته بخليط من مشاعر جياشة ممزوجة بالحزن والأسى وبالدموع تارة، وابتسامة تارة أخرى، تأبى إلا أن تخفي من ورائها عمق معاناة الأسير بدءا من التحقيقات والتعذيب، والإضراب عن الطعام، والعزل والحبس الانفرادي، والزيارات العائلية".

وأوضح أن المسرحية تجسد حياة كل أسير وكل عائلة فلسطينية اكتوت بنيران الأسر، ويبقى الأسير هو البطل في محطات وتجربة الحياة في غياهب السجون ومسيرة الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وتعكس قدرة الفلسطيني الأسير والمحاصر بالاحتلال على التحمل، والتحدي، والصبر والإيمان بتحقيق الانتصار.

واعترف مصاروة أن المسرحية بأحداثها وواقعها وإفاداتها أثرت على مسيرته الفنية، وحتى على وعيه وإدراكه أكثر لواقع حياة الأسرى، لافتا إلى أن الجميع كان ينظرون لقضية الأسرى من منظور محدود وجهل لحقيقة ما يحدث في السجون الإسرائيلية.

وأكد أن المسرحية وضعت قضية الأسير في وجدان كل من يشاهد العرض برواياته ومحطاته، ليعيش ساعة من الزمن معاناة الأسرى وذكرياتهم وقيمة وقدسية قضية الحركة الأسيرة كجوهر أساس للقضية الفلسطينية.

‪روايات وشهادات الأسرى تحركان مشاعر المشاهدين بين الحزن والفرح‬ (الجزيرة)
‪روايات وشهادات الأسرى تحركان مشاعر المشاهدين بين الحزن والفرح‬ (الجزيرة)

ميلاد جديد
خلال العرض المسرحي، تأبى تلك الروايات والشهادات للأسرى وعائلاتهم إلا أن تحرك المشاعر للمشاهدين، فالمشاهد الذي عاش السيناريو والدراما سيقف عاجزا، ولن يعود بالإمكان كتمان المشاعر ودموعه ستنهمر في لحظات، بحيث ستخفيها عتمة المسرح عن الملأ. 

لا يمكنك كمشاهد إلا أن تتواصل وتتفاعل مع روايات وشهادات الأسرى على خشبة المسرح، هي مشاعر مختلطة وتحصن في معركة الروايات مع الاحتلال الإسرائيلي وصراعه لصهر الوعي الفلسطيني.

تنهمر الدموع قبالة تجربة ومعاناة الأسرى ليس حزنا فقط، بل وفرحا ونشوة لانتصار الأسير على السجان تارة في معركة الأمعاء الخاوية، وأخرى جراء تهريب نطفة تعلن عن ميلاد جديد للحرية. 

المصدر : الجزيرة