ثورة 25 يناير بالسينما المصرية.. من التمجيد إلى التشكيك والتخوين

CAIRO, EGYPT - JANUARY 28: Thousands of protestors gather in Tahrir Square despite a curfew on January 28, 2011 in Cairo, Egypt.Thousands of police are on the streets of the capital. Hundreds of arrests have been made in an attempt to quell demonstrations. (Photo by Peter Macdiarmid/Getty Images)
المخرجون والسينمائيون المصريون تسابقوا في أعقاب 25 يناير لتقديم أعمال فنية عن الثورة (غيتي إيميجز)

باسم مجدي-القاهرة 

بعد تسع سنوات من ثورة 25 يناير 2011، صارت الثورة المصرية واحدة من التابوهات المحرمة (المحظورات) التي يخشى أهم المخرجين الاقتراب منها، إلا بأجندة سياسية معينة، بعد أن تراجع الاحتفاء بالثورة تدريجيا لتصبح مؤامرة، وأصبح الفنانون الذين شاركوا في الثورة من أعداء الوطن وأبرزهم عمرو واكد وخالد أبو النجا.

تمجيد الثورة
ففي أعقاب ثورة يناير تسابق المخرجون والسينمائيون المصريون لتقديم أعمال فنية عن الثورة، وبعد شهور قليلة احتفى مهرجان كان السينمائي الدولي بالثورة المصرية بعرض عشرة أفلام قصيرة، جمعت في فيلم روائي طويل تحت اسم "18 يوما"، شارك فيه أشهر مخرجي وفناني السينما المصرية مثل يسري نصر الله وشريف عرفة وأحمد حلمي وآسر ياسين وغيرهم.

كانت التجربة الوليدة سريعة، بعض الأفلام جيد وبعضها يحاول أن يوثق الحدث بسرعة، ولم يهتم كثيرون بجودة العمل لأهميته في تقديم الثورة التي شغلت وسائل الإعلام العالمية، ورغم مساحة الحرية الكبيرة في أعقاب الثورة، فإن عرض "18 يوما" لم يتم بشكل تجاري في مصر، حتى تم تسريب نسخته عبر الإنترنت قبل أعوام.

كما سارعت السينما التجارية بتقديم فيلم "حظ سعيد" (2012) من بطولة أحمد عيد الذي يتناول بسخرية قصة شاب مصري يخوض مغامرة نزول المظاهرات في ميدان التحرير خلال الثورة لإقناع شقيقته من الانسحاب من المظاهرات.

وقدم يسري نصر الله فيلمه "بعد الموقعة" (2012)، متخذا من أحداث موقعة الجمل بميدان التحرير محورا أساسيا لانطلاق الفيلم، حيث الفنانة منة شلبي ناشطة ثورية تلتقي بأحد من شاركوا في أحداث الموقعة، لنستعرض وجهة نظر الفقراء الذين أربكتهم الثورة، ويأخذنا الفيلم عبر أحداث العام المضطرب وصولا لأحداث ماسبيرو الدموية في أكتوبر/تشرين الأول. وقد شارك الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان 2012″، بعد سنوات طويلة من الغياب.

عاد المخرج أحمد عبد الله بفيلمه "فرش وغطا" (2013) من بطولة آسر ياسين، عن شاب يهرب من السجن خلال أحداث جمعة الغضب، وينطلق في رحلة عبر أحياء القاهرة الفقيرة المهمشة، وقد شهد مهرجان تورنتو العرض الأول للفيلم.

وفي مهرجان البندقية (إيطاليا) 2013، وقف الحضور دقائق عديدة للتصفيق لفيلم "الشتا اللي فات" من بطولة وإنتاج عمرو واكد وإخراج إبراهيم البطوط. واستعرض الفيلم الثورة من عيون ضابط بمباحث أمن الدولة (الأمن الوطني حاليا) ومذيعة بالتلفزيون المصري ومهندس كمبيوتر (حاسوب).

وفي فيلم "قبل الربيع" 2013 يتناول المخرج أحمد عاطف أبرز رموز ثورة يناير والأسابيع القليلة التي سبقت اندلاع ثورة يناير، وتم عرضه بمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط.

أكثر الرؤى عمقا قدمتها المخرجة هالة خليل في "نوارة" 2015 من بطولة منة شلبي، الشابة الفقيرة التي تعيش بحيها المهمش وبيت أحد وزراء مبارك الفاسدين حيث تعمل خادمة. وينتهي الفيلم بهزيمة الثورة، حيث تدفع الخادمة ثمنا باهظا لبراءتها بينما يهرب الفاسدون خارج البلاد لينعموا بأموالهم.

حالة الاستقطاب بين المصريين -ثوارا وإسلاميين وليبراليين- قدمها فيلم "اشتباك" لمحمد دياب (2016)، حيث مجموعة من المعتقلين في سيارة عربة الترحيلات التي تمضي بهم في شوارع القاهرة، وعرضته مسابقة "نظرة ما" في مهرجان "كان"، ليفجر عاصفة من الجدل بسبب التزامه بعدم تجاوز الخطوط الحمراء التي تناسب العصر الجديد ، ولولا ذلك لما سمح بإنتاجه أو عرضه تجاريا في مصر.

ورغم الاحتفاء العالمي بفيلم "آخر أيام المدينة" 2016 لتامر السعيد، فقد تم منع عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي، ثم منع عرضه تجاريا، وقدم الفيلم حالة الغليان في شوارع القاهرة في الشهور التي سبقت ثورة يناير، رغم عدم تناوله للثورة نفسها.

عداء الثورة
تبنّى المخرج شريف عرفة وجهة النظر المعادية لثورة يناير في الجزء الثاني من "الجزيرة" (2014)، حيث تبدأ الأحداث بعناصر أجنبية تقتحم السجون خلال الثورة، ليهرب منصور الحفني -أحمد السقا- من السجن ويعود للجزيرة ليواجه حبيبته القديمة -هند صبري- وزعيم الرحالة خالد صالح. حمل الفيلم الكثير من الإسقاطات حول الصراع على السلطة بين أطراف مختلفة، كأنه يحلل لنا أحداث الأعوام الماضية في مصر.

وفي فيلمه الأول "عيار ناري" (2018) قدم المخرج كريم الشناوي رؤية أخرى مثيرة للجدل عن ثورة يناير، لتوجه للفيلم الاتهامات بتشويه الثورة، والفيلم عن طبيب تشريح -أحمد الفيشاوي- يكتشف أن أحد شهداء أحداث وزارة الداخلية ليس شهيدا، وأنه قتل خلال مشاجرة عائلية.

ولا يزال مصير فيلم "سري للغاية" للمخرج محمد سامي غامضا، حيث تسربت أخبار أن جهات سيادية قررت منع استكمال الفيلم، بسبب سوء مستواه الفني، ويتناول الفيلم أحداث 25 يناير وصولا لأحداث الانقلاب العسكري، ويجسد فيه أحمد السقا شخصية السيسي ويجسد أحمد رزق شخصية الرئيس الأسبق محمد مرسي. 

في الذكرى التاسعة لثورة يناير، لم يعد من الممكن الحديث عن الثورة باعتبارها "ثورة"، فإما التشويه والتخوين والتشكيك في نواياها، وإما التزام الصمت التام وحتى إشعار آخر، وهذا هو حال أغلبية من شاركوا في الثورة من الفنانين والمخرجين، وإلا فمصير عمرو واكد وخالد أبو النجا أمامهم.

المصدر : الجزيرة