حقائب سفر.. أعمال فنية تروي مأساة اللجوء

حقائب سفر
بدأ حافظ مشروعه بأعمال ثلاثية الأبعاد شديدة الدقة مستوحاة من العمارة السورية عبّر من خلالها عن مأساة المنطقة بأكملها (الجزيرة)

منتصر أبو نبوت/يارا عيسى

يتساقط العرق من جبينه ويصرخ بصوت عالٍ أثناء سيره بين الجموع لا يعرف أغلبهم، إلا أن جميعهم سوريون، وهذا ربما أعطاه طمأنينة كي يتجرأ على الخروج معهم والهتاف بشعارات مناوئة لنظام بشار الأسد.

لم يكن الأمر سهلاً على أمجد، فهو يشارك لأول مرة بمظاهرة ضد هذا النظام أربعين سنة، كما أنه لم يعرف خلالها معنى الحرية والحريات في ظل قمع شهدته البلاد من عصر جده ثم والده وأخيراً هو، أمجد ابن العاصمة دمشق.  

"بيجو 504"
راوحت مشاعر أمجد ما بين الخوف والفرح بل كانت مزيجاً يشير إلى الحالة التي أحس فيها أثناء مشاركته في أول مظاهرات ببداية الثورة، وسرعان ما أصبح ناشطاً يفكر من أجل تطور وطنه وبنائه بشكل حضاري.

لم يمض وقت طويل حتى تحول إلى شاهد على قتل المخابرات أصدقاءه المقربين، إذ يعتبر السيارة البيضاء من نوع "بيجو 504" رمزاً للاضطهاد والقمع لأن أجهزة المخابرات تستخدمها في عمليات الاعتقال، بل هي ذاتها التي اعتقل فيها جاره وصديقه قبل أن يعود جثة هامدة تحت التعذيب بعد أن دفع أهله أموالاً طائلة من أجل خروج ابنهم.

وكانت تلك مرحلة فاصلة تيقن فيها أمجد أن البقاء في سوريا أصبح أكثر خطراً خصوصاً، وقد علم نهاية عام 2013 أن اسمه موجود في جميع معابر البلاد على لائحة المطلوبين، قرر حينها الخروج بشكل نهائي لكنه حرص على زيارة جميع الأماكن المفضلة لديه في مدينته.

‪تعتبر السيارة البيضاء من نوع
‪تعتبر السيارة البيضاء من نوع "بيجو 504" رمزاً للاضطهاد والقمع‬ (الجزيرة)

حقائب تحمل مآسي
لم تكن حكاية أمجد إلا واحدة من قصص تضمها حقائب الفنان السوري محمد حافظ الذي عمل على بناء منزل داخل كل حقيبة تمثل قصة لاجئ أو عائلة من مختلف الدول بالشرق الأوسط.

عشر حقائب داخلها عشرة منازل تروي قصة عشرة لاجئين تركوا منازلهم في سوريا والعراق وأفغانستان وإيران والسودان، تحمل كل منها صوتاً يحكي قصة العائلة التي تمثل المنزل المنحوت داخلها بمدة تتراوح بين ثلاثين وستين ثانية حتى يلفت الانتباه.

فتارة تجد نفسك تقف أمام بيت دمشقي مهدم، وتارة أخرى تعود بك الذكريات إلى العراق، أو طبق بورسلان (سيراميك) بحجم الدمية يصور كيف كان الناس يبعثون سكبة طعام إلى جيرانهم، أو قطع قماش سوري ويهودي على حبل غسيل دلالة على العيش المشترك، وكذلك الزخارف على البناء كتقليد للرموز الإغريقية والرومانية، كونها تنتشر في شوارع المدينة القديمة، إضافة إلى أشياء شخصية أخرى تركها اللاجئون قبل أن يرحلوا.

ويهدف هذا المشروع -الذي أطلق عليه التشكيلي والمهندس المعماري محمد حافظ اسم "حقائب اللاجئين المفتوحة"- إلى رسم اللاجئين بشكل إنساني بعيداً عن الرومانسية المفرطة في التعامل مع مثل هذه القضايا على حد وصفه.

‪عشر حقائب داخلها عشرة منازل تروي قصة عشرة لاجئين تركوا منازلهم في بلدان مختلفة‬ (الجزيرة)
‪عشر حقائب داخلها عشرة منازل تروي قصة عشرة لاجئين تركوا منازلهم في بلدان مختلفة‬ (الجزيرة)

ويقول حافظ -في حوار مع الجزيرة نت- إن فكرة تسليط الضوء على قصص اللاجئين عبر الحقائب جاءت بعد أن أصبح أفراد مقربون من عائلته لاجئين بالسويد عام 2017، مضيفا أنه استغرق وقتاً طويلاً في الاستماع لأصحاب القصص والتعرف على أدق التفاصيل لمنازلهم، مراعياً في ذلك طرق تصميم المنازل والأبنية المختلفة بين دولة وأخرى.

بدأ حافظ مشروعه بإنتاج أعمال ثلاثية الأبعاد شديدة الدقة مستوحاة من العمارة السورية عبّر من خلالها عن مأساة المنطقة بأكملها، لتبدأ من غزو العراق إلى الربيع العربي والحرب السورية منتهياً بقضية اللجوء، لا سيما وأن نحو نصف سكان سوريا تعرضوا للتهجير والنزوح القسري منذ 2011 بحسب إحصائيات أممية.

ويصف معرض الحقائب بأنه مواساة للشعوب ولمن فقد ودفن الكثير من أولاده وأقربائه، مضيفا في تصريح لصحيفة ذي غارديان البريطانية "لا أريد التكلم لأنني إن فتحت فمي وبحت بأني مهاجر سوري عربي مسلم، فلعل بعض الجمهور يسارع إلى تكوين ملايين الأحكام المسبقة عني بشتى الطرق، ولعلهم يصمون آذانهم أو قلوبهم عن رسالتي، أنا أترك عملي يتحدث بالنيابة عني، وأتصرف أنا كأني مجرد ذبابة على الحائط".

المصدر : الجزيرة