المينيماليزم.. كيف ظهرت الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة؟

المنيماليزم
الموسيقى المينيمالية هي الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة (مواقع التواصل)

سارة عابدين

ظهرت الموسيقى المينيمالية (التبسيطية غير المعقدة) ضمن الحركة المينيمالية التي ظهرت في الفن التشكيلي والأدب في منتصف القرن العشرين، وأصبح لها تأثير قوي في الموسيقى المعاصرة منذ ذلك الحين، ويمكن القول إن الموسيقى المينيمالية هي الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة.

كانت بداية التحول في الموسيقى الكلاسيكية قرب نهاية العصر الرومانسي (1830 – 1910) حين بدأ الملحنون أمثال الفرنسي كلود ديبوسي والروسي إيغور سترافينسكي في دفع الحدود الموسيقية المتعارف عليها، ولم يعد التركيز الرئيس على اللحن المتناغم ولا الأصوات الجميلة.

وقام بعض مؤلفو الموسيقى بالتخلي عن النظام الموسيقي المعروف، وسعى البعض لخلق نظام جديد ومبتكر، مثل الملحن الموسيقي النمساوي أرنولد شونبيرغ الذي اعتمد النظريات الرياضية في تأليف الموسيقى حتى أن البعض اعتبر موسيقاه موسيقى ذهنية ومعقدة بعيدة عن اهتمامات الجمهور.

وشهدت الموسيقى المينيمالية تغيرات وتحولات كبيرة، ومع اقتراب القرن العشرين من نهايته، حدث ما يشبه انفجارا في الأصوات والأفكار الجديدة خاصة مع التطور التكنولوجي الكبير، ومن هنا أصبحت الموسيقى المينيمالية نقطة انطلاق لتطوير الموسيقى الحديثة، حيث بدأ مؤلفو الموسيقى بتسجيل الأصوات منفصلة لاستخدامها في مؤلفاتهم، وأصبحت هناك إمكانيات متعددة لفصل الأصوات أو دمجها.

ظهور الموسيقى المينيمالية
بدأ الأمر في نيويورك مع الملحن والموسيقي والشاعر لويس توماس هاردين الملقب بموندوغ، فقد قضى موندوغ أغلب حياته متنقلا بين شوارع نيويورك، يؤلف موسيقى مستمدة من جوهر المدينة بخطوطها وتماثلها وأبنيتها التي تشبه بعضها بعضا وتبتعد عن الزخارف، إنها موسيقى لا تهتم إلا للحد الأدنى من النغمات التي تتكرر دون بناء لحني معقد.

وكان أهم ما يميز موسيقى موندوغ، أنها تعتمد الطباق الموسيقي المعروف في الموسيقى الكلاسيكية، خاصة موسيقى عصر الباروك، لكن بشكل شديد الحداثة، وتعتمد الموسيقى الطباقية على عدة أصوات تتضافر معا في هارموني موسيقي مع الحفاظ على استقلالية كل صوت ومميزاته، بحيث يستمر خطان لحنيان أو أكثر في تزامن لخلق نسيج موسيقي جديد.

وكان للعمى دور كبير في خلق موسيقى موندوغ التي اعتمدت على خلق نبضات ثابتة في توقيتات زمنية متفاوتة، بسبب إحساسه السمعي المرهف، وإقامته في شوارع نيويورك. وقد استمد إلهامه من الأصوات المختلفة حوله، مثل أبواق السيارات، وأصوات المارة وخطواتهم، وكذلك الأصداء المختلفة، وصفارات الإنذار، بالإضافة إلى أهمية الصمت في اللحن الموسيقي.

وشكلت العودة إلى الأفكار الباروكية الكلاسيكية، أسباب ظهور الموسيقى المينيمالية، وبدأ الموسيقيون الأميركيون بعد موندوغ أمثال دينيس جونسون في إعادة تحديد أسس الموسيقى الكلاسيكية، لأن البساطة كانت مفقودة تماما في المشهد الكلاسيكي على مدى سنوات، وكانت الموسيقى الكلاسيكية غريبة ومعقدة بالنسبة لأغلب الجمهور.

وفي عام 1959 كتب الملحن دينيس جونسون واحدة من أولى المقطوعات الموسيقية المينيمالية بعنوان "نوفمبر"، وهي مقطوعة موسيقية للبيانو المنفرد، مدتها بالكامل ست ساعات، وتتكون من نوتات موسيقية صغيرة متكررة تتسع ببطء على المدى الزمني بالكامل، مع خصائص تأملية تندمج مع البناء الموسيقي لتنتج تلك المقطوعة المينيمالية.

أهم مؤلفي الموسيقى المينيمالية
بدأ كل من تيري رايلي ولا مونتي يونغ وستيف رايش وفيليب غلاس، الذين درسوا الموسيقى معا في الوقت نفسه، وتلقوا تعليما موسيقيا تقليديا، في التمرد على القواعد، وإنتاج ألحان مكونة من عدة نغمات متتالية، دون ألحان تجمع تلك النغمات، وهو جوهر الموسيقى المينيمالية، وأصبحت تلك الجماعة نواة لبدء الترسيخ للمنيمالية باعتبارها حركة فنية مستقلة.

تيري رايلي: كانت مؤلفات رايلي مستوحاة من موسيقى الجاز المعاصرة والموسيقى الهندية الكلاسيكية، بخصائصها التأملية، حيث سافر رايلي إلى الهند عدة مرات قبل أن يستقر في تدريس الموسيقى الكلاسيكية الهندية.

لا مونتي يونغ: بدأ يونغ عازفا للساكسفون، ثم تخلى عن العزف ليركز على التأليف الموسيقي، وعمل في البداية بنظام الاثنتي عشرة نغمة، الذي ابتكره أرنولد شونبرغ، ثم بعد ذلك أثناء زيارته إلى مدينة درامشتات الألمانية اكتشف الموسيقى غير التقليدية للموسيقي جون كيج، فأصبح أكثر اهتماما بالعناصر الموسيقية المسرحية التي تعتمد على الصور الدرامية لكن دون غرض مسرحي، من خلال دمج النغمات المتواصلة متأثرا بموسيقى إندونيسيا بشكل خاص.

ستيف رايش: ابتعد رايش في موسيقاه عن التعقيد، واتبع طريقة الأنماط الموسيقية المختلفة التي تتداخل وتبدأ ببطء ثم تتكاثر في وقت لاحق. واستمد رايش إلهامه من موسيقى الجاز الأميركية، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الموسيقى العرقية القديمة والطبل الأفريقي الذي تعرف عليه عن قرب أثناء سفره إلى غانا.

فيليب غلاس: نظرا لكونه أحد أكثر الملحنين شهرة ونفوذا في القرن العشرين، فقد طور موسيقاه من خلال الموسيقى التصويرية والأوبرا والسيمفونيات والأنواع الكلاسيكية المختلفة، لكن مثله مثل أغلب مؤلفي الموسيقى المينيمالية، فقد تأثر بشكل كبير بموسيقى الجاز والموسيقى الكلاسيكية الهندية، فظهرت في موسيقاه لمسة من التدفق السلس والارتجال وأصبحت موسيقاه من الموسيقى الأكثر جماهيرية، خاصة بعد تعاونه مع الشاعر الأميركي آلن غينسبرغ، والمخرج مارتن سكورسيزي.

المصدر : الجزيرة