محمد وردي صوت السودان الثائر.. غنى للثورة حتى بعد مماته

المطرب السوداني محمد وردي صوت الثورة(مواقع التواصل الاجتماعي)
وردي (مواقع التواصل)

صفاء علي 

"أصبح الصبح.. ولا السجن ولا السجان باقي.. وإذا الفجر جناحان يرفان عليك.. وإذا الحزن الذي كحل هاتيك المآقي.. والذي شد وثاقا لوثاق.. والذي بعثرنا في كل وادي.. فرحة نابعة من كل قلب يا بلادي" تلك الكلمات الثورية المبارِكة لثورة الشعب السوداني غناها المواطن الفنان محمد وردي في ثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964 وكتبها الشاعر محمد الفيتوري، وغناها وردي في اليوم الثالث للعصيان المدني الذي أطاح بنظام الفريق إبراهيم عبود.

وظلت تلك الأغنية حاضرة بكل كلماتها ومعانيها في كل مواقف أهل السودان الثورية وحتى سقوط نظام عمر البشير بالأمس القريب المعروفة بثورة ديسمبر/كانون الأول 2019، ورنت كلماتها في التوقيع النهائي لمسودة الاتفاق الذي أعلن نجاح الثورة والسماح للمدنيين بتولي السلطة بعد انتهاء الفترة الانتقالية.

وبين كل تلك الأحداث والثورات، ظل وردي صوت ثورة السودان العذب الحاضر بروحه وكلمات أغانيه رغم الممات وغياب الجسد.

وردي الفنان
وُلد محمد عثمان وردي بالمنطقة الشمالية النوبية في 19 يوليو/تموز 1932، كان يعمل مدرسا، زار العاصمة لأول مرة عام 1953 في أحد المؤتمرات التعليمية، إلى أن استقر في الخرطوم، ثم بدأ مشواره الغنائي كهاوِ حتى نجح في اختبار إذاعة "هنا أم درمان". وكانت المرة الأولى التي سجل فيها أغنية للإذاعة في 19 يوليو/تموز 1957، وخلال العام الأول سجل 17 أغنية مما جعل مسؤولي الإذاعة يجيزونه كمغنٍ من الدرجة الأولى بعد أن كان في الرابعة.

وبعد فترة وجيزة من شراكة فنية مع الشاعر الشهير إسماعيل حسن، أنتج الثنائي معا 23 أغنية جمعت بين اللغتين النوبية والسودانية.

غنى وردي بالنوبية والعربية، وأدخل القالب النوبي والأدوات النوبية مثل الطمبور، ونال لقب "فنان أفريقيا الأول" لشعبيته الكبيرة في منطقة القرن الأفريقي وإثيوبيا.

منفى لم يمنعه من الغناء
حارب وردي من أجل أفكار يومه: العدالة الاجتماعية، إنهاء الاستعمار، إعادة توزيع الثروة، الوحدة الأفريقية. ونتج عن نشاطه الدؤوب وانتمائه للحزب اليساري الشيوعي اعتقاله أكثر من مرة إلى أن اختار النفي الاختياري لمدة 13 عاما حيث خرج من البلاد عام 1989 احتجاجا على استيلاء عمر البشير على الحكم.

خرج إلى مصر مع 13 معارضا وقضى منفاه الاختياري بين مصر والولايات المتحدة. وعام 2003 عاد للخرطوم بعد اكتشاف إصابته بفشل كلوي حينها استقبله البشير استقبالا كبيرا، فما كان من وردي إلا أن قال مازحا "لم أكن أعرف أن السياسيين يحبون الأغاني".

واستقر بالسودان حتى وفاته عام 2012، بعد حياة غنائية حافلة امتدت ستين عاما أنتج خلالها ثلاثمئة أغنية، ومازال يطلق عليه "الإمبراطور، الأسطورة، آخر ملوك النوبة".

الثائر.. حلم الحرية
تحمّل السودان ما يقرب من خمسة عقود من الحكم العسكري منذ استقلاله عام 1956، ولم يُسمح للحكومات المدنية الديمقراطية أبدا بالاستمرار في الحكم، وكانت الأغاني المتنفس الوحيد للتعبير عن آمال الشعب، وظهر ذلك جليا في ثورات 1964 و1985 و2019، والتي كان وردي حاضرا دائما.

"أكتوبر الأخضر" إحدى الأغنيات الشهيرة التي غناها ضمن سلسلة أغنيات حملت اسم "أكتوبريات" بتعاون مع الشاعر محمد المكي إبراهيم والتي مجدت الشعب السوداني ضد نظام عبود.

ثم تلاها بعدد من الأغاني الثورية مثل "جيلي أنا" وكذلك "يا ثوار أكتوبر" التي غناها بالتعاون مع الشاعر صلاح أحمد إبراهيم، ثم أنشودة "نحن رفاق الشهداء" التي تعاون فيها مع الشاعر علي عبد القيوم.
 

ومرة أخرى ثائرا
عام 1985 مر السودان بتغيير في قيادته من خلال انتفاضة شعبية، وخرج الناس إلى الشوارع للإطاحة بالحكومة العسكرية، وقد بشرت الانتخابات بحكومة مدنية، ولعبت الأغاني دورا رئيسيا في الإطاحة هذه المرة بنظام جعفر النميري.

قبل الثورة عانى وردي من ديكتاتورية النظام، والتي لم تمنعه من الغناء وتأييد انقلاب هاشم عطا الذي لم يستمر سوى ثلاثة أيام إلا أنه غنى أغنيته الشهيرة "راكب هنتر وعامل عنتر" وبسببها سجن عامين في سجن كوبر.

ومن داخل محبسه خرجت أغنيته "ارحل" للشاعر التيجاني سعيد، والتي طالبت برحيل النميري، ثم قدم بعد ذلك أغنيتيه "يا بلدي يا حبوب، أسفاي" اللتين تسببتا في اعتقاله مرة أخرى عام 1982.

وكانت أغنيته "يا شعبنا لهبك ثوريتك" -التي تترجم بشكل فضفاض إلى "يا ناس شعلتكم هي ثورتكم"- تشير إلى الفخر والثقة الهائلة التي يتمتع بها الشعب السوداني في قدراته، في أغنية وردي يتوق السودانيون إلى الوقوف والتحدث عن أنفسهم والسيطرة على مصيرهم.

وللبشير: سلم مفاتيح البلد
أما أغنيته النادرة "سلم مفاتيح البلد" فجاءت لتطالب البشير بالرحيل وتسليم البلد بكل ما فيها لأهلها، ويقول مطلعها "عليك الزحف مُتقدِّم وليك الشعب مُتلَملِم ومتحزم، يقول سلم، سلم، وما بتسلم.. سلم عبايتنا وملاحفنا، ومصاحفنا وجوامعنا وكنايسنا، وتراث أجدادنا سلمنا، عقول أولادنا سلمنا". 

ولم ينس الحب
قدم وردي أيضا الأغنية العاطفية والتي أثرت تأثيرا شديدا في كل مستمعيه من موريتانيا إلى جيبوتي، حيث انتشرت أغنياته العاطفية بالدول الأفريقية مقارنة بشهرة أقل عربيا، وكانت أغنيته "عارفك يا فؤادي" من كلمات إسماعيل حسن من أكثر أغانيه العاطفية انتشارا.

كما أعاد بعض الفنانين أغانيه مثل أغنيته "وسط الدايرة" التي غناها الفنان المصري محمد منير.

المصدر : الجزيرة