لكل امرأة حكاية.. التشكيلية سهاد الخطيب تعيد طرح سؤال الهوية

سهاد الخطيب تبحث عن هويتها في الفن حسين نشوان-عمان تستعيد الفنانة التشكيلية والمخرجة السينمائية الفلسطينية سهاد الخطيب في أعمالها التحبيرية ذاكرة طفولتها حيث ولدت في العاصمة العُمانية مسقط على سيف الخليج العربي، وعيشها في العاصمة الأردنية عمان بمقاربات تطل على هويتها ومسقط رأس ذويها في فلسطين. الخطيب في معرضها الذي حمل عنوان "دوائر الهوية" وعرض في جاليري "رؤى" بعمان، تدون أعمالها التي نفذتها على الورق بالأبيض والأسود والترابيات والتذهيبات بأثر انتقالها إلى أميركا التي أعادت لها سؤال الهوية التي تراها في الوجوه وليس الأمكنة التي تتلاشى وتغيب عن اللوحة. في أعمال الخطيب يغيب المكان الذي لا تراه ولم تره، ولكنه يظهر في وجوه الأطفال وملامحهم ونمط معاشهم الذي يدل المتلقي على المكان الغائب بالأسئلة والرمزيات التي تشبعت بها اللوحة التي تستعيد فيها الفنانة دلالات المكان بظلال الحروف والأرقام ومخزونات الأساطير والقصص والحكايات التي صاغها الوجدان الإنساني على مر التاريخ.
تستعيد سهاد في أعمالها نساء ألف ليلة وليلة والمرأة الخليجية بملابسها التقليدية والمرأة السمراء، وتضعها في إطار حكايتها (الجزيرة)

حسين نشوان-عمّان

تستعيد الفنانة التشكيلية والمخرجة السينمائية الفلسطينية سهاد الخطيب في أعمالها التحبيرية ذاكرة طفولتها، حيث ولدت في العاصمة العُمانية مسقط بالخليج العربي، وعاشت في العاصمة الأردنية عمّان، بمقاربات تطل على هويتها ومسقط رأس ذويها في فلسطين.

سهاد في معرضها الذي حمل عنوان "دوائر الهوية" وعرض في جاليري "رؤى" بعمّان، تدوّن أعمالها التي نفذتها على الورق بالأبيض والأسود والترابيات والتذهيبات، إثر انتقالها إلى أميركا التي أعادت لها سؤال الهوية التي تراها في الوجوه وليس في الأمكنة التي تتلاشى وتغيب عن اللوحة.

في أعمالها يغيب المكان الذي لا تراه ولم تره، ولكنه يظهر في وجوه الأطفال وملامحهم ونمط معاشهم الذي يدل المتلقي على المكان الغائب بالأسئلة والرمزيات التي تشبعت بها اللوحة التي تستعيد فيها الفنانة  دلالات المكان بظلال الحروف والأرقام ومخزونات الأساطير والقصص والحكايات التي صاغها الوجدان الإنساني على مرّ التاريخ.

‪سهاد‬ ترى (الجزيرة)
‪سهاد‬ ترى (الجزيرة)

اللوحة كمبحث وجودي
تبدو اللوحة عند سهاد الخطيب -التي عرضت لوحاتها في مونتريال بكندا، وفي سان فرانسيسكو وكونينيكت بأميركا- مبحثا فلسفيا وجوديا حول سؤال الهوية الإنسانية التي تتعالق فيها الأساطير، ومنها: حكاية هدهد سليمان، والعين الثالثة في الفلسفة الطاوية، ورمزية المفتاح.

وتبدأ الفنانة حكايتها من الحلقة الأولى للذات، برسم صورتها، ثم الأسرة فالوطن فالكون، باحثة عن المشتركات في تعدد الهويات من خلال الكشف عن متشاركاتها الأسطورية والحكائية السردية.

وهو بحث في أعماق النفس البشرية الذي يمثل بالنسبة للفنانة نوعا من التطهير للروح المتشظية، وتطهير للآخر من المعاناة والحروب والمنفى الذي تسبب بخدش الروح الإنسانية وسبب صراعاتها ومشكلاتها.

الرسم خلاصي
تأمل الفنانة التي حاضرت في قضايا المرأة وحقوقها من خلال فنها تفهم الآخر لعدالة قضيتها الوطنية، وفهما أكثر عقلانية للإسلام، بعيدا عن النمطية والأفكار المسبقة التي تشوه نقاءه.

وكان الرسم بالنسبة للفنانة وسيلة لاكتشاف الذات ومعرفة الآخر، استطاعت من خلاله التعرف على طبقات الهوية التي شكلتها كامرأة فلسطينية عربية مسلمة مغتربة في أميركا "وقررت أن أختبرها بالرسم"، وتحديدا بعد مرورها بأزمة تتصل بالأسرة والانفصال وضعتها أمام ذاتها وحيدة، "فكان الرسم خلاصي".

وتقول الفنانة التي اشتغلت ناشطة في قضايا حقوق المرأة إن "الرسم منحني القوة، وبدأت أراني في صورتي، وأرى النساء العربيات في لوحتي قويات شامخات"، بل إن بعض الأعمال لامرأة سمراء تحمل مفتاح البيت تم تداولها بشكل واسع أثناء الثورة في السودان.

مديرة جاليري "رؤى" سعاد العيساوي تقول: إن تجربة الفنانة سهاد الخطيب التي تعنى بقضايا حقوق المرأة وعملها متحدثة رسمية باسم مؤسسات المجتمع المدني المساندة للقضية الفلسطينية في أميركا، انعكس على موضوعات لوحاتها وأسلوبها البسيط والقوي في آن معا، فهي تختار الأحبار باللونين الأبيض والأسود، وتثري فضاء اللوحة بالرموز التي تشكل حكاية اللوحة وموضوعها وفي الوقت عناصرها الجمالية الغنية.

‪تختار سهاد الأحبار الأبيض والأسود لتمنح الكتل حدية التضاد والوضوح‬ (الجزيرة)
‪تختار سهاد الأحبار الأبيض والأسود لتمنح الكتل حدية التضاد والوضوح‬ (الجزيرة)

المكان الغائب
تركز أعمال الفنانة على الزمان دون المكان، فالمكان يستدل عليه من خريطة الوجه وملمحه، وهي التي تدل المتلقي على هوية الوجه الذي ربما صادفه في مكان ما في الحياة، فتنهال تداعيات الذكريات التي تحيل لاستعادة ذكريات المتلقي نفسه بأفراحها وأحزانها وتحولاتها ليعود الحوار مع الذات، فنحن حينما نلتقي مع الآخر نتعرف على ذواتنا.

وفي اختيارها لأحبار الأسود والأبيض، فهي تمنح الكتل حدية التضاد والوضوح بعيدا عن التزويق والتزيين، وتترك للظل والنور أن يقول لغته بحياد تام، ولكنها حينما تضيف ألوانا الترابيات فإن اللوحة تكتسب مسحة من الحنين الشفيف، أما اللون الذهبي للعمل فهو يمنح قوة القداسة التي تذهب الفنانة من خلالها لاستدعاء ظلال الأساطير.

لكل امرأة حكاية
وفي أعمالها العشرين لا تتوقف عند امرأة متعينة بل تستعيد نساء ألف ليلة وليلة، والمرأة الخليجية بملابسها التقليدية، والمرأة السمراء، وتضعها في إطار حكايتها ورمزيات السائدة في المجتمعات.

وتقول الفنانة: "لكل امرأة حكاية وقصة، والفن قادر على التعبير عن الأفكار الاجتماعية التي تمثل الهويات ومنح الإنسانية تنوعها وفسيفساءها الجميل".

وتؤمن الفنانة سهاد الخطيب -التي تعمل مصممة في "سيلكون فالي"- أنها في تناولاتها للهويات التي تشكلنا تريد أن تكون "حنونة" على كل هوية وتعطيها حقها، وفي الوقت نفسه -كما تقول- "لا أريد تقديم الهوية بوسيلة نمطية وإنما اختراع لغة جدية، وحينما أتحدث عن الهوية الإسلامية فأنني أسعى لاستحضار الفكر والفلسفة والمستقبل".

يقول الناقد السينمائي ناجح حسن إن الفنانة سهاد مسكونة بأسئلة الإبداع، وتسعى للمزج بين تلك التجارب ويمتلكها الشغف بصناعة السينما، ولها تجارب في الأفلام القصيرة، مستدركا أن ثمة قرابة بين الرسم والسينما في الاشتغال على دلالات الصورة، وقد استطاعت الفنانة في المعرض أن تضعنا في حوار مع شخوص أعمالها، وهو حوار صامت لكنه يزخر بالكثير من الكلام والأصوات والموسيقى التي لا تحتاج للغة لفهم تعابيرها.

المصدر : الجزيرة