كيف أصبح محمود عبد العزيز ساحرا "يركب حصان خياله"؟

الفنان الراحل محمود عبد العزيز
الفنان الراحل محمود عبد العزيز (مواقع التواصل)

محمد السجيني

الممثل العظيم هو الذي يعيش داخل شخصيته ويحلق معها، ويضع خطة لكل تحولاتها ونقاط ضعفها وقوتها، ويقبض على مفرداتها ويتماثل معها، وقياسا على تلك المعايير، فإن محمود عبد العزيز ممثل عظيم.


وصية والده الرافض للفن
تميز محمود عبد العزيز بموهبته التمثيلية الكبيرة، وحلم بأن يلتحق بمعهد السينما، لكن والده الحازم رفض ذلك خوفا على مستقبله، فالتحق بكلية الزراعة وهناك التحق بفريق التمثيل بالجامعة.

ورغم حصوله على درجة الماجستير في تربية النحل، فإن حلم التمثيل ظل يلاحقه، وترك منزل أسرته متجها إلى القاهرة، وذاق المر في شوارعها، فلم يكن يمتلك حق المعيشة، ولم يستطع التخلي عن حلمه والعودة لمنزله، نام في فنادق بسيطة وحل ضيفا على زملائه، حتى انتهى به الأمر إلى منزل في المنيل اشترك في إيجاره مع آخرين.

كانت اللحظة الفارقة حين التقى المخرج نور الدمرداش الذي آمن بموهبته وأعطاه دورا صغيرا في مسلسل "كلاب الحراسة"، وتواصل دعم نور له لدرجة أنه ترك له حرية اختيار الدور الذي يناسبه في مسلسل "الدوامة".

وحصل بعد ذلك على رضا والده الذي حذره من الغرور، وأوصاه بأن يخاف الله، ويؤدي أدوارا تليق باسم عائلته.

منافسة عمالقة جيله
ظل عبد العزيز مثقفا متغيرا ينضج مع مرور الوقت، ويطور نفسه، ويقوم بالأدوار المركبة، وينوع في أساليبه وأفلامه من الكوميديا إلى الشر والجريمة والنقد السياسي.

لم يكن التنافس على الساحة الفنية أمرا بسيطا وقت ظهوره؛ فقد جاء في زمن الموهوبين: عادل إمام وأحمد زكي ونور الشريف، لكنه اتخذ لنفسه أسلوبا مميزا.

كان يستمتع بالتمثيل، ويمثل بالفطرة والموهبة، لا سيما أنه لم يدرس التمثيل، وابتعد عن النمطية وتوحد مع شخصياته وأمسك بروحها، وأضاف لها من روحه الخاصة، لتظهر حالة من الارتباط بين شخصياته وبين المشاهدين، وشعروا بوهج حضوره في كل مشهد، وساعده في ذلك نبرة صوته الهادئة ووجهه المرح القادر أيضا على إيصال شعور الشجن.

"الهجان" نقطة التحول
"رأفت الهجان" لم يكن مجرد عمل فني ناجح في مسيرة عبد العزيز، لكنه نقطة التحول التي فصلت بين تاريخ النجم الوسيم الكوميدي، الذي تحول إلى واحد من أثقل أبناء جيله من الفنانين.

وعُرض المسلسل في البداية على عادل إمام، لكنه اعترض على السيناريو وخشى أن يكرر تجربة مسلسلات الجاسوسية بعد نجاح مسلسل "دموع في عيون وقحة"، وقبل محمود عبد العزيز بطولته، ونجح بالشكل الذي لم ينجح به مسلسل مصري من قبل.

الساحر الذي حول التراب إلى فن
وصل إلى ذروة الجماهيرية في فيلم "الكيف" في منتصف الثمانينيات، الذي كان من المفترض أن يكون أحد "أفلام المقاولات"، لكنه نجح جماهيريا ونقديا، ليصنع من "مزاجنجي" رمزا للعصر حينها.

الشاب المطرود من الكلية الذي يقضي وقته بين المدمنين ويحلم بالغناء، في حين تخرج شقيقه من كلية العلوم ويعمل كيميائيا ويصنع لأخيه خلطة تشبه الحشيش لإقناعه بأن الكيف وهم، لكن السلعة الجديدة تدخلهما في مشاكل ضخمة.

تألق محمود عبد العزيز بأداء كوميدي ممزوج بدراما صاخبة، تنتهي بمأساة تعبر عن هموم الطبقة الوسطى في مصر.

في بداية التسعينيات قدّم محمود عبد العزيز (الشيخ حسني) -أشهر شخصية قدمها للسينما في فيلم "الكيت كات" مع المخرج داود عبد السيد- مجموعة من الناس تعيش في حارة يخنقها واقع مؤلم وضيق، وهو شيخ ضرير شهواني حالم، أرمل يعيش مع والدته وابنه، يحمل سكان حارته في قلبه، عاجز لكنه يحاول ويحلم رغم كل شيء.

يتلقى الأحزان والمصائب، لكنه يتجاهلها بقلب كبير وطاقة بهجة وتحدٍّ لإعاقته، ولم يكن في مخيلة محمود عبد العزيز أن يغني، لكنه حين اجتمع مع سعاد حسني وصلاح جاهين والموسيقار إبراهيم رجب وغنوا سويا، أصر المخرج داود عبد السيد على غنائه في الفيلم.

وفي 2009، لم يخجل محمود عبد العزيز من أن يتولى دورا غير دور البطولة في فيلم "إبراهيم الأبيض" وجسد الشخصية المركبة عبد الملك زرزور، وانخرط في الدور وجعله أيقونيا، بنظرات عينيه المليئة بالشر والقوة، رجل قاس لا يهاب الموت، فيلسوف مجرم يصيب تابعيه بالرعب، أسد في غابة تمتزج في شريعتها القسوة والعنف بالحب والرغبة.

ورغم تجسيده القاسي لزرزور فإنه ينجح في تصويره محبًا كطفل صغير ليجعل من هذه الشخصية شيئا للذكرى في عالم أفلام الجريمة المصرية.

صراع مع المرض
في 2016 أراد محمود عبد العزيز أن يعود للسينما، ووجد ضالته في سيناريو فيلم بعنوان "الدائرة"، وكان من المفترض أن يقوم فيه بدور أحد رجال المافيا، لكن ظروف مرضه أجلت تحضيرات العمل، وكان قد عانى في آخر أيامه من مشاكل مرضية في الفك، وسافر إلى فرنسا لإجراء جراحة وبعد عودته ساءت حالته مرة أخرى، وقيل إنها أورام محدودة.

وسافر لفرنسا ليبدأ العلاج الكيميائي، وعندما عاد إلى مصر اكتشف الأطباء انتشار الورم في الكبد والرئة والمخ، وأبلغ الأطباء ولديه أن حالته الصحية متأخرة، ولا يمكن إنقاذه.

وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 رحل عن عالمنا محمود عبد العزيز، وتم دفنه في مقابر عائلته بالإسكندرية كما أوصى، ورحل الساحر فنانا عظيما كان دائما يركب حصان خياله.

المصدر : الجزيرة