فيلم "الممر".. خطوة للأمام أم تقليد لسينما الحرب الأميركية؟

فيلم الممر
حقق فيلم الممر أعلى إيراد لفيلم حربي في تاريخ السينما المصرية (مواقع التواصل)

علاء عبد الرازق-القاهرة

أن ينافس فيلم مصري حربي في موسم عيد الفطر فهذا أمر جديد، وأن ينافس على قمة الإيرادات فهذه سابقة أخرى، وأن يقدمه المخرج شريف عرفة مع مجموعة من أشهر فناني السينما المصرية وبميزانية هائلة هي الأعلى في تاريخ السينما المصرية، فهذا إنجاز حتى ولو كانت أجهزة الدولة نفسها دعمت إنتاج الفيلم.

نافس فيلم الممر ضمن خمسة أفلام خلال موسم عيد الفطر، وحقق أعلى إيراد لفيلم حربي في تاريخ السينما المصرية، من تأليف وإخراج شريف عرفة، وبطولة أحمد عز، أحمد رزق، هند صبري، إياد نصار، محمد الشرنوبي، محمد فراج، أسماء أبو اليزيد، وموسيقى عمر خيرت.

لسنوات طوال ظل النقاد يناشدون صناع السينما بتقديم فيلم عن بطولات الجيش المصري خلال حرب الاستنزاف وصولا إلى حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، فقائمة الأفلام التي يعيدها التلفزيون المصري وبعده الفضائيات خلال أعياد النصر قليلة ومتكررة ومحفوظة، وتتصدرها أفلام "الرصاصة لا تزال في جيبي" و"الطريق إلى إيلات" و"إعدام ميت"، وحين أنتج التلفزيون المصري فيلم "يوم الكرامة" (2004) من بطولة أحمد عز أيضا جاء الفيلم متواضعا وفشل في تحقيق أي إيرادات.

هنا يأتي شريف عرفة، المخرج الذي صنع أفلام حركة جيدة من قبل مثل "مافيا" و"الجزيرة"، أو مر بعالم الجيش المصري في إطار كوميدي في فيلمه "عبود على الحدود"، ليخرج لنا بفيلم حربي على الطراز الأميركي، يحسب للفيلم أنه يعيد بطولات الجيش المصري لشاشة السينما بعد طول غياب، بعناصر جذب جماهيرية جعلت قاعات عرضه ممتلئة العدد لجمهور لم يعتد الذهاب لقاعة السينما لمشاهدة هذه النوعية من الأفلام، فهل يعني ذلك أن التجربة قد نجحت بامتياز؟

مئة مليون جنيه..
توفرت لدى عرفة أكبر ميزانية لفيلم في تاريخ السينما المصرية، ووضعت تحت يديه إمكانيات الجيش المصري بطائراته ودباباته ومدرعاته، ومعه مجموعة من أشهر الفنانين المصريين، وفريق متميز من التقنيين والفنيين الأجانب، وفوق كل ذلك مساحة من الحرية أن يتناول النكسة بكل ما فيها من محظورات رقابية، لا سيما في عهد تقيد فيه كل الحريات والإبداع، فلماذا إذن يعجز عرفة عن تقديم تحفة فنية ناضجة تناسب كل هذه الإمكانيات؟

يقدم لنا الفيلم رسائله السياسية الواحدة تلو الأخرى كأنه يخاطب جمهور 2019 بتوجيهات من الشؤون المعنوية التابعة للجيش المصري، وليس الفترة الزمنية التي يناقشها، بعد نكسة 1976، فيتنافس أبطال الفيلم في طرح رؤياهم الفلسفية العميقة في تحليل الشخصية المصرية أو عقيدة الجنود المصريين المقاتلين أو ازدهار ظاهرة "الهلس" عقب الهزيمة، أو تأكيد انتماء أهالي النوبة وبدو سيناء للوطن.

حذر
وفي الوقت نفسه تأتي إشارات حذرة للغاية لتحميل القيادة السياسية مسؤولية الهزيمة، يمكننا أن نرى اعتراض الجنود على قرار الانسحاب المفاجئ في أعقاب قصف المطارات المصرية صباح 5 يونيو/حزيران 1967، ولكن لا أحد يتحدث عن عبد الناصر وأخطائه وارتباك قياداته الحربية.

سنسمع اسم المشير عبد الحكيم عامر مرة أو مرتين، لكن دون تحميله مسؤولية الهزيمة المهينة مباشرة، يمكننا أن نرى الجندي الإسرائيلي يسخر من أسراه من الجنود المصريين أو يطلق الرصاص على بعضهم، ولكننا لن نرى الجرائم المشينة التي ارتكبها الإسرائيليون بحق الجنود المصريين، والتي وثقتها أفلام وثائقية مختلفة.

يفقد الفيلم أهم نقاط قوته عندما يفقد المشاهد تعاطفه مع الشخصيات، لا يشعر بالحزن عندما تنتهي قصة حب، أو عندما يتعرض بطله للضرب، أو حتى عندما يهان ضابط الجيش من عامل بسيط، أو عندما يطلق الجندي الإسرائيلي النار على أسير مصري، وهذا ما رأيناه في الممر، فقط مشاهد طويلة، بعضها مصنوع بإتقان، لكن هناك شيء ما ينقص كل مشهد.

حبكات تقليدية
كما يفقد الفيلم متعته عندما يتساءل المشاهد: متى ينتهي هذا الفيلم؟ جاء السيناريو نمطيا طويلا، دون مفاجآت درامية أو حبكات غير متوقعة، نحن أمام قصة شديدة التقليدية، فرقة عسكرية في مهمة في قلب سيناء خلال حرب الاستنزاف، ثم تتطور المهمة لتحرير الجنود المصريين الأسرى من قبضة الإسرائيليين.

القصة كما يبدو من تأليف المخرج، ويبقى السؤال الدائم: لماذا لم يلجأ المخرج إلى سجلات المخابرات المصرية ليختار قصة حقيقية ستكون بالتأكيد أكثر تشويقا وإثارة؟ لماذا يترك عشرات الروايات التي تناولت هذه الفترة التاريخية ويختار منها ما هو مكتوب بعناية وإتقان ليقدم لنا قصة ركيكة من خياله؟

كوميديا لا تناسب الفيلم
يلعب أحمد رزق دور صحفي يقرر الانضمام للفرقة العسكرية خلال المهمة الحربية في قلب سيناء، ليقدم لنا المخرج جرعته الكوميدية عن طريق رزق الشاب البدين الخائف، محاولا انتزاع الضحكات من الجمهور، في فيلم ليس بحاجة للكوميديا وسط دوي المعارك والطائرات والقنابل.

التأثر بالسينما الأميركية
يمكن للمطلع على السينما الأميركية خاصة أفلامها الحربية التي تتناول الحرب العالمية الثانية أن يلاحظ تأثر شريف عرفة الشديد بأسلوبها، وكأننا نرى مشاهد من فيلم المخرج الأميركي الشهير ستيفن سبيلبرغ "إنقاذ الجندي رايان" (1998)، عن مجموعة من الجنود الأميركيين ينطلقون خلف خطوط العدو لإنقاذ زميل لهم.

لا خلاف على أن الممر فيلم متقن الصنع تقنيا، بذل فيه مجهود كبير على جوانبه الفنية، لكنه للأسف لم يعتن بالقدر نفسه بإيقاعه أو قصته أو حواره، ليخرج فيلما حربيا جماهيريا يثير التساؤلات إذا كان سيخلد في تاريخ السينما المصرية ضمن قائمة الأفلام التي يعشقها الجمهور عن حرب الاستنزاف.

المصدر : الجزيرة