الموت الثاني للأسطورة الأميركية دوريس داي

دوريس داي
الممثلة والمطربة الأميركية دوريس داي رحلت الأسبوع الماضي عن عمر يناهز 97 عاما (مواقع التواصل)

أسامة صفار

لم يكن رحيل الممثلة والمطربة الأميركية دوريس داي الأسبوع الماضي في الثالث عشر من مايو/أيار الجاري إلا نهاية لجسد ظل ينبض بالحياة 97 عاما، لكن تلك الروح والحيوية المدهشة طواهما النسيان ولفهما الغموض منذ نحو نصف قرن.

وبعد الشهرة والنجومية والإقامة في أحلام رجال ونساء أميركا في الثلث الثاني من القرن العشرين دارت النجومية دورتها الكاملة، وداهم النسيان المرأة التي اكتفت برعاية الحيوانات، ولكنها لم تتقبل فكرة الموت أبدا.

عرفت داي -التي ولدت في 3 أبريل/نيسان 1922- بتنوع مواهبها، فهي ممثلة وموسيقية، ومؤدية في الإذاعة والتلفزيون، ورشحت لجائزة الأوسكار ثلاث مرات، وحازت على جائزتي الغولدن غلوب وغرامي.

كما حازت في 2004 على وسام الحرية في الولايات المتحدة، وهو أرفع وسام مدني أميركي، أما أشهر أدوارها على الإطلاق فكان في فيلم الكوميديا الرومانسية "حديث الوسادة" (Pillow Talk) عام 1959.

ونالت دوريس داي شهرة ومالا، لكنها حرمت في أغلب سنوات عمرها من السعادة، إذ جاءت تجربتها في الزواج فاشلة، فطلقت ثلاث مرات وترملت في الرابعة، وبدد أحد أزواجها كل أموالها فأصيبت بانهيار عصبي، وتعرضت في السنوات الأخيرة من عمرها لعزلة تتعلق بأمراض الشيخوخة، ولم يتواصل معها حفيدها الوحيد لسنوات طويلة، حتى أنه عرف خبر وفاتها من مواقع التواصل الاجتماعي.

السقوط في دائرة النسيان
ولم يكن سقوط دوريس داي في دائرة النسيان -نسبيا- واختيارها للاعتزال عام 1968 إلا استجابة لتحولات كبرى شهدها النصف الثاني من القرن العشرين تتعلق بتطورات تقنية في وسائط الفن عموما وتحولات ذوق الجمهور من الأجيال الجديدة، حتى أن من علموا بخبر رحيلها هم هؤلاء الذين لم يكن آباؤهم قد ولدوا حين كانت نجمة نجوم التلفزيون والسينما الأميركية.

و"داي" واحدة من أبرز الممثلات الأكثر شعبية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وقد بدأت مسيرتها المهنية مغنية، وأصبحت معروفة بعد إصدار أول تسجيل لها وهو "رحلة عاطفية" (Sentimental Journey) عام 1944 في مسيرة مهنية مميزة امتدت لعقدين من الزمن، وقدمت أكثر من 650 تسجيلا، مما عزز سمعتها باعتبارها واحدة من أنجح المغنيات في عصرها.

وبفضل صوتها الجميل وأدائها المميز، اختطفتها السينما في أول فيلم لها بعنوان "رومانسية في البحار العالية" (Romance on the High Seas) عام 1948، وقدمت جانبا لم يكن معروفا من شخصيتها إلى معجبيها الذين كانوا سعداء لمشاهدة مغنيتهم المفضلة في دور البطولة في فيلم، حيث أدت دور مغنية في ناد ليلي بسفينة بحرية تخوض رحلة إلى أميركا الجنوبية.

أما الفيلم فيدور حول امرأة تشك في زوجها وتعتقد أنه يخونها، خاصة عندما يخبرها أنه لا يستطيع السفر معها في رحلة بحرية، وتستأجر مغنية في ملهى ليلي حتى تتمكن من التجسس على زوجها الذي استأجر بدوره مخبرا ليراقبها في البحر.

تركت دوريس داي رصيدا فنيا من 39 فيلما وأكثر من 75 ساعة من الأعمال التلفزيونية، وما يزيد على 650 عملا غنائيا، واعتبرت من أكثر فناني هوليود جماهيرية في الخمسينيات والستينيات.

رحلة إلى هوليود
طلق والداها وهي لا تزال طفلة، وعاشت مع والدتها، وأحبت الرقص، وشكلت في الـ14 من عمرها رقصة مع صبي فازا عنها بمبلغ 500 دولار في مسابقة مواهب محلية.

وقامت برحلة قصيرة إلى هوليود، وبعد تجربة قصيرة قررت أنها قادرة على النجاح هناك، فعادت إلى بلدتها "سينسياتي" لتبلغ والدتها وتنهي كل ما يربطها بالبلدة، وفي الليلة التي سبقت انتقالها إلى هوليود أصيبت بجروح أثناء ركوبها في سيارة اصطدم بها قطار، مما أنهى إمكانية ممارستها الرقص.

وبعد رحلة علاج طويلة -دفعها خلالها التفرغ إلى الاستماع للغناء والموسيقى- اكتشفت أن لديها صوتا جميلا فتعلمت المهنة الجديدة وفي سن الـ17، وبدأت في التجول مع فرقة "ليس براون" (Les Brown)، وقابلت عازف الترامبون آل غوردن الذي تزوجته عام 1941 والذي كان عنيفا معها، وحصلت على الطلاق منه بعد عامين، ولم يمض وقت طويل على ولادة ابنهما تيري الذي رحل عام 2004.

وجاء تصريح الحفيد الوحيد للنجمة الأسطورية الراحلة صادما، إذ أكد أنه لم يرها "في السنوات الأخيرة".

وقال ريان ميلشر حفيد دوريس داي في تصريحات للصحف الأميركية "استيقظت وقرأت الخبر في موجز لوسائل التواصل الاجتماعي صباح الاثنين".

وكتب "للأسف، بسبب الطلاق الذي حدث بين والدي ووالدتي بينما كنت طفلا دون السن القانونية لم يسمح لي برؤية جدتي لبعض الوقت، وعندما دعتني دوريس لتناول العشاء قبل بضع سنوات بعد أن داهم والدي الموت المفاجئ في نوفمبر/تشرين الثاني 2004 تدخل مدير أعمالها الجديد، وهو من المعجبين السابقين، وطلب مني مقابلته".

وأضاف "يومها سألني هذا الرجل: لماذا تريد أن ترى دوريس؟ لقد صدمت من السؤال، وأجبت للتو: "هي جدتي"، فأجاب: أخشى أنك لن تكون قادرا على رؤية جدتك، مشيرا إلى الطلاق بين والديّ كذريعة.

وقال الحفيد "كان ينبغي علي أن أقول أكثر من ذلك، كان يجب أن أذهب إلى منزلها وألا أدع شخصا غريبا يفرق بيننا، لكن لسوء الحظ منعتني الأسوار الطويلة والحارس الذي يعمل على مدار الساعة وتحت إشراف مدير أعمالها الجديد من اتخاذ موقف".

وصرح مدير أعمالها للصحف بأن دوريس أوصت داي بدفنها دون ضجة، وعدم تنظيم أي فعاليات تتعلق بها، مشيرا إلى خجلها المعروف وعدم تقبلها فكرة الموت، لأنه سيحرمها من رعاية الحيوانات التي امتلأت بها المزرعة التي عاشت فيها وتبلغ مساحتها ما يقارب 45 ألف متر مربع.

المصدر : الجزيرة