"البيت العشوائي".. صراع الهوية الشرقية في موسيقى "الأندرغراوند"

البيت العشوائي
أعضاء الفرقة أنفقوا من جيوبهم الخاصة على مشروع "البيت العشوائي" حتى أصبحت تدر دخلا من ريع الحفلات الموسيقية (الجزيرة)

همام العسعس-عمان 

يحاول قيس رجا (27 عاما) شرح كلمات أغنية "لاح القمر" المأخوذة من الفلكلور الفلسطيني لأعضاء فرقة البيت العشوائي خلال جلسة التدريب الروتينية بعد أوقات العمل.

زارت الجزيرة نت فرقة البيت العشوائي في مقر تدريبها بالعاصمة الأردنية عمان وقد بدت الأجواء حماسية للغاية، إذ يعمل أعضاء الفرقة على إعادة تشكيل أغنية "لاح القمر" بصوت البيت العشوائي من خلال مزجها بالموسيقى الغربية (الروك والجاز) إحياء لروح الفنانة الفلسطينية الراحلة ريم بنا.

البدايات
تولدت فكرة البيت العشوائي في مخيلة قيس رجا عندما كان طالبا يدرس الموسيقى وهندسة الصوت في كلية مقاطعة موريس بالولايات المتحدة، أثارت موجة ما تعرف بالموسيقى البديلة وقتها اهتمام قيس، وشعر بأهمية هذا النوع الموسيقي في المحافظة على التراث الشرقي في زمن العولمة.

ويضيف قيس أنه تذكر تلك الكلمات العربية التي كانت تغنيها أم كلثوم وفيروز، وفكر جديا في مزجها بالموسيقى الغربية.

وقد بدأ فعلا بمشروعه مثيرا اهتمام الأميركيين وقتها، وبذلك ولدت فكرة إنشاء فرقة تحافظ على هذا الأسلوب لدى أبناء جيله، وباشر بإطلاقها فور عودته إلى الأردن.

أسلوب فلسفي ونقدي ساخر
يكتب قيس رجا كلمات الأغاني بأسلوب فلسفي ونقدي ساخر، إذ تبدأ أشهر أغنيات الفرقة "السندباد" بكلمات تعبر عن واقع وحال الشعوب العربية، وتصف كلمات الأغنية حال الشعوب العربية بطريقة ساخرة، كونها تطلب يد المساعدة من الغريب على الرغم من كون الأخير سبب أزمات الشعوب العربية.

وفي نهاية الأغنية تطرح الفرقة تساؤلا عميقا "من أنا؟"، ويقصد قيس رجا من خلال طرح هذا التساؤل تقديم مناشدة للجمهور في فهم النفس البشرية، لأن البحث عن إجابته يؤدي للارتقاء بروح الإنسان. 

كذلك الحال بأغنية "السماع" المتأثرة بحضرة السماع الصوفية، ولا يقتصر أداء الفرقة على الكلمات الفصحى والأسلوب الصوفي الممزوج بالموسيقى الغربية.

ففي كثير من الأغنيات تمزج الفرقة صوتها بالموسيقى النوبية وفي البعض منها بالموسيقى الهندية، ناهيك عن استخدام الفرقة الكلمات العامية والمصرية منها، وتناول الفلكلور الفلسطيني والتراث الشرقي والعربي عموما في أغنياتها.

صراع الهوية الشرقية في موسيقى الأندرغراوند
يتابع قيس رجا في حديثه للجزيرة نت بأن بدايات الفرقة لم تكن سهلة، إذ إن تقبل جمهور الموسيقى هذا النوع الجديد لا يختلف عن طرح أي حالة جديدة تحتمل الرفض والقبول، وعلى الرغم من تقدير الكثيرين أسلوب الفرقة نظرا لاختلافه عن الأسلوب التقليدي المتبع فإنه لم يكن مفهوما لدى البعض الآخر.

ويصف قيس الجمهور العربي بالمثقف والعميق، رافضا في الوقت ذاته النزول من قيمة أذن المستمع العربي على حساب قاعدة "ما يطلبه الجمهور"، على حد وصفه.

حضور في الساحة العربية
وبحسب قيس، فإن جمهور "البيت العشوائي" ينقسم بين 3 دول عربية، هي الأردن ومصر وتونس، وقد أنتجت الفرقة ألبومين، الأول تجريبي باسم "يا عليم"، والألبوم الثاني باسم "نون"، وقد حصل الأخير على أفضل تصنيف للأغاني البديلة عربيا خلال العام 2018، بحسب ما يشير إليه موقع عرب نيوز، والأفضل ضمن 50 ألبوما في الشرق الأوسط، بحسب الموقع المتخصص في الموسيقى البديلة "سيم نويز".

فلسلفة اسم "البيت العشوائي"
أخذت الفرقة على عاتقها تبني كل أشكال الغناء الشرقي رغم عشوائيتها، ووضعها في بيتها وفي قالبها الخاص إبان تأسيسها في العام 2012.

ومن بعد آخر، فإن لاسم الفرقة دلالات فلسفية أخرى تتلخص في أن كل ما يجري للإنسان من أحداث وابتلاءات في حياته لم يأت بمحض الصدقة والعشوائية كونه قدر يسلك درب خاص يشكل هوية الإنسان نهاية المطاف. 

استقلالية الفرقة تفرض تحديات جديدة
"مثل ما في قافية للشعر، في قافية للموسيقى"، هكذا يصف فراس عرابي (27 عاما) آلية تلحين وكتابة الموسيقى الخاصة للفرقة مع قيس رجا في أجواء من التناغم والانسجام.

ويضيف عرابي أن ذلك الانسجام ممتد منذ سبع سنين على انضمامه لمشروع "البيت العشوائي" بعد تركه مشروع فرقته الخاصة التي أنشأها خلال المرحلة الجامعية، بعد إيمانه بهوية "البيت العشوائي" ليشكل مع قيس رجا ثنائيا موسيقيا، في كتابة الألحان الموسيقية.

عرابي الذي يعمل مهندسا للصوت يجد صعوبة في الاعتماد على أعمال الفرقة كمصدر دخل أساسي، فبالإضافة إلى عمله مهندسا للصوت ينشط عازفا في عدد من الفرق الموسيقية بشكل حر.

ويتابع عرابي في حديثه للجزيرة نت أن أعضاء الفرقة أنفقوا من جيوبهم الخاصة على مشروع "البيت العشوائي" في طور التأسيس إلى أن أصبحت الفرقة تدر دخلا من ريع الحفلات الموسيقية لتطوير نفسها.

ويفسر عرابي استقلال الفرقة بأنه من أجل المحافظة على هويتها الخاصة، إذ إن الشركات التجارية المهيمنة على السوق الغنائي تتبع أسلوبا تقليديا في الغناء لتلبية رغبات الجمهور.

ويختم عرابي حديثه بأن مشروع البيت العشوائي قادر على التوسع وكسب مستمعين جدد، مع المحافظة على هوية الفرقة، وهنا يكمن سر نجاحها.

المصدر : الجزيرة