"دفن كوجو".. رحلة في دواخل الروح على الطريقة الأفريقية

The Burial of
فاز "دفن كوجو" بجائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية (مواقع التواصل)

فاطمة نبيل

السمة الرئيسية للميثولوجيا الدينية بما تحويه من دراما وصراع وحبكة وشخصيات رئيسية متطورة وأخرى ثانوية؛ أنها صالحة لكل زمان، وقادرة دوما على التماس مع الضعف الإنساني من كل الثقافات.

أما سمتها الثانية فهي أنها جزء من وجدان المتلقي دوما، مما يجعله قادرا على فهم وإدراك ما يتلقاه ومن ثمّ تفسيره وفق موروثه الثقافي العادي.

وهذا هو ما يرمي إليه المخرج بليتز بازاول في فيلمه "دفن كوجو" (The Burial of Kojo)، حيث تبدو تفسيرات الرموز التي استخدمها شديدة البداهة لأنه لا يعنيه هذا المستوى الأول من التلقي الذي يستطيعه أي مشاهد عادي، ولكن ما يعنيه -كما يبدو- هو كيف يمكن تناول هذا الموروث الراسخ والمتجذر في نفس المتلقي من كل الثقافات تقريبا من وجهة نظر أفريقية، إذا جاز هذا التعبير.

الغراب، والبئر، والشقيقان المتنازعان، والدفن .. كلها أشياء يناقشها بازاول على طريقته، مصحوبة بموسيقى أفريقية مميزة تدعم رؤيته، ويمزج فيها بين كونه موسيقيا أصدر بالفعل أربعة ألبومات، وبين كونه صانع أفلام.

هذه الرحلة نراها بصوت الابنة "إيسي" التي أصبحت الآن أكثر إدراكا لما مرت به، ومر به والدها كوجو، ومسيرة هذا الأب الذي لا يريد أن يرى من العالم سوى حدود قريته الصغيرة التي تحيطها المياه من كل جانب كأنها الجنة.

لكن بمقدور الشياطين أن تفسد على العاشقَيْن -ومعهما ابنتهما الصغيرة- وحدتهما، وقد بدأ نذير هذا الفساد على يد الغراب الذي جاء إلى القرية يسعى، ومنه تعلم أن أمرا شريرا سيقع قريبا، ويشتت شمل الأسرة الطيبة.

وكما كانت حواء الوسيلة التي استخدمها الشيطان لطرد آدم من الجنة كما تقول القصة التوراتية، فإن الزوجة كانت أول من خرج من الجنة معلنة رغبتها في أن ترى عالم ما وراء البحر.

وإذا كان الشيطان قد أغرى آدم بالأكل من شجرة "المعرفة" كما تقول القصة التوراتية أيضا، فإن الإغراء هنا في الفيلم كان باستخدام الذهب مطمح الفقراء والأغنياء على السواء.

أما الأخ "كوابينا" فهو مزيج من قابيل الذي قتل أخاه حقدا، وإخوة يوسف الذين رأوا في محبة أبيه له تمييزا ضدهم. أما كوجو فمثله كمثل النبي يوسف، يرى في أحلامه ما لا يستطيع تفسيره، وعنه ورثت ابنته إيسي هذا الأمر، كلاهما يرى مستقبله ولا يستطيع أن يفعل شيئا لتغييره.

هذه الأحلام هي بمثابة زمن موازٍ لزمن الفيلم، زمن له إيقاعه وقواعده. ولأن الحلم هو تيمة الفيلم الرئيسية فكل العناصر قد اصطبغت بصبغته.

هذا الأمر الذي جعل تصرفات الشخصيات تبدو كأنها بلا منطق وخالية من التفسير، ولأن الحد الفاصل بين فكرة الحلم والواقع قد زال، فقد ظهرت الشخصيات كأنها محاكاة لأخرى أسطورية، أو بها مسحة مسرحية كنسية.

فيعمد بازاول إلى هذا الخلط بين الحلم والحقيقة، فلا فصل بينهما لأن كليهما عنده شديد الصلة بالآخر، لذلك فالألوان التي تغلب على الفيلم تشارك هي أيضا في إضفاء هذا الإيحاء الواضح، حيث المفارقة بين الظلام الشديد المصاحب للكوابيس، وبين الألوان المبهجة المصاحبة عادة للأحلام السعيدة.

فالفيلم أساسا هو من وجهة نظر هذه الطفلة التي اختل عالمها الصغيرة فجأة، ومع أنها تروي هذه الحوادث بعد أن كبرت وتجاوزتها، فإن هذه الاختيارات اللونية تدعم فكرة كيف كانت ترى العالم، وكيف أنها لم تتجاوز هذه الرؤية تمام التجاوز.

لكن القاعدة المعروفة تقول إن الأفلام كما لا تُصنع بالنوايا الطيبة فقط، فإنها قطعا لا تصنع بالأفكار العميقة فحسب، فكانت النتيجة أن الفيلم أتى خاليا من الأصالة وكأنه يبدو محاكاة لآخر جيد، لكنه فشل أن يفعل ذلك.

يذكر أن الفيلم عُرض في افتتاح مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته الأخيرة في مارس/آذار الماضي، وفاز بجائزة المهرجان لأفضل فيلم روائي طويل.

المصدر : الجزيرة